يوليو 2004

بقلم: د. جاب الله موسى حسن
سيحاول نظام القذافي جاهدا أن ينجو من الإدانة الدولية والتي أصبحت تلوح في الأفق, وذلك بعد الشهادات التي أدلى بها سجين سابق وهو السيد حسين الشافعي في التاسع والعشرين من شهر يونيو عام 2004 أمام حشد كبير من رجال الأعلام والصحافة. حسين الشافعي تحدث عن جرائم مفجعة وقتل جماعي ومقابر جماعية يندى لها جبين الإنسانية. تحدث حسين الشافعي في بيت الحرية أمام المنظمات الإنسانية. تحدث عن مذبحة سجن أبو سليم ذاكرا عدد الضحايا وأسماء مقترفي الجريمة. 1,200سجين قتلوا في هذا اليوم المشئوم والقتلة هم ناصر المبروك وخيري خالد وعبد الله السنوسى كل القرائن تؤكد أن نظام القذافي وراء اقتراف هذه المذبحة وكل المنظمات الإنسانية التي سجلت ضده الأدانات بالإجماع تعلم جيدا أن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا ستظل سيئة للغاية مادامت هناك حكم شمولي لا يؤمن بالحريات العامة والديمقراطية التعددية إلا بالشكل الذي وضعه القذافي وسماه “الديمقراطية الشعبية” ليزيد من قبضته على مقاليد الأمور في الوطن المكلوم !!

لقد ظل نظام القذافي طيلة السنوات الماضية يحاول الإفلات من الإدانة ولكن دون جدوى خاصة أن جرائمه ضد الإنسان الليبي أصبحت على مرأى ومشهد القرية الكونية, كما أن الجرائم التي يرتكبها أي نظام في حق المواطنين لا يمكن للعالم أن يعفو عنها مادام نفس النظام المجرم موجودا على السلطة فلقد رأينا قضية الطاغية بينوشيه الذي انتهك حقوق المواطن التشيلي واصبح طريد العدالة تواجهه المحاكمات في كل العالم ويطالب به شعبه لينال جزاءه حتى بعد أن ابتعد عن السلطة!! ولان نشاهد الطاغية صدام حسين ذليل ومهيض الجناح أمام عدالة الأرض والسماء, نشاهدة على شاشات التلفزيون متعلثما في الحديث يبحث عن كلمات استعطافية ليحتمي ورائها!!

أن جرائم نظام القذافي لا يمحوها الزمن ولا تسقط بالتقادم وضلوع حكمه في عمليات إرهابية إقليمية ودولية ستظل تلاحقه رغم الأكاذيب حول تحسين أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا جرائمه سوف تلاحقة رغم أكاذيبه والتي أتت عبر مسميات غير شرعية كالوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان التي تم صياغتها من قبل شراذم اللجان الثورية بعد أن هاجرت المنظمة الحقيقية بسبب حل المؤسسات والنقابات. وهذا في حد ذاته انتهاك سافر لحقوق الإنسان الليبي!!ويبقى هناك دور متعاظم للنشطين في منظمات حقوق الإنسان الليبية وقيادات المعارضة للمشاركة في مؤتمرات حقوق الإنسان لتضييق الخناق على نظام القذافي وكشف كل أساليبه التي يسعى عن طريقها للهروب من الإدانة الدولية التي أصبحت ملازمة له, كما لابد أن يتم التنسيق مع الدول الصديقة ومنظمات المجتمع المدني الإقليمية والدولية والتي تضررت من سلوك نظام القذافي الدموي وظلت تتابع أوضاع حقوق الإنسان عن قرب طيلة السنوات الماضية ,فهذا النظام الذي قتل الأبرياء وابتدع بيوت الأشباح وشرد الآلاف من أبناء الشعب الليبي واختار الإرهاب بدلا من الحوار والسلام لابد أن يُحاكم. وهذا ما عبرة عنة السيد مارك بالمر نائب رئيس بيت الحرية عندما قال :” يجب أن يكون هناك تحقيق دولي في هذه الجرائم… مع تشكيل لجان عملTask Force تذهب إلى ليبيا وتجتمع مع أهالي الضحايا … وكذلك الذهاب إلى موقع الجريمة والبحث عن جثث الضحايا … يجب أن يكون هناك تحقيق”

احسب انه ينبغي على كل الذين ينتسبون لهذا الوطن،أيا كانت رؤاهم وخلافاتهم السياسية والفكرية، أن يستعلوا فوق حساباتهم ومرارتهم ،وأن يبحثوا عن القوا صم المشتركة آلتي يجب أن تكرس وتوظف ، لحساب مستقبل الوطن الذبيح!!يجب أن نقر بأننا نعاني من محنة وطنية ، وانه لا بديل عن فتح باب الحوار بين الجميع دون تمييز، للاتفاق على أولويات العمل الوطني في المرحلة القادمة، ووضع ثوابت لمشروع وطني، يعبر عن الوجدان العام ، ويحظى بالإجماع،ولمن قبل بتلك أولويات والثوابت، عليه أن يسهم بعطائه ،وعلى فصائل المعارضة أن تكسر حاجز الاحتكارية، وتفسح المجال لمن يرغب في الانضمام للعمل الوطني ويستطيع أن يعطي ويشارك،كي لا يتساوى مع من اعرض ونأى، واكتفى بتأجيج المخاوف،وتكديس التقاطع،وتعميم الانطباعات السلبية والمزايدة على الآخرين!!في هذا التوقيت بالذات اعتقد أن أي جهد مخلص يبذل لمد الجسور ،ورصد القوصم المشتركة يمكن أن يبلغ غايته، بعيدا عن منطق العناد،أو شبهة التنازلات!؟ ومنطق الغالب والمغلوب،فالوطن كله محط الاختبار أما أن يكون أو لا يكون أم أن يقدم استحقاقات دخول عصر الحريات والديموقراطية ، أو ينتظر دوره في صفوف الخارجين من حسابات التاريخ والزمن والجغرافيا!!

عندما تكون الغاية والهدف هي استنقاذ الوطن، وعندما تكون الغاية والهدف هو محاكمة من أجرم في حق شعبنا ، فليس لأحد أن يزايد على الآخرين، وليس لطرف الحق أن ينصب نفسه،وصيا على العمل الوطني،فالأمانة الكبرى والمسئولية تقضيان فتح الأبواب على مصارعها لكافة الاتجاهات والاجتهادات السياسية لكي تنهض بواجبها إزاء تحديات المستقبل والمشاركة فيه بغير تهميش وتلوين.!!أننا لا نعدم عقلاء وراشدين ووطنيين، ينتسبون لكل الاتجاهات ويدركون التحديات والمخاطر، ولديهم القدرة على التبصير بالأفاق الجديدة والمخارج بمصداقية، وبذات القدرة على التجديد والمراجعة ، التي تضيف للرصيد ،ولا تخصم منه، تبنى عليه ،ولا تهدم ما رسخ منه،وتكرس قيم التواصل والتعايش، لا التقاطع والتشابك.. ممسكة بميزان الاعتدال والاستقرار..نعم غابت الهياكل الديمقراطية في الوطن السليب لأكثر من ثلاثة عقود ، هياكل أصابتها تشوهات،لم يعد ميسورا القبول بها ، بدعوى الطبيعة الانتقالية واهم هذه التشوهات أو الثغرات انه باتت لدينا هياكل قارب عمرها الثلاثون عاما دون أن ترسخ لدى المواطن المفاهيم والقيم الديمقراطية ، التي تعطي هذه الهياكل صدقيتها ،وتبث فيها لحياة!!

أن الإجماع الذي ننشده من كافة القوى السياسية المعارضة، ونحن على أعتاب حقبة جديدة من تاريخ نضالنا الوطني ضد اعتي أنواع الديكتاتوريات في التاريخ المعاصر ،هو اللحظة التاريخية الأدق والأنسب ليس فقط لأحداث تغيير في الوطن المكلوم ، بل في تركيبة هذه النخبة ،وشكلها ومفرداتها ،والتي يفترض أن تعكس حالة الإجماع،التي لاحت بوادرها في نوع وطبيعة الرفض الشعبي للنظام القائم ! هذا هو النداء الأخير لكي يستوثق الرأي العام العالمي من أننا أهل ونتأهل لبناء ليبيا جديدة ، بمنطق وروح جديدة..هذه هي الفرصة الأخيرة،ليدرك المواطن في الداخل، أن المسالة جد وبعدها يكُسر قانون الصمت والخوف ويفتح أبواب الأمل والعمل!!