واقع حقوق الإنسان في ليبيا: ملفات عالقة و وعود معلقة
08 - أكتوبر - 2004
8 أكتوبر 2004
بتاريخ 18 أبريل 2004م دعا العقيد معمر القذافي أمام المجلس الأعلى للهيئات القضائية في ليبيا إلى إلغاء القوانين و المحاكم الإستثنائية و أعترف بحادثة القتل الجماعي، التي لقي فيها عدد كبير من المعتقلين السياسيين في معتقل ابوسليم في صيف 1996م حتفهم، ، و قد رحبت التضامن آنذاك بالدعوة و اعتبرتها خطوة إيجابية نحو تحسين واقع حقوق الإنسان في ليبيا.
ورغم مضي قرابة 6 أشهر على تلك الدعوة، و رغم البداية الايجابية لعام 2004م، مع ملف حقوق الانسان في ليبيا و الذي تمثل في الموافقة لوفد من منظمة العفو الدولية للقيام بزيارة ميدانية لبعض المعتقلات و المؤسسات الرسمية و السماح لأعضاء الوفد بالحديث مع العديد من المعتقلين السياسيين و سجناء الرأي، و إعتراف النظام بحادثة القتل الجماعي بعد قرابة 8 سنوات من الإنكار، إلا أنه حتى الآن لم يتحقق أي تقدم جديد نحو كشف و قائع الجريمة والأشخاص الذين قاموا بها و البيانات المتعلقة ببقية الضحايا الذين لم يكشف عن اسمائهم بعد و أماكن دفنهم و غير ذلك من الالتزامات القانونية والاخلاقية التى يتوجب على السلطات الليبية الوفاء بها ، بل إن المعلومات التي تحصلت عليها التضامن تشير إلى أن الأمور ربما بدأت تسير نحو الأسوأ.
كما تفيد الأنباء إلى تفشي أمراض معدية في المعتقلات الليبية ، خاصة مرض التدرن الرؤوي، و هو ما يعد مؤشرا خطيرا على تردي الرعاية الصحية في المعتقلات.و تشعر التضامن ببالغ القلق نتيجة ان هذه المعلومات المؤسفة تأتي بعد فترة شهدت المعتقلات تحسن ملحوظ في الرعاية الصحية و التموين و السماح للعائلات بزيارة ذويهم بعد سنوات عديدة من العزل، و تأمل الا يكون ذلك بداية للعودة الى الظروف المتردية التي كانت عليها المعتقلات و التي كانت من ضمن نتائجها الخطيرة ، حادثة القتل الجماعي في يونيو 1996 هذه المعلومات تشير إلى أن بعض الحالات وصلت مرحلة خطيرة و في حاجة عاجلة إلى رعاية صحية متخصصة. و في هذا الصدد توجه التضامن نداءها إلى السلطات المعنية بضرورة الإسراع في توفير الرعاية الصحية المتخصصة لكل الحالات و نخص بالذكر هنا المواطن عبدالقادر شرمدو و المعتقل في سجن ابوسليم منذ عام 1998 و الذي حكمت عليه محمكة الشعب بالسجن المؤبد – في قضية الأخوان المسلمين ، و المواطنين عبدالله بوزقية وحسن القذافي القماطي المعتقلين في سجن عين زارة منذ عام 1995م بعد أن قامت السلطات السودانية بتسليمهما إلى السلطات الليبية ، وتؤكد المعلومات أن حالة هؤلاء الصحية وصلت مرحلة متردية خاصة المعتقلين الأخيرين.
و تفيد آخر الأنباء الواردة الى التضامن بأن المعتقلين من الاخوان المسلمين في سجن أبوسليم ، قد باشروا إضرابا عن الطعام منذ يوم الخميس 23 شعبان 1425هـ الموافق 7 أكتوبر 2004 م ، و ذلك احتجاجا على استمرار تأجيل النظر في قضاياهم من قبل دائرة الاستئناف بمحمكة الشعب و لمدة تزيد عن السنتين ، حيث تم تأجيل القضية مؤخرا الى 24 نوفمبر 2004م .و هذا ما يؤكده تقرير منظمة العفو الدولية في أبريل 2004م والذي أفاد أن الجلسات الاستثنائية لا تستغرق سوى بضع دقائق و بصورة متكررة. وتفيد الأنباء العاجلة أن أهم مطالب المضربين تتمثل في سرعة البث في قضاياهم و توفير الرعاية الصحية المختصة. وإطلاق سراح جميع سجناء الرأي. و هذا وقد تأكد إعادة إعتقال سجين الرأي فتحي الجهمي و عائلته ، في حين تم الإفراج عن المواطن عاشور نصر الورفلي، و ابن السيد الجهمي إلا أن المواطن فتحي الجهمي و زوجته لازالا قيد الإعتقال في معزل عن العالم.
و التضامن إذ تبدي قلقها البالغ لما يتعرض له سجناء الرأي في السجون الليبية من ظروف صحية سيئة بسسب تفشي الأمراض المعدية و استمرارية تأجيل النظر في قضاياهم ، و عزلهم عن الأتصال بالعالم الخارجي.، لتؤكد مطالبتها للسلطات الليبية بضرورة الإفراج عن كافة سجناء الرأي في ليبيا فورا وكفالة محاكمة عادلة للسجناء السياسيين. إذ لازالت المحاكمات السرية لمعتقلين سياسيين تنعقد أمام “محكمة الشعب” و هي محكمة إستثنائية، تفتقر لأدنى معايير المحاكمات العادلة، و هي كانت و لا زالت محل نقد من طرف مؤسسات حقوقية محلية و دولية. و هنا نجدد دعوتنا إلى ضرورة إلغاء “محكمة الشعب” و مراجعة كل الأحكام الصادرة عنها.
و لعل الملف العالق الأخطر هو إستمرار السلطات الليبية في تجاهل ملف حادثة القتل الجماعي لعدد غير معروف من المعتقلين في السجن المركزي في معتقل ابوسليم يوم 29 يونيو 1996م، بعض التقديرات الى ان عدد ضحايا الحادثة في حدود 1200 سجين. كما انه بالرغم من محاولة السلطات الليبية بتصوير أن الحادثة بأنها كانت في إطار محاولة السيطرة على تمرد للسجناء إلا أن المعلومات التي تحصلت عليها التضامن و شهادات العديد من الشهود تشير إلى أن الحادثة كانت عملية قتل خارج نطاق القانون ترتقي إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.
و حتى تاريخ اليوم لا يزال مصير العديد من السجناء مجهولا، و لم ترد إلينا في التضامن أي معلومات عن قيام السلطات بالتحقيق في الحادثة و تحديد المسئولين عنها. إستمرار السلطات في تجاهل القضية و التعامل اللامسئول مع الملف هو إستمرار في إنتهاك حقوق السجناء و ذويهم بعد أكثر من 8 سنوات على تاريخ الحادثة و إمعاناً في إيذاء ذويهم. التضامن تجدد مطالبتها بضرورة إجراء تحقيق مستقل في القضية لتحديد الأسباب التي أدت إلى تلك الحادثة، ما الذي حدث يومي 28 و 29 يونيو 1996م، الجهات المسئولة عن الحادثة و محاسبتها، حصر شامل لهوية كل الضحايا و مصير جثامينهم و تعويض ذوي الضحايا التعويض المادي و المعنوي المناسب مع العمل على إتخاذ كافة التدابير من أجل عدم تكرار الجريمة.
التضامن تدعو السلطات الليبية إلى العمل على تصحيح مسارها بتنفيذ الوعود التي وعدت بها و العمل على تسوية الملفات العالقة من أجل ضمان حقوق المواطنين و إحقاق الحق و العدل على كل المستويات، فالوعود وحدها لا تكفي إذا لم تتجسد على أرض الواقع و إلا تظل معلقة..
خلفية:
– مساء يوم الجمعة، الموافق 21 يونيو 1996م، قامت مجموعة من المعتقلين السياسيين في سجن أبو سليم بالهجوم على أحد الحراس و أخذه رهينة في إطار “عملية تمرد” للتعبير عن إحتجاجهم على الأوضاع السيئة و الظروف المهينة في السجن. بعد جولة طويلة من المفاوضات، قام المعتقلون بالإفراج عن الحارس الرهينة و عادوا إلى زنزاناتهم بعد أن تلقوا الوعود من الوفد الأمني، برئاسة العقيد عبد الله السنوسي، بتحقيق مطالبهم و التي تمثلت في تحسين ظروف الإعتقال و توفير الرعاية الصحية و نقل عدد من السجناء إلى المستشفى لتلقي العلاج و السماح لذويهم بزيارتهم و تقديمهم لمحاكمة عادلة للبث في قضاياهم بعد سنوات عديدة من الاعتقال التعسفي بدون محاكمة. صباح اليوم التالي، السبت الموافق 22 يونيو 1996م، لقي عدد غير معروف من المعتقلين حتفهم في عملية قتل جماعي بدون مبرر، و حتى تاريخ اليوم لم يتم إجراء تحقيق علني للكشف عن ملابسات و أسباب عملية القتل و من أمر بها، كما أن العدد التحديدي للضحايا وهوياتهم و مصيرهم لا يزال مجهولا.
– بتاريخ 22 مارس 2000م نشرت التضامن تقرير عن تفشي مرض السل في سجني ابوسليم و الجديدة، الوثيقة رقم (HRS2000-0009)
– في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2002، حضر فتحي الجهمي، وهو مهندس مدني وُلد في العام 1941 ومتزوج ولديه سبعة أطفال، جلسة لمؤتمر الشعب الأساسي في المنشيا، بن عاشور، إحدى ضواحي طرابلس.
و في المؤتمر ورد أنه صرح أن الإصلاح داخل ليبيا لن يحصل أبداً في غياب الدستور والتعددية والديمقراطية.
وبحسب ما ورد قال متسائلاً كيف يمكن معالجة القضايا داخل البلاد معالجة صادقة فيما ليبيا “يحكمها مجرمون”، وأعطى مثالاً معيناً. ويبدو أنه كان معروفاً بجهره بآرائه قبل هذه الحادثة. و نتيجة لهذا التصريح كما يبدو، ألقى أفراد الأمن الداخلي القبض عليه بينما كان في مؤتمر الشعب الأساسي واعتُقل طوال عدة أشهر. وبحسب ما قاله فتحي الجهمي، فقد حوكم مرتين بالتهم ذاتها في محكمة الشعب في منطقتين مختلفتين داخل طرابلس. و صدر عليه حكمان منفصلان، أحدهما بالسجن لمدة خمس سنوات والآخر بالسجن لمدة ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ.
وفي 10 مارس/آذار 2004، نظرت محكمة الشعب الاستئنافية في قضيته وحكم عليه بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ.
وأطلق سراحه أخيراً في 12 مارس/آذار 2004. إثر الإفراج عنه، قام فتحي الجهمي بعدة مقابلات إعلامية، من بينها قناة الحرة العربية التي مقرها الولايات المتحدة