4/12/2006
بأغلبية 157 ومعارضة 7 دول، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مطلع هذا الشهر قرارا، دعت فيه اسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 والاقرار بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. واعتبرت الجمعية ان “أي خطوة اتخذتها إسرائيل، القوة المحتلة، لفرض قراراتها، سلطتها القضائية وإدارتها على مدينة القدس المقدسة هي غير قانونية وعليه فهي باطلة وليس لها أي شرعية وتدعو اسرائيل لوقف كل هذه الاجراءات غير القانونية واحادية الجانب.”
ومما لا شك فيه أن هذا القرار يشكل تعزيزا للوضع القانوني لمدينة القدس بوصفها مدينة خاضعة للاحتلال تنطبق عليها اتفاقات جنيف. ومن المعروف ان الاحتلال الاسرائيلي ضم مدينة القدس في العام 1968 بعد ان ضم اليها ما مساحته 70 كلم مربع لتصبح مساحتها آنذاك حوالي 108 كلم مربع مما شكل 28% من مساحة الضفة الغربية.
كما ان الاحتلال يعتبر المقدسيين كمواطنين دائمين، مما يعني انهم معرضين لسحب هذه المواطنة في أي وقت يرغبه الاحتلال باستخدام شتى الذرائع والادعاءات كانتقال مركز عمل المواطن الى خارج القدس. وكانت هذه السياسة قد ابتدأت عام 1995 (بعد توقيع اتفاقات السلام)، وكان آخرها القرار بسحب هويات نواب المجلس التشريعي عن كتلة حركة التغيير والاصلاح التابعة لحركة حماس واللذين اختطفتهم اسرائيل بعد اسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شليت.
ومنذ 12 آيار 2002، دأب الاحتلال على تجميد طلبات لم شمل الأسر المقدسية وبخاصة اذا كان احد الأزواج من الضفة الغربية او احدى الدول العربية، مما يعرض الالاف من الأسر المقدسية للتفسخ. وشرع الاحتلال باغلاق المدينة أمام مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1993.
وعلى صعيد الأنشطة الاستيطانية في مدينة القدس، دأب الاحتلال مباشرة بعد السيطرة على المدينة ببناء 12 مستوطنة في المدينة لوحدها. وهذا ناهيكم عن اغلاق المؤسسات المقدسية بعيد انتفاضة الاقصى مثل: بيت الشرق والغرفة التجارية ومركز المشاريع الصغيرة ومؤسسة الرفاه ولجنة التراث.
كما ان شبان المدينة المقدسة، وبخاصة الذين تعرضوا للاعتقال خلال الانتفاضة الأولى يعانون من البطالة، لرفض دوائر الأمن الاسرائيلية منحهم ما يسمى بشهادة حسن السير والسلوك التي يشترط الحصول عليها حتى يقبل المقدسي للعمل في المؤسسات والورش الاسرائيلية، مما يترك آثاره الوخيمة على الجوانب الاجتماعية.
ويشار الى ان جدار الضم والعزل العنصري الذي يبنيه الاحتلال حول المدينة المقدسة، يعزل ما يقدر بـ 200 ألف مقدسي عن مدينتهم، وبالمقابل سيضم الجدار مستوطنة معاليه أدوميم التي يقطنها 30 الف اسرائيلي، إضافة الى منطقة مسجد بلال بن رباح.
كما تنوي بلدية الاحتلال في مخططها المسمى 2020 الى افراغ البلدة القديمة ومحيطها من السكان الفلسطينيين العرب عملا على تهويدها.
هذا ناهيكم عن الضغوط الاقتصادية وغيرها من الممارسات التي يقوم بها الاحتلال في مدينة القدس لغرض إجبار المقدسيين على ترك مدينتهم وهجرها.
كل هذه الممارسات تضع دول المجتمع الدولي وبخاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقات جنيف أمام مسؤولياتها حيث ان كل دولة من دول المجتمع الدولي ملزمة بفرض ما امكنها من ضعوط على الحكومة الاسرائيلية لوقف انتهاكاتها لهذه الوثائق المقدسة. وتنص المادة 1 المشتركة بين اتفاقات جنيف الأربعة بأن “تلتزم الأطراف السامية المتعاقدة احترام وضمان احترام المعاهدة الحالية في جميع الظروف.
وكان قرار الجمعية العامة قد نص على ان “الحل الشامل والعادل والدائم لمسألة مدينة القدس، يجب أن يأخذ بالاعتبار القلق المشروع لكل من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ويجب ان يتضمن البنود المكفولة دوليا لضمان حرية الديانات ووجدان سكانها، اضافة الى الوصول الدائم والحر وبدون عوائق للأماكن المقدسة من قبل شعوب جميع الديانات والقوميات.”
وعارض القرار: الولايات المتحدة واسرائيل واستراليا وجزر المارشال ومكرونيزا ونورو وبالاو.
وكان افضل توصيف للمارسات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة قد جاء على لسان مقرر وضع حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جون دوغار، الذي كتب في مقالة تحت عنوان: “الفصل العنصري: يتبنى الاسرائيليون ما اسقطته جنوب افريقيا،” نشرت في مجلة اتلانتا في 29/11/2006، حيث يقول ان “العديد من جوانب الاحتلال الاسرائيلي قد فاقت تلك التي تعود للنظام العنصري. فان الهدم الاسرائيلي على نطاق واسع للمنازل الفلسطينية، وتجريف الأراضي الزراعية، والتوغلات العسكرية، والاغتيالات للفلسطينيين، فاقت بشكل كبير أي اجراء مشابه في جنوب افريقيا العنصرية. حتى انه لم يبن أي جدار للفصل ما بين السود والبيض.”
وأمام كل ذلك، يتعين بالفلسطينيين مواصلة جهودهم في المحافل الدولية لحث الدول السامية للضغط على اسرائيل لتغيير سياساتها العنصرية وفي ذات الوقت مواصلة العمل على مقاضاة المسؤولين عن كل معاناة الشعب الفلسطيني في الدول التي يسمح قانونها بذلك، بوصفها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
فلا يعقل ان تكتفي الدول التي صوتت على القرار بمجرد رفع الأيدي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فما يحتاجه الشعب الفلسطيني، تحركا فاعلا للضغط على حكومة الاحتلال ورفع الصوت عاليا في وجهها حتى تتوقف عن جرائمها، فالقدس التي يسعى طرف لاحتكارها بحاجة الى افعال وليس أقوال.