9/3/2005

القضاء ولاية جليلة ورسالة سامقة قوامها الاستقلال والحيدة ومقصدها إعلاء حكم القانون وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وأنفاذ كلمته على القوي والضعيف على حدِ سواء وتنزل عند قضائه كل السلطات ولذا كان القضاء على مر العصور الملاذ الآمن للحقوق والحريات والقلعة المنيعة للأنصاف واقتضاء الحقوق فاحتل بذلك مكانة عظيمة من الهيبة والثقة في نفوس الناس وسجلت ذاكرة الناس قبل بطون الكتب مواقف قضائية انتصرت للحق والحقيقة دون أن تخشى في الحق لومه لائم ووقفت بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بالحقوق أو الاعتداء على الحريات كائن من كان ولو كانت السلطة نفسها التي كانت ومازالت أكثر وحشية وعدوانية في ارتكاب أبشع الجرائم وافضعها وفي التعدي على الحريات والحقوق ومن أجل ذلك فقد سعت السلطة بكل ما أوتيت من قوة بسيف المعز وذهبه ترغيباً وترهيباً لفرض وصايتها على القضاء لتعطيله عن القيام برسالته على الوجه المطلوب لتفرغ مبدأ استقلال السلطة القضائية من محتواه وليصبح مجرد شعار يفضحه الواقع والممارسات وبدليل أن القضاء اليوم أصبح أداة طيّعة في يد الحاكم يسيرها كيفما يرغب ويهوى ووسيلة للقضاء على خصومة السياسيين والحفاظ على مقعدة من جهة أخرى وفي سبيل ذلك فُعُّل قانون القمع ووسُعت دائرة الانتهاك للحقوق والحريات بحيث تم الزج بمئاتِ من المواطنين الأبرياء في غياهب السجون دونما جرمِ ارتكبوها مما أدى إلى تشريد أسرهم وأطفالهم لتتسع رقعة الانتهاكات لتطال أقاربهم وأصحاب الرأي وليحرموا من الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي وإذا ما عرضوا حرموا من ابسط حقوق الدفاع عن أنفسهم كل ذلك يتم في ظل ثقافة تغيب القانون مع سبق الإصرار والترصد دون أن تجد تلك السلطة من يسألها أو يوقفها عند حدها لتتعطل لدى بعض القضاة كافة الحواس ليتحول إلى دمي في يد السلطات تحركها بالريموت كنترول لتكون النتيجة حبس وإذلال وإعدام كرامة المواطنين فأضاعوا الحقوق والحريات وديست أعراض الناس تحت بيادة العسكر بدءً من الشارع ومروراً بمقرات الأحزاب والصحف وصولاً إلى أقبية المحاكم ناسين أولئك القضاة أن هذه الحقوق وتلك الأعراض أمانة في أعناقهم سيسألون عنها يوم التلاقى كما أن سكوتهم عن كافة أشكال الانتهاكات المخالفة للدستور والقانون أو تعطيلهم للنصوص القانونية يعد حنثاً منهم بالإيمان التي أقسموها يوم اعتلوا محاريب العدالة غير أنهم استدبروها ونكصوا على أعقابهم ليصبح القضاء أسماً وخبر بعد عين لتتمادى السلطة التنفيذية في غيها إلى المساس باستقلال القضاء ونزع هيبته عن طريق تعطيل تنفيذ أحكامه.

متى كانت مخالفة لرغبة الحاكم أو هواه وأصبحت أحكام القضاء مجرد أوراق مهملة في أرشيف المحاكم وجودها وعدمها سوء ولترسخ في اذهان الناس أن مسالة التقاضي ليست سوى مضيعة للمال والوقت وعبث لا مبرر له وصدق الشاعر حين قال: “من يهن يسهل الهوان عليه”.

أما بعض قضاتنا الأجلاء فقط غطوا شعورهم بالتبعية (للسلطة التنفيذية) وانتقاصها لهيبتهم واعتد ائتها المتكررة على استقلالهم بإقامة الحواجز العسكرية وحولوا المحاكم من محاريب للعدالة إلى ثكنات عسكرية وأصبحنا معها غير قادرين على التفريق بين المحاكم والمعسكرات. مع فرض التفتيش الذي لا يخلوا من الاستفزاز والتعسف من قبل القائمين به وإذا كتب لك وتعديت البوابة فلا شك أن المشاهد قد تتكرر خصوصاً أمام بوابة القاضي حيث تجد حراسه المدنيين والعسكريين مدججين بأنواع الأسلحة حتى يخيل انك في ميدان معركة لا في ساحة القضاء بل أن دخولك إلى عند القاضي لتوقيع أي ورقة أو التأشير عليها أصبح من المستحيلات بالنسبة للمحامي فما بالك بالمواطن العادي فبالله عليكم أي عدالة تقنعوننا أنكم تحققونها وكيف سيقبل الناس للاحتكام للقضاء؟ مادام هذا حالكم بل كيف سيرضى الناس أن يأتوا لاستجداء العدالة من لديكم فيتعرضوا للضرب والاعتداء من قبل أنصاركم ومعاونيكم رغم أن فيهم من هم أكفا منكم وأكثر خبرة فمنهم المحامي المتمرس أو من كان في يوم من الأيام قاضياً فترك منصة الحكم ونزل لنصرة المظلوم ورفع مبادئ العدالة وتحقيق المساواة فأفتوني فأنا الاعتراف بالحق فضيلة! هل انتم من حماة الحقوق والحريات أم المعتدين عليها والمضيعين لها فإذا كانت الأولى فما بال أفعالكم تناقض أقوالكم وان كانت الأخيرة فلا نقول لكم إلا كما قال سعيد بن سويد في احد خطبه ” أيها الناس أن للإسلام حائطاًَ منيعاً وباباً وثيقاً فحائط الإسلام الحق وبابه العدل ولا يزال الإسلام منيعاً ما اشتد السلطان وليس شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضرباً بالسوط ولكن قضاء بالحق واخذ العدل ”