15/3/2005
أكد المحامي محمد ناجي علاو، رئيس المنظمة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود)، بأن وضع حقوق الإنسان في اليمن يفرح العدو ولا يسر الصديق، وأضاف علاو، في حوار لـ(العاصمة) بأن أجهزة الدولة في اليمن خليط من نظامين شموليين، واعتادت أن تنتهك الدستور والقانون، وأن حكم العادة والهاجس الأمني يسود كل أعمالها، موضحاً بأن آلاف الناس يختطفون من الشوارع، ويقبض عليهم ويخفون عن أهاليهم، ويعذبون، وأشار رئيس المنظمة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، بأن ما كان يعرف بمحكمة أمن الدولة في حقبة التشطير والتي كانت ذات صفة مؤقتة وغير دائمة، قد تم إحياؤها من جديد وبصفة دائمة تحت مسمى (المحكمة المتخصصة) التي تنتهك فيها كل الحقوق والحريات.
وقيم علاو، العام الماضي بأنه لا يختلف عن سابقيه في الانتهاكات والتجاوزات في ظل غياب دور جهاز السلطة القضائية، وغياب الرقابة الفاعلة من قبل مجلس النواب على السلطة التنفيذية التي قال إنها تنفرد وتتغول وتسيطر على كل السلطات.
حاوره/ محمد سماحه
* وأنا في الطريق إليك، قرأت في صحيفة (الثورة) إشادة بوضع حقوق الإنسان في اليمن، فأريد منك تقييماً لوضع حقوق الإنسان في اليمن خلال العام 2004م؟
– وضع حقوق الإنسان في اليمن يفرح العدو ولا يسر الصديق، ذلك أن أجهزة الدولة في اليمن هي خليط من نظامين شموليين واعتادت أن تنتهك الدستور والقانون وأن يكون حكم العادة والهاجس الأمني هو الذي يسود أعمالها.. ربما تتذكر من قبل عندما كنت تذهب للسؤال عن سجين وخاصة إذا كان لدى جهاز من الأجهزة الخاصة، كأمن الدولة أو الأمن الوطني، أو ما جمع فيما بعد وسمي بجهاز الأمن السياسي، وحديثاً الأمن القومي، كان يقال لك لماذا تراجع على هذا الرجل؟ هذا مسجون من قبل جهات عليا، وهذا إذا اعترفوا بوجوده لديهم، وفي الغالب كانوا لا يعترفون بوجود سجناء لديهم لفترات طويلة حتى يعفوا أنفسهم فيما بعد من موته تحت التعذيب أو سحله أو ما عن لهم من التصرفات التي لا رقيب فيها لا من قضاء ولا من المجالس التشريعية، ورغم وجود مثل الهيئات القضائية والمجالس التشريعية إلا أنها كانت لا تتدخل ولا تبسط سيطرتها الرقابية على أجهزة الأمن الخاصة.
بعد الوحدة ارتخت قبضة هذه الأجهزة وحصل التوازن بين الإشتراكي والمؤتمر، فعشنا تلك الأيام السعيدة، تلك الأيام من الحرية والرفاه الحقيقي، ليس برغبة الأجهزة والحكام، ولكن للتنافس الحاد الذي أدى إلى ارتخاء قبضة تلك الأجهزة، وبعد الحرب بدأ التراجع النسبي لكنه ظل خفيفاً وبسيطاً في مظاهره حتى أحداث كول ثم أحداث سبتمبر، فعادت حليمة لعادتها القديمة.
* سألتك بالتحديد عن الوضع خلال العام الماضي؟
– العملية تراكمية ولا يوجد عام منفصل عما سبقه من الأعوام، وبالتالي كما قلت عادوا لما كانوا عليه وصاروا يقبضون على آلاف الناس، يخطفونهم من الشوارع، يخفونهم عن أهاليهم يعذبونهم، ثم أتت محكمة أمن الدولة الجديدة، وكان هناك محكمة أمن دولة في الشمال، وأخرى في الجنوب قبل الوحدة، وكانت في الغالب مؤقتة وغير دائمة، أما الجديدة فهي دائمة وهي ما يسمى بالمحكمة المتخصصة، وفيها تنتهك كل الحقوق والحريات ولا تتاح فيها فرصة الدفاع.. وبالتالي فالعام الماضي مثل ما سبقه من أعوام ما بعد كول، تتكرر الصورة ويعتقل الناس دون رقيب أو حسيب، وخاصة إذا ما صبغ هذا الاعتقال بصبغة مكافحة الإرهاب، فالأمر يدعو إلى الأسى وعدم التفاؤل والأمل، خاصة في غياب جهاز السلطة القضائية الذي يفترض أن يكون رقيباً على أعمال السلطة التنفيذية وأجهزة الضبط القضائي التي من بينها ما يسمى جهاز الأمن السياسي أو القومي أو أي جهاز خاص، وغياب الرقابة الفاعلة من مجلس النواب.
وبالتالي فغياب هاتين السلطتين جعلتا السلطة التنفيذية تتفرد وتتغول وتسيطر فعلياً على كل السلطات، خاصة وأن السلطة القضائية في تركيبتها بالضرورة تابعة للسلطة التنفيذية بحكم رئاستها من قبل قيادة السلطة التنفيذية.. وبالتالي لا يمكن القول أنها مستقلة وفقاً للنظام القائم، بغض النظر عن أن يكون رئيس الدولة اليوم أو غداً أو بعد غد ما دام هذا هو النظام القائم، وهو نظام في الحقيقة لا يتفق ونهج التعددية السياسية والديمقراطية خاصة وأن رئيس السلطة التنفيذية في الغالب هو رئيس حزب الأغلبية، فيتقاضى الناس منه إليه، منه إلى مرؤوسيه.
* رئيس مجلس القضاء الأعلى مهمته إشرافية فقط على مجلس القضاء؟
– مهمته فعلية، فهو الذي يعين وهو الذي يعزل، وهو الذي يحيل، لأنه رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو السلطة الفعلية والمسئول عن القضاء، وليس وزير العدل، وزير العدل عضو في المجلس، ورئيس الدولة له نائب أيضاً فهو صاحب السلطة الحقيقية والرقيب الحقيقي وليست سلطته إشرافية، سلطة إشرافية كيف؟ إذا كان هو من يوقع قرارات العزل ومن يوقع قرارات التعيين ومن يوقع قرارات الترقية، وأرزاق القضاة بيده، مستقبلهم في يده، فكيف يقال تكون هذه السلطة إشرافية وهي سلطة فعلية يومية، فبالضرورة لن يكون القضاة مستقلين لابد أن يكونوا تابعين للسلطة التنفيذية.
* وما العمل؟
– العمل أن تستقل السلطة القضائية وأن يكون المجلس من القضاة ويرأسه القضاة، وأن لا يكون للسلطة التنفيذية عليها سبيلاً وأن يرفع رئيس الدولة يده عن القضاء.
* اعتدي عليكم في إحدى المحاكم، فهل هذا نذير شؤم بأن السلطة في العام الجديد ستكون أكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان وحرياته هذا العام؟
– بالتأكيد.. أن يتجرأ القاضي ويجعل له مليشيات خاصة يسلطها للاعتداء على الناس فهذا أمر غير مشروع، ولا نقبل أن يسكت عن مثل هذا القاضي ونشكر الأخ وزير العدل، على مبادرته الطيبة وقيامه بزيارة نقابة المحامين وتقديم ما يشبه الاعتذار ووعده بإحالة هذا القاضي للتحقيق، ورفع معسكره وأمثاله من القضاة الذين ما أن يتولون مناصبهم في القضاء إلا ويحضرون مليشياتهم الخاصة وعلى حساب الشرطة القضائية التي هي وحدها المسئولة عن أمن المحاكم وفقاً للقانون.
* هل رفعتم دعوى ضد القاضي؟
– نحن فقط شكوناه إلى وزير العدل لسوء مسلكه القضائي، لأنه لم يكن بيننا وبينه قضية بعينها، المسألة كانت فقط أننا لم نقم له، والقيام للقاضي بالنسبة لنا ليس عرفاً واجباً، بل هو أمر منهي عنه شرعاً، ولا نعتقد أن هناك من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد البشر رسول الله نهى أصحابه عن القيام له.
* ما شهدته البلد وتشهده من انتهاكات للحقوق والحريات هل يرجع إلى قوانين سالبة للحقوق والحريات؟ أم إلى الثقافة الشمولية؟
– أعتقد أنها ترجع إلى سيطرة الثقافة الشمولية، أما القوانين فهي عموماً جيدة، وقد يكون هناك بعض التجاوز في نصوصها ولكن رجال القانون يقولون أعطني قاضٍ جيد أعطك قانوناً جيداً، واعطني قاضٍ سيئ أعطك قانوناً سيئاً، مهما كانت جودة النص القانوني، فالقانون في الأول والأخير في رؤوس الرجال يطبقونه على الوقائع وبالتالي فالمعضلة غالباً في العقلية والثقافة الشمولية التي تتولى تطبيق القانون.
* البعض يتحدث عن وجود قوانين سالبة للحقوق والحريات في بلادنا، ما صحة هذا الأمر برأيك كرجل قانون؟
– هناك شيء من هذا القبيل مثلاً التنفيذ المعجل في حبس الصحافي، أو إعطاء القضاة حق الأمر بالتنفيذ المعجل في الأحكام السالبة للحريات في قضايا الحق، فهذا يخالف الدستور الذي لا يجيز تقييد حرية المواطن إلا بعد حكم بات والحكم البات هو الذي يصدر عن المحكمة العليا، فهذا القانون يناقض الدستور وبالتالي يفترض ألا يعمل به، فهذا مثال بسيط، لكن مساحة الحقوق الموجودة في القوانين مساحة جيدة ولو طبقت لشاهدنا خيراً كثيراً.
* وصف العام الماضي بأنه الأسوأ في تاريخ الحريات الصحافية، كيف تنظرون إلى ما تعرضت له الحريات الصحافية من انتهاكات تمثلت بوقف بعض الصحف وحبس بعض الصحافيين ومنع آخرين من الكتابة؟
– الوصف جاء من حيث الكم وإلا فكل الأعوام سيئة، خاصة مع وجود عقوبة الحبس في قضايا النشر، وأريد هنا أن أصحح مفهوم النشر، وأقول بأنه لا يقتصر على حبس الصحافيين، هو أعم من ذلك، ويشمل الكتاب والرواية و..و..إلخ، وبالتالي وجود عقوبة من تركة العهد الشمولي في ظل التعددية السياسية لأصحاب الأقلام قضية خطيرة، وهناك مبادرة للأخ الرئيس كما نعلم دعا فيها الحكومة إلى تعديل القانون، لكنه لم يعدل حتى الآن، فعقوبة الحبس لا تتوافق مع التعددية السياسية وحق حرية التعبير وما يجب أن تكفله الدولة.
* هناك مخاوف من أن هذه المبادرة ستوأد في حال أقر منع الحبس واستعيض عنه بالغرامة الباهضة التي قد لا يتحملها الحالة المادية للصحافي؟
– نحن نتكلم عن مبادئ، ومسألة أن الصحافي يتحمل أو لا يتحمل، يجب على الصحافي أن يكون حصيفاً وأن يتجنب مواطن الشبهة، وأن تكون معلوماته موثقة وصادقة، فالمبدأ في كل الدنيا يحمل الصحافي التعويض المدني وليس الغرامة، فالغرامة عقوبة وفي كل الدنيا لا توجد عقوبة على الصحافي، والتعويض المدني معناه أن يلجأ المتضرر من النشر إلى المحكمة مباشرة وليس إلى نيابة الصحافة لأنه لا يوجد في هذه الحالة شيء اسمه نيابة صحافة.. ويرفع دعوى ويطالب بالتعويض المدني عما لحق بسمعته واعتباره، والقاضي هنا يقدر هذا التعويض بما يناسب حجم الضرر الذي لحق بالمدعي، وهنا لا يمكن الحديث عن تعسف لأن من حق الناس أن يلجأوا للقضاء لحماية مصالحهم المشروعة، فلابد أن يصحح الفهم بأنه لا يستعاض عن الحبس بالغرامة، لأن العقوبة جنائية، هناك علاقات مدنية، والصحافي الذي نشر خطأ وتضررت منه جهة أو شخص طبيعي أو اعتباري فليلجأ إلى القضاء مباشرة وليس لوزارة الإعلام،وأن تستدعي هذا وتمنع ذاك أو تحيله إلى النيابة، والنيابة تكون في الغالب أداة في يد السلطة التنفيذية وبالتالي تقمع من تشاء وتمنع من تشاء.
* ما الذي أثمرته جهود منظمتكم بشأن المعتقلين على ذمة القاعدة ومكافحة الإرهاب حتى الآن؟
– أولاً نحن لا نهتم فقط بقضية المتهمين بالانتماء إلى القاعدة، نحن نهتم بكل بلاغ يصل إلينا عن سجين، فمهمة هود هي كمهمة أي منظمة من منظمات حقوق الإنسان، نحن منظمة راصدة تتلقى البلاغات والشكاوى من أهالي المعتقلين أياً كان انتماؤهم وأياً كانت جنسيتهم أو ديانتهم، ونخاطب الجهات الأمنية وفقاً لهذه البلاغات ونطلب من هذه الجهات احترام حقوقه الدستورية كزيارة الأهل ووجود محام له أثناء التحقيق، والإفراج عنه إن لم يكن هناك جريمة محددة ارتكبها، أو إحالته إلى القضاء إن كان ثمة فعل مجرِّم قام به.
فجهودنا لاشك أثمرت كثيراً لا سيما بعد التنسيق مع البرلمان في الفترة الماضية، وصدور تقرير برلماني أدى إلى تحريك هذا الجانب وكانت اليمن أول بلد نتحدث فيها -بعد الدهشة التي أصابت الناس بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر- عن مسألة الاعتقالات العشوائية على ذمة مكافحة الإرهاب، وتم الإفراج عن العشرات، بل المئات تقريباً من هؤلاء والحمد لله، هناك بعض الاستجابة وهناك ممانعة كبيرة، وهناك ما يمكن أن نقول متابعة كبيرة من جانبنا لهذه الحالات ورصد الأمر الذي يجعل الأجهزة الأمنية لا تركن إلى سكوت الناس وتعلم أنها تحت مجهر القانون في هذه الحالة.
* طالبتم في إحدى رسائلكم بإلغاء جهاز الأمن السياسي ما هي المبررات؟
– أعتقد أن الجهاز إذا تحول إلى جهاز عبثي، ولا يخضع للقانون فهو في الحقيقة قد ألغى نفسه بنفسه، لأن العلاقة بيننا وبين رجال الضبط القضائي هي علاقة مواطنة، هم مواطنون ونحن مواطنون، وهم يملكون حق القبض والاحتجاز تحت سقف القانون، وإلا فسيتحول سلوكهم إلى سلوك أكثر جرماً من سلوك أي شخص عادي من الذين يحتجزون الناس والنص في المادة 246 من قانون العقوبات يشدد العقوبة على من يحتجز مواطناً بالمخالفة للقانون، فالموظف العام يحبس خمس سنوات، وأما غير الموظف العام فالعقوبة ثلاث سنوات لخطورة السلطة الواسعة التي يملكها مأمورو الضبط القضائي من رجال الشرطة.. والأمن السياسي هو أحد أجهزة الضبط القضائي التي لا يجوز لها قانوناً أن تسجن أكثر من 24 ساعة ولا يجيز لها القانون أن تقبض على أحد إلا بأمر من القضاء، ويلزمها القانون بتمكين المتهم من الاتصال بأهله وأن لا يخفى مكانه، وأن تعامله معاملة كريمة، لكن الذي يحصل بأن جهاز الأمن السياسي يعتقل الناس لأربع سنوات والكاميرونيون الذين ظهر موضوعهم مؤخراً تم احتجازهم منذ تسع سنوات، فهذا الجهاز تحول إلى قاطع طريق، بل إن قاطع الطريق يمكن ملاحقته ويمكن أن يكون ضرره أخف، لكن هذا الجهاز كأي جهاز مماثل في أي بلد إذا تجاوز سقف القانون فيكون ضرره أكبر وبالتالي لابد من تصحيح وضعه، ومن يتجاوز الشرعية القانونية يلغي نفسه بنفسه.
* وما تقييمكم للعمل النقابي والحريات النقابية في بلادنا؟
– الحكومة وأجهزتها وحزبها الحاكم ما زالت تنظر إلى النقابات والعمل النقابي بنفس النظرة الشمولية التي كانت سائدة قبل الوحدة والتعددية، وتحاول الاستيلاء عليها، وإن لم يستطع عمل على تفريخها كما حصل في نقابة الأطباء ونقابة المعلمين ونقابة المهندسين، وكل النقابات ما عدا من استعصى عليه، أو كان له النصيب الأوفر فيه.
ولذلك فالعمل النقابي يواجه الكثير من الصعوبات ومع ذلك النقابات رغم التعددية النقابية التي أجبر الحزب الحاكم الناس عليها استطاعت أن تحقق نتائج طيبة، فمثلاً نقابة المعلمين استطاعت الضغط على الحكومة واستخراج زيادة الـ20% والدفاع عن حقوق المعلمين بشكل جيد أوصل السلطة إلى اليأس من نقابتها المفرخة فألغتها.
ونقابة الأطباء والصيادلة اليوم تثبت أن النقابة المفرخة التي أنشأتها السلطة لا تملك أحداً وتقوم بإضراب فاعل لتحقيق مطالب أعضائها، فإشكالية السلطة هي أنها تعيش حالة الممانعة والمراوحة في المربع الشمولي مربع السيطرة والاستحواذ على كل شيء، أو السعي لتعطيل كل شيء، أو كل فعالية لا تملك السيطرة عليها والتحكم بها.
* الأطباء الذين مارسوا حقهم القانوني في الإضراب والمطالبة بتحسين أجورهم تعرض بعضهم لعقوبات وإجراءات وصلت حد العزل من مناصبهم، ما مدى قانونية مثل هذه الإجراءات؟
– لا يجوز فصل العامل العادي في القطاع الخاص إذا كان هذا الفصل أثناء مطالبته بحقوقه، بتحسين وضعه ورفع أجوره، فما بالك إذا كان موظفاً عاماً.. الحزب الحاكم اليوم استولى على الوظيفة العامة بالكامل، فهو يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، وما قرأناه مؤخراً عن قضية التنظيمات واللجان في المدارس والمكاتب التعليمية والمديريات يبين فعلاً إلى أي مدى تسيطر العقلية الشمولية، عقلية الحزب الواحد، ولذلك لا غرابة أن يعزل أو يفصل بعض الأطباء بسبب مطالبهم العادلة، وليس بجديد أن يتم الفصل والعزل، لأنهم أصلاً يفصلون ويعزلون الناس في حالة عدم انتمائهم للحزب الحاكم، فما بالك إذا كان الناس في حالة تحرك وتصعيد للمطالبة بحقوقهم في الأجور العادلة؟.. فهذا مخالف لقواعد القانون وللقواعد المهنية وللمواثيق الدولية ومخالف لكل قواعد العقل والمنطق.
* ماذا تستطيع منظمة (هود) أن تعمله لهؤلاء الذين يتضررون بسبب تحركاتهم المطلبية؟
– للأسف الشديد أقول إن الطريق شبه مسدود، وليس لهؤلاء إلا أن يستمروا في إضرابهم حتى تلبى مطالبهم العادلة وحتى يعاد من عزل أو فصل منهم إلى وظيفته وموقعه، ولن تستطيع الدولة أن تستغني عن ما يقارب 15 ألف طبيب، وتحل آخرين محلهم.. أسلوب الفصل هو أسلوب تهديد رديء ولا تستطيع الحكومة أن تفصل الجميع وتستورد البديل لهم من مدغشقر أو من أفريقيا أو أي بلد آخر.
* هل من جديد على صعيد دور الأحزاب في الارتقاء بالمجتمع على الصعيد الحقوقي فهماً وممارسة؟
– أقول للأسف بأن الأحزاب لا تزال مقصرة تقصيراً كبيراً وفهمها لا يزال يدور في الأنشطة السياسية البحتة، دون المحتوى الحقوقي الذي يفترض أنه هدفها وأنها من خلاله تصنع الشخصيات العامة التي تتبنى قضايا الناس وتقودهم في التحرك من أجل نيل حقوقهم والدفاع عنها، الأحزاب لا تزال بحاجة إلى إشاعة الثقافة الحقوقية والعقلية الحقوقية التي تدافع عن حقوق الإنسان وحرياته، وتنزل إلى الشارع وأن تكون مناشطها أكثر شمولاً وارتباطاً بحقوق الناس، فهناك قصور في دور الأحزاب لم تنزل للاهتمام بالشارع، بالفئات، بالقطاعات كما يجب، وإذا فعلت فإنها تعمل على استحياء حتى لا يقال بأن هذه القضايا مسيسة، وحتى النقابات تخشى أي موقف حزبي مساند حتى لا يقال أن هذا الحزب أو ذاك وراء هذه النقابة، أو وراء هذه الفعالية النقابية أو تلك، مع أنه ليس عيباً أن تدعم الأحزاب مواقف وتحركات نقابية مطلبية ما دامت قانونية وسلمية وتخدم الجميع، دون تمييز على أساس الانتماء السياسي أو الحزبي، وإذا لم يكن للأحزاب موقف مساند وداعم لمن يطالبون بحقوقهم المشروعة فما جدوى هذه الأحزاب؟
فلابد أن تعيد الأحزاب النظر في أولوياتها ولابد أن تتخلص من آثار العقلية الشمولية سواء كانت في الحكم أم في المعارضة، ربما أن المعارضة أعلى صوتاً في الصحافة لكنه ليس الأكثر ارتفاعاً في الواقع والممارسة وتبني قضايا الناس.
* ما هي بالتحديد مظاهر تأثر المعارضة بالثقافة الشمولية؟
– التعامل شبه السري مع القضايا والخوف من إبداء وجهة النظر في موقف أو في مسألة ما، وإذا فعلت فإن الأمر لا يتجاوز إصدار بيان دون التحرك الفعلي على الواقع، الأحزاب لديها عناصرها ولديها قواعدها والذي يجب عليها أن تحركها للدفاع عن القضايا والحقوق التي تؤمن بها، ويجب أن تنزل إلى الناس وأن تناصرهم بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والجهوية، العمل العلني يختلف في آلياته عن العمل السري، وأكثر صعوبة منه، وأحزاب المعارضة مثلها مثل الحزب الحاكم لا تزال مشدودة إلى آليات وأساليب العمل السري بحكم التربية وبحكم العادة، أو كما يقال (غلب الطبع التطبع) ونحن الآن في مرحلة التطبع، لأن التعددية لم تكن أصلية لدينا جميعاً لكنها أتت كثقافة جديدة مع تغير النظام العالمي وزوال المعسكر الإشتراكي وتفرد المعسكر الرأسمالي الذي يحمل راية الثقافة التعددية، فأصبحنا كلنا ندعي الإيمان بالديمقراطية والتعددية وكنا بالأمس كلنا شموليون.
* هل من مؤشرات أو مبشرات على صعيد التطبع بثقافة التعدد والقبول بالآخر والعمل الجماهيري؟
– من المبشرات من نلاحظه من تطورات في خطاب التجمع اليمني الإصلاح وشعار النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات الذي رفعه مؤخراً، وكذلك التغيير الذي قام به الناصريون كل ذلك من الأمور المبشرة بالخير، والحقيقة التحول مما تربى الناس عليه مسألة تحتاج إلى وقت، وللأمانة أننا ما زلنا في طور ثقافة القراءة فيما يتعلق بالحريات، فنحن نقرأ، نكتب، نأمل، ونحلم، لكننا لم نصل إلى طور تحول هذه الثقافة إلى سلوك يومي، وما يزال الأمر يتطلب منا في الحكم والمعارضة المزيد من الممارسة والمزيد من بناء العقلية الحقوقية لدى النخبة السياسية، والفكرية والثقافية، وهذا أيضاً بحاجة إلى وقت وأعتقد أن الوقت سيجبرنا على ذلك، وها نحن بدأنا نمارس ذلك وندفع لذلك بعض الثمن، فيعتدى علينا بالشروع في القتل أو الضرب، لأننا قلنا لا للطاغية الصغير، إن سميناه كذلك، أو أراد هو أن يكون كذلك، فكيف عندما نقول لا لغيره أو لمن هو أعلى منه.
* بعض المثقفين يرى أن كلما يلوح في الأفق لا يدل على أن التغيير المطلوب في طريقه إلى التحقق وإذا كان هناك ملامح لتغيير ما فهي ليست إلا ملامح التغيير المفروض وغير المدروس، والذي سيجعلنا نندم ونقول “رب يوم بكيت منه فلما أصرت في غيره بكيت عليه”؟
– هؤلاء المثقفون يعيشون هاجس الخوف من المجهول، والركون لما هو قائم، والاعتقاد بأنه الأفضل، وأنا شخصياً لا أعتقد بأن ما هو قائم الأفضل ولم يكن الأفضل في أي لحظة من اللحظات، كان الناس في حالة قمع ويعيشون تحت مقصلة الحاكم سواء الحاكم القومي أو اليساري أو الإسلامي، في نماذجه المعاصرة كإيران والسودان، فالنماذج الاستبدادية لا أعتقد أنها هي الأفضل، وأن الآتي أسوأ، الآتي لن يكون أسوأ مما مضى بغض النظر عن مشاريع الاستعمار، مشاريع الاستعمار محفزة ومثيرة للتحدي، لكن الركود تحت ما يسمى بالسيادة الوطنية والحاكم الوطني مرفوض فهو الذي أعدم فينا الإحساس بالحرية، الإحساس بالإنسانية، أعدم فينا كل جميل، هو الذي أهان الناس وجوعهم وامتلكهم، الحاكم اليوم لا يشعر بأنه يدير شأننا، إنه يشعر بأنه يمتلكنا أجساداً وثروات ما تحت الأرض وما فوقها، ولذلك يسعى لأن يورثنا لأبنائه كما يورث المتاع، العقار، السوائم، البهائم.. إنما نعيشه اليوم وما عشناه بالأمس هو نتيجة ما جنيناه بالأمس من قمع واستبداد تحت شعارات التحرر والاستقلال، فوجد الفرد المقموع الذي قبل بالحذاء الأمريكي في بغداد بدلاً من الحذاء الوطني الذي أعدم فيه الشعور بالإنسانية والكرامة، فأقول بأن حقوق المواطنة قبل حقوق السيادة.. هذا ما أؤمن به، ولا يهمني أن يكون الحاكم وطني، وهو يمنعني من كل خير، ويمنع عني الحرية ويشعرني بأني قطعة أثاث في بيته أو فردة من حذائه، وهذا هو الحاكم الوطني الذي يتحدث عنه بعض المثقفين منذ الستينات ويطلقون عليه الزعيم الفذ والقائد الرمز والمهيب والذي قدسناه حد العبادة وهو ما قتل ذبابة وأضاع شعوباً بأسرها.
الآن يسجن الناس في إيران الثورة العظيمة على سبيل المثال، لمجرد إصدار صحيفة، ويسجن صاحب ومفجر ثورة الإنقاذ بالسودان من قبل تلاميذه، كل هذه الفترة دون محاكمة أليس هذا امتداد للأخطاء التي ارتكبها القوميون واليساريون؟ وبالتالي فأي عصر ذهبي عشناه في تاريخنا الحديث والمعاصر؟ إن كل أيامنا سواد ولا يوجد يوم نندم عليه، والآتي يجب أن يكون أفضل بروح التحدي الذي تثيره المشاريع الاستعمارية والتي يجب علينا أن نتصدى لها، أولاً بوقف الظلم والتظالم فيما بيننا، لا يمكن لأمة يتظالم أبناؤها أن تنتصر على أعدائها، إرفع الظلم عن شعبك تنتصر وشعبك، على قوى الاستعمار، استبد واظلم شعبك وجرده من إنسانيته وكرامته تنهزم أمام القوى المعادية التي تتربص بوطنك وشعبك، هذه سنن الكون والتاريخ.
* قلت بأنك تقدم حقوق المواطنة على حقوق السيادة، وهذا كلام خطير يعني التفريط بالسيادة والقبول بالاستعمار؟
– لا، أنا لا أفضل المشاريع الاستعمارية لكنني لا أفضل بالمقابل أن يظل الحاكم الوطني المستبد واقفاً على رأسي ليل نهار، يدعي المنة عليَّ ويشعرني أنني جزء من تركته ومقتنياته.. الحاصل الآن هو أن الحاكم العربي يتعامل مع مواطنيه بهذه الصورة.
* ما يجري في العراق المحتل أيضاً ليس أفضل مما يجري في غيره من الأقطار العربية التي تحكمها أنظمة مستبدة؟
– ما يجري في العراق اليوم أفضل مليون مرة مما كان يجري قبل ذلك، على الأقل الناس يقدرون على أن يعبروا عن أنفسهم، الناس في العراق اليوم يخرجون إلى الشارع ويقولون لا ويقامون ويقاتلون ويقتلون بكرامة، لكن الحاكم المستبد لا يسمح لي حتى أن أموت إلا بناءًا على رغبته، ووفق ما يريد، فما يجري في العراق اليوم أفضل مما كان يجري بالأمس بغض النظر عن البنية العلمية، وعن.. وعن..إلخ، ما الذي أفاده التقدم الصناعي للاتحاد السوفيتي ووصوله إلى الفضاء وامتلاكه ما يكفي أن يدمر الأرض ست مرات، في حين أن الإنسان مقموع لا يملك حريته، هل منع عنه ذلك التقدم الانهيار؟؛ لقد انهار الاتحاد السوفيتي لأن الإنسان كان لا يتمتع بالحرية والمواطن لا يملك حقه في تقرير مصيره بنفسه، وليس لأنه كان يفتقر إلى التقدم العلمي والصناعي أو يفتقر إلى الموارد الاقتصادية؟
إن الرسالة الإسلامية التي نؤمن بها جاءت لتحرير الإنسان وقررت أن لا إكراه في الدين، وأن لا يعبد الله إلا عن قناعة ورضا واختيار، ولا قبول لعبادة المرائي أو المكره، أين روح الإسلام؟ لماذا بات المطلوب منا أن نعبد مع الله آلهة أخرى تسمى القادة والزعماء والحكام؟ وأن نسبح بحمدهم بكرة وعشياً، وإلا اتهمنا بالعمالة والخيانة ونحن نمول هذا الاستبداد بزكواتنا وضرائبنا وبالقروض التي هي على حسابنا وحساب أجيالنا القادمة، وهم ينفقون كل ذلك على ملذاتهم وأهوائهم، فحكام هذه صفاتهم يظلون أسوأ مليون مرة من الاستعمار، الاستعمار أستطيع أن أقف في وجهه وأن أحاربه، أما الحاكم الوطني المستبد مشكلة، إن حاربته ففتنة داخلية، وإن عارضته فأنت عميل متآمر، وإن صبرت عليه فعقاب رباني.
نحن لا نرحب بالاستعمار والمشاريع الاستعمارية، ولكن أقول أن الاستعمار آت بالضرورة إذا ظل الظلم والتظالم قائماً فيما بيننا