14/5/2007

يحيي الشعب الفلسطيني هذه الأيام الذكرى 59 للنكبة التي حلت به بعد ان أقدم الاحتلال الإسرائيلي على إغتصاب 78% من أرضه التاريخية وأعمل فيه قتلا وتشريدا وطرد حوالي 85% من مجموع الشعب الفلسطيني وتدمير 531 تجمعا سكنيا. كما تتزامن هذه الذكرى مع مرور أربعين عام على الاحتلال الإسرائيلي لباقي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتترافق مع مرور 90 عاما على إعلان وعد بلفور سيء الصيت الذي اتخذته الحركة الصهيونية كأساس لقيام دولتها على ركام القرى والبلدات العربية الفلسطينية وعلى حساب أهلها الأصليين.

وتأتي هذه الذكرى بعد مرور 13 عاما على التوقيع على اتفاقية أوسلو و5 أعوام على المباشرة ببناء جدار الفصل العنصري الذي قطع أوصال الوطن الفلسطيني، وحول القرى والمدن الفلسطينية إلى سجون متناثرة وليعزل زهرة المدائن، العاصمة الأبدية لدولة فلسطين العتيدة عن بقية المناطق الفلسطينية، مما يعيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة .

وبعد كل هذه السنين من الاحتلال والقمع والقتل والتشريد والاعتقال والهدم، أخذ الاحتلال بالتحول الى نظام فصل عنصري بغيض أسوأ مما كانت عليه الأوضاع في جنوب افريقيا، وهذا بحسب وصف جون دوغار، المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقس الجنوب إفريقي ديسموند توتو والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.

بهذه المناسبة تقف الكلمات عاجزة عن وصف ما لحق بالشعب الفلسطيني من معاناة وظلم، بحيث وصل الأمر بالمؤرخ الإسرائيلي د. إيلان بابه الى التصريح بأن كلمة “نكبة” غير كافية للتعبير عن حجم وحقيقة الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين والبشرية. فقد دعا إلى إعادة النظر في استخدام هذا الكلمة التي يرى أنها تضيق بالدلالات المروعة وبالحجم المهول للجرائم الصهيونية وللثلاثين مذبحة التي اقترفتها. وكان بابه قد قدم محاضرة حول الموضوع خلال مؤتمر بعنوان “نكبة في عامها الستين” نظمته جمعية ابن خلدون للثقافة والمؤسسة العربية لحقوق الإنسان في مدينة الناصرة بمشاركة مجموعة من الباحثين وحضور وزير الإعلام الفلسطيني د. مصطفى البرغوثي الذي أعلن تبنيه التام لاقتراح بابه. ودعا بابه الذي أعلن عن قراره بمغادرة الكيان مؤخرا احتجاجا على عنصرية “إسرائيل” الى فهم حقيقة الجريمة التي خطط لها قبل عام 48 ولضرورة مواجهة نتائجها بشكل مغاير كي يكون بالإمكان التحدث عن فرص السلام، لافتا إلى أن الجريمة صهيونية وأن المجرمين الكبار وهم 11 قائدا عسكريا وسياسيا برئاسة دافيد بن غوريون خطّطوا خلسة وفي الغرف المظلمة للتطهير العرقي. وأضاف “قرر أولئك بدم بارد وبدقة خلال عشرات الجلسات الأسبوعية طيلة عام تطهير البلاد من مليون فلسطيني في شتاء عام 48 من أجل إقامة دولة يهودية على 80% من أراضي فلسطين، وبموجب الخطة أعدوا لتفريغها بالكامل من العرب وأخفوا ذلك عن بعض قادة الصهيونية ومنهم موشيه شريت وزير خارجية الاستيطان اليهودي وقتذاك”.

وكان من تداعيات النكبة أن هجرت الغالبية من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، حيث يقدر الجهاز المركز للاحصاء الفلسطيني عدد فلسطيني الشتات بنحو 5.0 مليون فردا، يعد اللاجئين منهم أكثر من النصف بقليل.

وفي هذه المناسبة، يجدد الاحتلال الإسرائيلي، عزمه وإصراره على التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني بخاصة حق العودة التي ترفضه جميع الأحزاب الصهيونية، وبدلا من الاستجابة لمبادرة السلام العربية التي تعتبر تنازلا من جانب العرب عن ثلثي الأراضي الفلسطينية لقاء إقامة السلام العادل والدائم، والتي جرى التأكيد عليها في القمة العربية الأخيرة في الرياض، ردت الحكومة الإسرائيلية بالإعلان عن النية لبناء 20 ألف وحدة سكنية في مدينة القدس لضمان أغلبية يهودية فيها. ومن جانبه أعلن رئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت عزمه على تخصيص مليار ونصف المليار دولار لتطوير الأحياء اليهودية في القدس.

برغم رحلة العذاب ودرب الآلام الطويل، وتقاعس ما يسمى المجتمع الدولي الذي لا يقدر على اتخاذ أي إجراء فاعل لوضع حد لمعاناة الشعب العربي الفلسطيني، إلا أن الفلسطينيين أكدوا من خلال تضحياتهم الجسام تمسكهم وتشبثهم بحقوقهم المشروعة التي كفلتها الشرائع الدولية ولن يتنازلوا أو يساوموا عليها.

وفي المقابل، لا يزال الساسة في إسرائيل يؤمنون بالحلول العسكرية لإنهاء صراعهم مع الشعب الفلسطيني، وما زالوا يعتقدون أن الذي لا تستطيع حله بالقوة يمكن إنجازه بمزيد من القوة. كما يؤمنون بارجاء أي تفاوض مع الشعب الفلسطيني إلى ما بعض إخضاع و”كي وعي” هذا الشعب لإجباره على القبول بالشروط الإسرائيلية، مما يثبت عدم نضج الجانب الإسرائيلي وغياب الشريك الحقيقي القادر على إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.

لقد أثبتت التجارب المتلاحقة على بطلان وفشل هذه العقيدة، كون كل المجازر والقتل والتشريد والهدم والتدمير التي تعرض لها الشعب الفلسطيني لم تجبره على التخلي عن حقوقه أو التوقف عن المطالبة بها. فالشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من الحقوق التي كفلتها له الشرعية المتلخصة بحقه في تقرير المصير والعيش في كنف دولة خاصة به كسائر شعوب العالم.