1/10/2006

بدرالدين حسن قربي

في الوقت الذي تتواصل فيه النداءات التي باتت مألوفةً ومعروفةً من منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية بالمطالبة بإطلاق سراح المئات من المعتقلين السياسيين والناشطين على خلفية آرائهم وتوجهاتهم في سـورية، نشرت ( سيريا نيوز) في 26 أيلول/ سبتمبر 2006 عن الناطق باسم منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأميركية (هيومن رايتس ووتش) قوله: أن سوريا تمثل تحدياً حقيقياً لأننا رصدنا منذ مطلع العام الحالي ازدياداً في شراسة السلطات في الانقضاض على المعارضين السوريين.

وأمّا مانشرته صحيفة عكاظ السعودية في عددها 1921 قبيل تصريح (سيريا نيوز) بأيام، وذلك بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 2006 ، ففي رده على كلام حول وصف النظام الحاكم في سورية بأنه نظام ديكتاتوري بوليسي قمعي تسلطي استبدادي، وأن هناك عشرات المثقفين والسياسيين ممن يرزحون في المعتقلات لأكثر من عقود؟ قال وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبد المجيد: لم يعد في سورية أي موقوف رأي .. هناك بعض الموقوفين الذين تجاوزوا القانون حتى أُخطِر إلي توقيف البعض منهم لمخالفتهم للقانون وليس لابداء آرائهم .. هذا عكس ما يقال أوما نفعله تماماً.

تصريح غريب وفيه غرابة وأغرب منه سيكون، وعجيب وفيه عَجَبٌ وأعجب منه سيكون، والحبل على الجرار كما يقال. الغرابة في الرد أو التصريح لافرق، أن سـورية النظام ليس فيها معتقل بسبب رأي أو توجه مخالف للنظام. الله أكبر..!! سورية أضحت مثل السويد أو كندا في الدول الأجنبية أوحتى الكويت في الدول العربية، مرةً واحدةً ليس فيها معتقلي رأي، والناس ماعندهم من خبرٍ ولا علمٍ في جهلهم يعمهون. ( هادي مش واسعة وبس) بل واسعةٌ واسعة، وواسعةٌ جداً.

والغريب أن القائل ليس وزير الإعلام محسن بلال أو أحد الدكتورين/ الشعيبي و حبش الذَين اعتادت جماهير الناس على تصريحاتهم الهوائية..! (يعني على الهواء في الأقنية الفضائية)، وإنما رجل أمني منذ عشرات السنين تقلب في المناصب الأمنية عاليها وواطيها.

وأما العجب فهو كلام الرجل الأمني أن لامعتقلي رأي في السجون السورية. فهل هذا الكلام رسالة رسمية إلى أهل المعتقلين وذويهم أنه قد تمت تصفية أحبائهم وإنهاؤهم جسدياً على طريقة (الإحدى عشري في باب الحارة) سرق وقتل وأصرّ ويصرّ على أنه مافعل شيئاً من هذا، أم أن كل هؤلاء الآلاف من الناس قد جاءهم أجلهم وانتهى، ولاعلاقة للسجّانين بأمر الله الذي لا رادّ لأمره. أم أن هذا الكلام إعلان إلى الناس أجمعين، أن لاوجود للرأي الآخر في سـورية. فالرأي الآخر في سورية معناه تجاوز القانون أو كسره ولاسيما في دولة القانون..!! ومن ثمّ فهو معتقل في بيت (خالتو) وفي ضيافة أصحاب منطق وشعار: لامعتقلي رأي في سورية.

والعجيب فإن كلام السيد الوزير يوجب عليه وغيره مسؤولية الإجابة عن مصير الآلاف بل عشرات الآلاف من المفقودين من المواطنين لمخالفتهم القوانين إذ لم يتبق عندهم في سجونهم سوى مخالفي القانون (بتاعهم) على حد تعبير السيد اللواء. وأما الأغرب والأعجب حقيقةً، فهو أن يمتلك رجلٌ من النظام كل هذه الجرأة، ويقولَ كلاماً ماقاله سابقوه، وما زعموه لأنفسهم، ويخرج على العالم بغرباله ليغطي عليهم ضوء الشمس في عزّ (دين) الظهيرة، ويدلّس عليهم حقيقةً تشعّ في قلوبهم وعقولهم أملاً ويقيناً أن دولة الباطل سـاعة من نهار.

ياجماعة..! ياعالم..!! ياناس..!! ياأمم..!! في سـورية عشرات الآلاف من المفقودين على يد النظام، فإن لم يكونوا في السجون والمعتقلات أو لم يتبق منهم أحد ( حسب تصريح معالي الوزير وهو صدوق) فيما نعتقد، فأين هم..!؟ هل جاءهم أجلهم..؟ هل قَضَوا تعذيباً أوتقطيعاً..؟ أم هل ماتوا خنقاً أو حرقاً..؟ أم هل قُتّلوا فرادى أم ذُبّحوا جماعات..؟ أم دفنوا أحياءً !؟

لن نذهب في القول بعيداً، فكاتب هذه السطور اعتقل أخ له شقيق منذ أكثر من 25 سنة على يد رجال أمن النظام لسبب من رأيه أو أنه تجاوز القانون. ولكن في كل الأحوال لم نسمع عنه شيئاً من وقتها وحتى الآن. لم يقابله من عائلته أحد ولم يسمعوا عنه خبراً سوى خبر معالي الوزير الذي ينفي بقاء أحد ( والبقاء لله) في السجون والمعتقلات بسبب من رأيٍ أو شيءٍ من هذا، وإنمّا الباقي بسبب تجاوز القانون. ونحن في كلا الحالين نسأل أين هو (هم) من كان معتقلاً وما مصيره وأين دفنتموهم..؟

إننا لاشك مؤمنون بعدالة الله الذي لايغفل عمّا يفعل الظالمون والبطّاشون والقتلة والمجرمون، ولكننا في الوقت نفسه نطالب المنظمات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية بالكشف عن هذه الجرائم التي مورست وتمارس ضد الإنسانية ومحاسبة مرتكبيها أمواتاً وأحياءً من خلال محاكم دولية.

فلئن كان النظام يماري ويجادل ويعاكس في محكمةٍ دولية يُعمل على إنشائها لمحاكمة قتلة الرئيس المرحوم (الحريري)، لأنه لاعلاقة له بذلك حسب زعمه، فإن مما لاشك فيه يقيناً أن هنالك عشرات الآلاف من مواطنيه مفقودون وغير معروفي المصير ولاأماكن الدفن، ولم يسلّموا لذويهم على يد من لايوجد في سجونهم أحد من أصحاب الرأي الآخر ولا مكان في معتقلاتهم لأناسي التوجه المخالف أو المعاكس.

نعم..! إنّنا في كل الأحوال نعتقد اعتقاداً جازماً أن كلام السيد الوزير يشكل اعترافاً صريحاً واضحاً وبيناً بل فاضحاً أنه تمت تصفية عشرات الآلاف من المواطنين لرأيهم أو حتى لتجاوزهم القانون لافرق، وهو لاشك اعتراف ينبغي الوقوف عنده من الجهات الدولية والإنسانية للمحاسبة. قفوهم..!!! إنهم مسؤولووووون.