يوم 31/8/2004 سبتمبر حضر إلى النديم وفد من أربعة أطباء من لجنة التراخيص الطبية التابعة لوزارة الصحة ليقوموا بالتفتيش على المركز ليتأكدوا من إزالة “المخالفات” التي رصدتها اللجنة الثلاثية التي اقتحمت المركز على أطبائه ومرضاه يوم 11/7/2004
يذكر أن المخالفات التي نصت عليها رسالة وزارة الصحة بناء على “تفتيش” اللجنة الثلاثية الأولى كانت كالتالي:
1- المركز يدار لغير الغرض المرخص له كمنشأة طبية.
2- المنشأة بوجه عام لا تحمل شكل المنشأة الطبية إلى جانب عدم وجود التجهيزات الطبية اللازمة للعيادة والموجودة بالملف عند الترخيص.
3- عدم توفر وسائل الإسعاف كما وجدت بالمعاينة.
4- عدم تواجد المدير الفني.
5- وجود طبيبة تدعى منى حامد لم يتم الإخطار عن وجودها ولا توجد لها أوراق بالملف
6- استخدام تذاكر طبية بالمركز مدون عليها عنوان سابق بالدقي.
حضرت اللجنة الرباعية إلى المركز وطافوا بحجراته وأطلعناهم على العقود والإسعافات الأولية وطفاية الحريق وعقد المحرقة وكل ما يحق لهم أن يطلعوا عليه في إطار مهمتهم الرسمية وهو ما رفضت اللجنة الأولى أن تطلع عليه أو تسجله. كما أخذوا نسخة من روشتة العيادة ونسخة من الورق الذي ندون فيه المقابلة مع ضحايا التعذيب، وفي أثناء خروجهم من المركز كاد أحد أعضاء اللجنة أن يتعثر في طفاية الحريق!
في نهاية المهمة طلبنا من اللجنة أن نحرر محضرا بما يتم لكنهم اعتذروا عن الإزعاج الذي تسببوا فيه وأكدوا على أن الأمر قد انتهى وأنه لا داعي لمحضر حيث أن “المخالفات” قد أزيلت وأنهم سوف يكتبون تقريرا بهذا المعنى.
بعد ذلك بيومين فوجئنا بطلب من النيابة أن تذهب الدكتورة سوزان فياض مديرة العيادة المشتركة للنيابة يوم 5/9/2004 وهناك فوجئت بفتح التحقيق مرة أخرى فيما تبقى من “مخالفات”، حيث واجهتها النيابة بما ذكرته اللجنة الرباعية التي أكدت على أن 70% من المخالفات قد أزيلت ولازال هناك ثلاثين في المائة باقية منها.
وقد تبين لنا من التحقيق مع الدكتورة سوزان فياض الآتي:
1. أن اللجنة الأولى لم تأت إلى المركز بناء على تفتيش دوري وروتيني على العيادات الخاصة كما أرادوا لنا أن نعتقد، وإنما تصادف أن دخلت على الإنترنت ووجدت موقع مركز النديم فقررت التفتيش على المركز!!!
2. أن اللجنة الأولى لم تورد في رسالتها لنا كل “المخالفات” التي أدلت بها في النيابة، حيث اتهمتنا في النيابة بما يلي (ونضيف إليه تعليقنا بين قوسين):
3. غياب المدير الفني (لا يوجد في القانون ما يشير إلى ضرورة وجود المدير الفني طوال الوقت على أن يكون هناك من يفوضه وهو الحال في مركز النديم لو ان اللجنة وافقت على النظر في عقود العيادة)
4. وجود د. منى حامد التي ليس لها أوراق بالشركة (لو أن اللجنة وافقت على النظر في العقود لوجدت ورق التعاقد مع د. منى حامد)
5. وجود إعلانات عن العيادة (تقصد البروشور الذي يعرف بمركز النديم بكامل أنشطته بما فيها النشاط العلاجي والتأهيلي)
6. وجود تي شيرتات من الجمعية المناهضة للتعذيب في صندوق مغلق (الصندوق خاص بالجمعية المصرية لمناهضة التعذيب. صحيح أنه كان يجب أن نعجل بنقله إلى هناك، لكن لجنة الصحة ليس من صلاحياتها أن تفتح صناديق مغلقة بدون إذن خاص لم يكن في حوزة اللجنة)
7. وجود بعض الإصدارات بدون ترخيص (لا يوجد ما يمنعنا من إصدار مطبوعات ولا توجد جهة مختصة لذلك الأمر أصلا ونحن نكتفي في كل إصدار، كما هو المطلوب منا، أن نستصدر للمطبوعة رقم إيداع في دار الكتب، إضافة إلى أن إصدار المطبوعات من عدمه ليس محل اختصاص لجنة التراخيص الطبية ولا وزارة الصحة)
8. عدم وجود إسعافات أولية (لو أن اللجنة وافقت على إثبات وجودها لوجدتها أمامها)
9. عدم وجود وسائل إطفاء (مرة أخرى لم تشأ اللجنة أن تنظر إلى حيث وسائل الإطفاء)
10. عدم نظافة المنشأة (نترك هذه النقطة لمن زاروا النديم من أصدقائنا ومرضانا والمنظمات الأخرى)
11. وجود مطبوعات صادرة عن المركز بدعم من مؤسسة هاينريش بول الألمانية (لا يوجد في القانون ما يمنعنا من إصدار مطبوعات بدعم من أعضاء الفريق أو أصدقاءنا أو أي جهة كانت)
12. وجود استمارة استقصاء عن أساليب التعذيب (استمارة الاستقصاء هذه لم تسألنا عنها اللجنة، وإلا كنا شرحنا لها ان تلك الوثيقة هي ملف المريض أو ضحية التعذيب الذي يأتي للمركز وتتضمن مساحات لقصة الضحية وشكواها ومعلومات عن التعذيب الذي تعرضت له ووصف تفصيلي لآثاره النفسية والجسدية حسب الاستمارات المعتمدة عالميا للتشخيص النفسي)
13. وجود مجموعة من ملفات المساجين (هم بالنسبة للجنة مساجين.ز بالنسبة للنديم هم ضحايا تعذيب جاءوا إلينا بعد أن أطلق سراحهم ليداووا جراح التعذيب والمهانة)
14. وجود كتب عن حقوق الإنسان (لم نعلم من قبل ان وجود الكتب جريمة، وسواء كان بمركزنا كتب عن حقوق الإنسان، أو مجلات الموعد والكواكب مثل غالبية العيادات الخاصة، فهذا أمر متروك لاهتمام الأطباء وتفضيلهم).
15. وجود مخزن كتب في البلكونة (نعم إننا نخزن ما يصدر عن النديم من كتب في البلكونة ولا نرى جريمة في ذلك) كما اعتبرت رئيسة اللجنة الدكتورة عايدة عبد القاهر محمد ناجي، مديرة إدارة العلاج الحر بالشئون الصحية بالقاهرة، من المخالفات “وجود مجموعة من الأفارقة للعلاج بالمركز”!!!!! أما اللجنة التي قالت لنا أن كل شيء على ما يرام وأنه لا داعي لعمل محضر فقد ورد في أقوالها أمام النيابة والتي سئلت عنها الدكتورة سوزان فياض، ما يلي ومرة أخرى نرد عليها بين قوسين:
– عدم وجود إسعافات أولية (رأتها اللجنة أمام جميع من كانوا في المركز)
– عدم وجود أجهزة إطفاء حريق (رأتها اللجنة أمام كل من كانوا في المركز بل وتعثر فيها أحد أطباء اللجنة أثناء خروجه من المركز)
– وجود استمارة شبه استقصاء عن أساليب التعذيب (مرة أخرى تلك هي الاستمارة التي نملأها بالنسبة لكل ضحية تعذيب وقد شرحنا ما بها لأعضاء اللجنة)
– الترخيص باسم عيادة مشتركة وليس لها اسم (والحقيقة أن ترخيص النقابة صادر باسم مركز النديم وهو ترخيص واجب الاستخراج قبل الحصول على ترخيص الوزارة وتعطي وزارة الصحة ترخيصها بناء عليه)
– وجود برنامج استماع للمرأة بدعم من هاينريش بول دون اللجوء إلى الجهات المختصة لأخذ الإذن بذلك (لا توجد أي مخالفة في هذا الأمر وليس هناك جهة مختصة بهذا الأمر لكي نأخذ تصريحها) ومع ذلك فإن النقطة الأخيرة تستدعي الاهتمام، فلأول مرة يشار فيها في كلام اللجنة إلى “الجهات المختصة”. أي جهات مختصة تقصد اللجنة؟ وهل أصبحت وزارة الصحة في الفترة الأخيرة مسئولة عن القيام بعمل الوزارات الأخرى، فتبحث عن ملفات الضحايا نيابة عن وزارة الداخلية، وتبحث في الشئون الداخلية للمركز نيابة عن وزارة الشئون الاجتماعية؟
لا ننكر إننا أخطأنا. أخطأنا حين صدقنا اللجنة الرباعية لمجرد كونهم أكثر تهذيب من اللجنة الأولى. وأخطأنا حين لم نصر على فتح محضر منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدامهم أرض العيادة. وأخطأنا حين لم نأخذ توقيع اللجنة الرباعية على طفاية الحريق ودولاب الإسعافات الأولية وشهادة نظافة للأرض والجدران.
إن أسرة مركز النديم يدركون تماما أن الأمر لا يتعلق بالتفتيش الصحي.. وأن مؤامرة تحاك من اجل محاصرة عملنا، وهو الوحيد من نوعه، في تأهيل ضحايا التعذيب، لأن مركز النديم لا يداوي الجراح فحسب بل يأهل ضحايا التعذيب أيضا، والتأهيل النفسي لا يعني مساعدة الضحية على تجاوز ذكرى المحنة التي تعرض لها فحسب بل يعني أيضا تقوية الإنسان وتمكينه من التحكم في مصير حياته وأن يرى الأمور على حقيقتها.. أن يدرك بما لا يدعو مجلا للشك من هو الضحية ومن هو المجرم.. إذا كان التعذيب يستهدف تكسير الإنسان، فإن التأهيل النفسي يساعده على إعادة بناء الذات.. إذا كان التعذيب يستهدف ترهيب الناس وإخافتهم، فإن التأهيل النفسي يستهدف كسر دائرة الخوف.. إذا كان التعذيب يستهدف شعبا من المستسلمين، فإن التأهيل النفسي لضحية التعذيب وأسرته يستهدف شحذ طاقة وروح المقاومة وعدم التسليم بجبروت الظالم ولو طال.
إننا كأطباء نعتقد أن الصحة والسلامة الجسدية والنفسية هي حق من حقوق الإنسان وقد أقسمنا على أن ننحاز إلى ما يفيد صحة الإنسان وأن نبتعد عما يضره، وألا نغض البصر عن ما يمارس في حق مرضانا من انتهاكات وتعدي. حين بدأن النديم كنا ثلاث أطباء.اليوم ينضم إلينا جيل جديد من الأطباء والطبيبات.. وبقدر ما سوف ينتشر التعذيب في بلادنا، بقدر ما سوف يتحدث عنه الناس وبقدر ما سوف يسعى ضحاياه للبحث عمن يتضامن معهم، عمن يداوي جروحهم.. وسوف نكون دائما على أهبة الاستعداد.. ولو كان هناك من النصوص أو القوانين ما يحول دون ان نفعل ذلك فلتخطرنا وزارة الصحة أو الداخلية أو الشئون عن ذلك النص حتى نعمل على تغييره والى ذلك الحين فإن مركزنا مفتوح لمن يلجأ إليه، في أي وقت، ومهما كان العنف الذي تعرض له، ومهما كان الطرف الذي مارس العنف، ومهما كان الترهيب الذي صاحب ممارسة ذلك العنف..