في تصعيد غريب من نوعه، بدأت حملة شرسة ضد مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف. وعلي الرغم من بعض التحرشات الأمنية التليفونية خلال الفترة الماضية، إلا أن الهجوم الأمنى الجديد الذي حدث بالأمس واستمرت تداعياته لليوم جاء متسترا في عباءة وزارة الصحة، إلا أن أصابع الأجهزة الأمنية تبدو من الفجاجة بحيث لا تخطئها عين لا من حيث توقيت حدوثها ولا الطريقة التى تمت بها.
فمن حيث التوقيت جاءت تلك التحرشات بعد عدد من الفاعليات التى قامت بها الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب والتى أسسها أعضاء من النديم مع آخرين في إطار توفيق الأوضاع وفقا لقانون الجمعيات الأهلية الجديد. ومن هذه الفاعليات،صدور كتاب أيام التعذيب- خبرات النساء في أقسام الشرطة، وصدور تقرير الجمعية ردا علي وزارة الداخلية بشأن ردها علي منظمة الهيومان رايتس وواتش في سؤال الأخيرة عن وقائع تعذيب ووفاة مواطنين رصدهم بيان للجمعية المصرية لمناهضة التعذيب. وكان آخر هذه الأنشطة الاحتفال باليوم العالمى لمناهضة التعذيب في 26/6 الماضى.
أحداث الأحد 11/7
مساء الأحد 11/7/2004 وفي حدث مثير للريبة، حضرت لجنة مكونة من ثلاث أفراد تابعين لإدارة التراخيص الطبية لمديرية الشئون الصحية لمحافظة القاهرة، بدعوى التفتيش علي العيادة الطبية الخاصة بمركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي. إلي هنا وقد يبدو الأمر طبيعيا، إلا أن الطريقة التى تعاملت بها اللجنة مع الأطباء المتواجدين وضعت على مهمتها العديد من علامات الاستفهام، حيث لم تبحث عن ما يجب أن تبحث عنه من محتويات المنشأة الطبية المثبتة في ترخيص وزارة الصحة، بل بحثت عن أوراق ومطبوعات، وصادرت بعض أوراق تخص خطابات تحويل مرضي وإصدارات مركز النديم، والجمعية المصرية لمناهضة التعذيب. والأغرب أن أحد أعضاء اللجنة كان بحوزته كاميرا فوتوغرافية صور بها المركز وأجهزة الكمبيوتر والملفات، كما أخرج أعضاء اللجنة بعض الملفات من المكتبات وعبثوا بمحتوياتها، بل تجاوزوا ذلك وفتحوا أدراج المكتب الخاصة بالدكتور عبد الله منصور واستولوا علي بعض الأوراق منها ورفضوا اطلاعه عليها رغم إخبارهم أن الأدراج تحتوى علي أوراق شخصية. و اتسمت تصرفاتهم مع الأطباء بالعدوانية الشديدة دون مراعاة لوجود عدد من ضحايا التعذيب بالعيادة ورغم تنبيه الدكتور عبد الله لأعضاء اللجنة لخطورة هذه الطريقة علي الصحة النفسية لهؤلاء الضحايا. وهذا وقد قامت اللجنة بعمل محضر لم تسجل به كلمة تخص التجهيزات الطبية بالعيادة ومدى مطابقتها لترخيص المنشأة، بل سجلت أن هناك فاكس وكمبيوتر ونت يرسل ويستقبل؟؟؟ ورفض أعضاء اللجنة إعطاء د. عبد الله صورة من المحضر المحرر.
إن تصرف لجنة التراخيص هذا لم نر له مثيلا في لجان التفتيش علي مستوى الجمهورية، وأن يحدث تعديات غير لائقة علي الدكتور عبد الله (أحد الأعضاء المؤسسين لمركز النديم ومسئول شبكة منظمات تأهيل ضحايا التعذيب في الشرق الوسط وشمال أفريقيا وعضو السكرتارية المركزية للشبكة العالمية لمراكز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب) كل ذلك يثير لدينا عددا من علامات الاستفهام حول الدافع الحقيقى لتصرفات وزارة الصحة ويحق لنا أن نتساءل هل ما حدث بمبادرة من الوزارة، أم أن هناك جهات أخرى آثرت أن تبقى في الظل و أن تختفي تحت عباءة إدارة التراخيص الطبية؟
إن مركز النديم للعلاج و التأهيل النفسي لضحايا العنف ليؤكد كما أكد دوما أن مساندة و تأهيل ضحايا العنف و التعذيب المصريين و غير المصريين هي على رأس جدول أعماله، و أنه لن يتنازل عن دوره هذا مهما كانت الأسباب و أيا ما كان حجم الضغوط التي تمارس عليه، ويؤكد أن تأهيل ضحايا التعذيب نفسيا هي من صميم العمل الطبي وليست خرقا له بأي وجهه من الوجوه فضلا عن كونها جزء هام من حقوق الإنسان شأنها كشأن مهنة الطب بكل تخصصاتها وفروعها.
وسيسعى المسئولون عن مركز النديم لمقاضاة أعضاء اللجنة علي تجاوز تخصصهم في الرقابة والتفتيش علي المنشئات الطبية، وعلي خرقهم لآداب مهنة الطب في تعاملهم مع الأطباء ومع ملفات المرضى وأسرارهم، وما سببوه من خوف وتوتر للمرضى المتواجدين بالعيادة.