7/6/2008
توالت مواقف وبيانات الترحيب بخطاب الرئيس محمود عباس الذي تضمن مبادرته للحوار الداخلي ودعوته لتنفيذ المبادرة اليمنية كما أقرتها القمة العربية الأخيرة في دمشق، وذلك بعد نحو عام من سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة، الأمر الذي احدث تصدعا وشرخا في النظام السياسي الفلسطيني وفي أسس الوحدة الوطنية، وأدى لانهيار اتفاق مكة.
وربما كان لنجاح الدور العربي في التوصل لاتفاق بين الأطراف اللبنانية، بمثابة تشجيع للأطراف العربية للعمل على إنجاح حوار فلسطيني داخلي والضغط على الأطراف الفلسطينية للشروع في مثل هكذا حوار، فيما تردي الأوضاع الداخلية في قطاع غزة في ظل الحصار وانهيار المؤسسات الرسمية والأوضاع المعيشية للمواطنين، والحاجة إلى ترتيب الوضع الداخلي، سيما وان الإسرائيليين يهددون بعملية عسكرية في قطاع غزة، كلها عوامل مجتمعة دفعت بالرئيس إلى إطلاق مبادرته والدعوة لتنفيذ المبادرة اليمنية.
جولات الحوار السابقة على مدار السنوات الأخيرة، كانت تتم بشكل مباشر بين حركتي فتح وحماس، وفي كثير من الأحيان كانت اقرب إلى حوار محاصصة على أساس تقسيم المواقع الإدارية في المؤسسات الرسمية والصلاحيات والسلطات، وهو عامل أثبتت التجربة انه يحول دون صمود أي اتفق ثنائي بين الحركتين، وينهار عند أول تنازع للصلاحيات، فالشراكة والحوار عمليا كانا بين فصيلين، في ظل إشراك شكلي لفصائل أخرى، كما كان في حكومة الوحدة الوطنية، لذا فان مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها والقوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني وكافة الشخصيات المجتمعية، ضرورة واجبة وحتمية لنجاح أي اتفاق ينجم عن الحوار، فصياغة الإستراتجية السياسية والاقتصادية المستقبلية للمجتمع تتحتم مشاركة كافة أطرافه، فشركاء المصير الواحد عليهم أن يصيغوا القرار الواحد مجتمعين.
كما أن الشمولية تتمثل بمشاركة كافة الأطراف الفعالية على الساحة الوطنية والمجتمعية، كي يتحمل ا لجميع مسؤولية أي اتفاق والتعهد بالالتزام به، فالجميع يدفع ثمن الانقسام لذا فالجميع مطالب بالانخراط في هذا الحوار، وما تشكيل الرئيس لجنة من فصائل منظمة التحرير لمتابعة مبادرته إلا خطوة في الاتجاه الصحيح بعيدا عن الحوارات السابقة التي كانت بين فتح وحماس.
الحوار هام، إلا أن العبرة تكمن في نتائجه، ومدى رغبة وقدرة الأطراف على تطبيق نتائجه على الأرض، وأي اتفاق لا بد وان يعيد للمؤسسات الدستورية دورها في العمل السياسي، خاصة المجلس التشريعي، فما جرى في غزة من حسم عسكري، أدى إلى شلل في عمل المجلس التشريعي الحالي، وهو ما انعكس سلبا على الحياة البرلمانية وعلى دور المجلس في الرقابة على أداء الحكومة وإصدار التشريعات الناظمة لحياة المواطنين، أما اقتسام المؤسسات والوزارات بين الأطراف، لا يؤسس لدولة الكفاءات، فتعيين الموظفين وكبار الموظفين في المؤسسات الرسمية بناء على انتماءاتهم الحزبية أو الفصائلية يضر بالعمل المؤسساتي المبني على الكفاءة، وهو ما يجب الإحجام عنه في أي اتفاق قد يعقد.
أما المهمة الأكثر إلحاحية الآن إلى جانب إنجاح جهود الحوار الداخلي، تتمثل في إنهاء الانقسام وعودة المؤسسات الرسمية والحياة الطبيعية في القطاع إلى سابق عهدها، والاتفاق على موعد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعتمد التمثيل النسبي أساسًا، وتوحيد السلطة والقرار وخاصة القرار الأمني، المبني على أساس السلاح الواحد، الذي يضمن سيادة القانون وتوفير الأمن للمواطنين وينهي الفلتان.
ولا بد لأي اتفاق ينجم عن الحوار، إن تم، أن تكون هناك ضمانات من مختلف الأطراف بعدم الإخلال به، فللأسف الضمانة العربية لاتفاق مكة لم تكن كافية، لذا فأي إخلال في تنفيذ اتفاق داخلي لا بد وان يواجهه المجتمع بحسم ومن خلفه جامعة الدول العربية، فالقضية الفلسطينية والوضع الفلسطيني لا يمكن أن يتحمل مزيدا من الهزات، التي قد تعيده سنوات إلى الوراء، فيما تبقى النوايا الصادقة والمصلحة الوطنية عنصرا رئيسيا لنجاح أي حوار.