6/9/2008
ما أن طرح رئيس الحكومة د.سلام فياض فكرة استقدام قوات أمنية عربية لقطاع غزة، تسهم في بناء قوات الأمن الفلسطينية على أسس أمنية مهنية، تحول أن تستمر هذه الأجهزة في العمل ضمن معايير وأجندات حزبية، ويكون انتماء أفرادها إلى أحزابهم ويأتمرون برغبات تنظيماتهم، وليس بناء على مصلحة الوطن والمواطن وقرارات السلطة الشرعية وبناء على القانون، حتى سارعت حماس وبعض القوى في القطاع إلى رفض هذه الفكرة.
إن مهنية وحيادية الأجهزة الأمنية والتزامها بالعمل الأمني بعيدا على العمل السياسي، طالما كانت رغبة شعبية، دعت إليها جميع أطياف المجتمع المدني طويلا، فقد عانى المجتمع الفلسطيني كثيرا من تعدد الأجهزة الأمنية وعملها ومرجعياتها، وعمل بعضها في بعض الأحيان وفق توجهات حزبية، وليس بناء على ما يفرضه القانون وتوجيهات الحكومة، مما اضر بفعالية ومهنية هذه الأجهزة.
أما بعد استيلاء حماس بالقوة على قطاع غزة والمؤسسات الرسمية والأمنية والأهلية، فقد أصبح الشعب الفلسطيني أمام مشهدين، واحد في الضفة، حيث تحاول السلطة الوطنية إعادة فرض هيبتها وأن تبذل جهدها في توفير الأمن الداخلي، رغم العقبات الإسرائيلية في وجه خطط الحكومة الأمنية التي نجحت إلى حد ما في تطبيقها، وان كان يلزمها الكثير من الجهد والعمل والتنظيم والمهنية، وبين مشهد آخر في غزة، حيث أصبحت القوة التنفيذية وهو الجهاز الذي أنشأته حماس في قطاع غزة، وأجنحة الحركة المسلحة، وما يعرف بشرطة الحكومة المقالة وكل من له علاقة بحماس في القطاع يعمل ضمن جهاز واحد، فلم نعد نعرف ما الفرق بين أجهزة الشرطة وأجنحة حماس العسكرية.
وأمام هذا المشهد في قطاع غزة الذي لا يمكن أن ينجم عنه حالة أمنية يطبق فيها القانون وتكفل فيها الحرية والتعددية، فان فكرة أن تسهم الدول العربية في تدعيم وإعادة بناء القوى الأمنية على أسس سليمة، تكفل تطبيق القانون والعمل بمهنية، وليس بمعايير حزبية،على طريق إعادة الوحدة لشطري الوطن، لا يمكن أن تشكل خطورة على الشعب الفلسطيني ما دام هناك توافق فلسطيني وعربي على ذلك.
أما وقد رفضت حماس وبعض القوى لهذه الفكرة، في أن يمارس الأشقاء العرب دورهم في تدعيم الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فليبس مستبعدا أن ترفض أطراف فلسطينية أيضا وجود قوة دولية مستقبلية في الأراضي الفلسطينية، في حال تم التوصل لاتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي نهائي، وهي القوات التي من مهمتها الفصل بين الدوليتين، والاسهام في تدعيم قوات امن الدولة الفلسطينية، وهي فكرة بدأ الاتحاد الأوروبي منذ الآن مناقشتها، في إطار دعم حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
إن الاستعانة بقوات عربية وأخرى دولية إلى غزة والضفة، لمساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية ولمساعدة الدولة الفلسطينية الناشئة، يحتاج إلى رغبة شعبية ورسمية وتوافق داخلي على أهداف وجود هذه القوات والهدف منها، أما رفض هذه الأفكار التي قد تساعد على أن تكون جزءا من الحل لازمتنا الداخلية وصراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي، أمر غير مفيد، بل هذه خطوة تحتاج إلى الدراسة بعناية.
وفي كلا الحالتين، فان المساعدة العربية في بناء قوى الأمن وتمكينها من العمل بمهنية في قطاع غزة، يحتاج إلى أن يترافق أيضا مع خطوات تعيد الوحدة والتوافق الوطني، وما يتخلل ذلك من إعادة الكلمة الفصل للشعب عبر إجراء اللجوء إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة على أساس التمثيل النسبي.
وكذلك الأمر بالنسبة لتواجد قوات دولية لتفصل بين دولتي فلسطين وإسرائيل وتساعد الأمن الفلسطيني على الانطلاق قدما في حفظ امن دولته، فهي التزام وخطوة ستأتي ضمن اتفق سلام مع إسرائيل يستفتى الشعب الفلسطيني عليه.