21/6/2008

دخلت التهدئة في قطاع غزة حيز التنفيذ بعد جهود ووساطة مصرية بين إسرائيل وحماس، وهي تهدئة سبقتها تهديدات إسرائيلية معتادة باجتياح القطاع والقيام بعملية عسكرية واسعة، فيما لا يزال الترقب للخطوات التالية والتي تتمثل في إدخال الوقود والمواد الأساسية إلى القطاع وفتح المعابر بعد ذلك، سيد الموقف.

ورغم أن التهدئة تعد فرصة للمواطنين المحاصرين في القطاع لالتقاط أنفاسهم بعيدا عن الهجمات الإسرائيلية، إلا أن دروس الماضي تشير إلى أن إسرائيل لا تنفذ ما تلتزم به، وهو ما يضع التهدئة في مهب ريح التهديد الإسرائيلي المستمر، فاتفاقات التهدئة السابقة لم تفلح في لجم الآلة العسكرية الإسرائيلية، وضباط الجيش الإسرائيلي الذين طالما ضغطوا على سياسي إسرائيل لنقض هذه الاتفاقات والقيام بعمليات عسكرية، والاستمرار في سياسة الاغتيالات والاعتقال والتوغل وتجريف الأراضي.

وأكثر ما يعني المواطنين إلى جانب وقف العدوان الإسرائيلي هو رفع الحصار الذي عانوا منه على مدار العام الماضي والذي أثقل كاهل الحياة في القطاع، وإعادة إدخال المواد التموينية والسماح للمرضى والطلبة والمسافرين من مغادرة القطاع، بل وفتح المعابر التجارية وتلك التي تؤدي إلى الضفة الغربية.

وتجمع مختلف الأطراف الفلسطينية الرسمية والفصائلية على ضرورة الالتزام بهذه التهدئة التي تسعى مصر إلى تطويرها تجاه رفع الحصار عن القطاع وفتح المعابر، وهو المعيار الحقيقي لاختبار مدى صدق النوايا الإسرائيلية في خلق حاله من الهدوء في القطاع، لذا فان أي خطوات منفردة من أي جهة قد تقدم الذريعة التي تنتظرها إسرائيل للتنصل من هذا الاتفاق، ليعيد جيش الاحتلال عدوانه على الشعب الفلسطيني تحت عنوان “محاربة الإرهاب”.

وبغض النظر عن السبب الحقيقي وراء موافقة إسرائيل على الطرح المصري للتهدئة، سواء كان نتيجة للصراع السياسي الإسرائيلي الداخلي، أم لأسباب أخرى، فان التدخل الأوروبي والعربي والدولي لجهة تثبيت هذه التهدئة، يمكن أن يشكل عامل ضغط على إسرائيل، لصالح إطالة أمد التهدئة بل وتثبيتها، كمقدمة لإنهاء الحصار، وهو ما لا أن تعمل عليه الاجتماعات التي ستعقد في القاهرة لبحث إعادة فتح معبر رفح في إطار لجنة ستسعى مصر إلى تشكيلها للبحث في إمكانية فتح المعبر وآلياته، ستضم ممثلين عن الرئاسة وحماس وإسرائيل والأوروبيين، فالركون إلى النوايا الإسرائيلية لا يمكن أن تخلق حالة استقرار.

وما يمكن أن يثبت الأوضاع إن استقرت، هو اتفاق تلتزم به إسرائيل أمام العالم، لترفع بموجبه يدها عن القطاع، وهو أمر من الضروري أن ينطبق على الضفة الغربية التي لا زالت إسرائيل فيها تصادر الأراضي لصالح بناء جدار الضم والتوسع والفصل العنصري والمستوطنات، وتشن حملات الاعتقال وتهويد القدس، لذا فالتهدئة الشاملة تعني وقف العدوان الإسرائيلي عن القدس والضفة والقطاع في آن واحد، على طريق خلق حالة استقرار امني ميداني، تخفف من معاناة المواطنين، وقطاع الطريق أمام سعي إسرائيل ورغبتها في فصل الضفة عن القطاع سياسيًا كما عملت عليه جغرافيا، والتعامل مع جناحي الوطن كوحدتين منفصلتين.

وفي حال نجاح الجهود المصرية في هذا الإطار، يبقى الوضع الداخلي وإطلاق الحوار الفلسطيني- الفلسطيني، عاملا مكملا لاستقرار الوضع الداخلي، وأساس لإنهاء حالة الانقسام السياسي، ويقطع الطريق أمام أي انفصال جغرافي بين الضفة والقطاع، وهنا يبرز أيضا الدور العربي والمصري تحديدا، لجهة إعادة إطلاق الحوار المبني على المبادرة اليمنية التي اتخذت الطابع العربي في قمة دمشق.