16/7/2008
بقلم: مفتاح
نقلت وكالات الإنباء عن الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت على هامش القمة اليورو-متوسطية في العاصمة الفرنسية باريس قبل يومين، تفاؤلهما بمستقبل السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث قال اولمرت “إن الإسرائيليين لم يكونوا يوما أقرب من الآن إلى التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين”.
لا يمكن القول أن الغالبية العظمى من الشعبين الفلسطيني الإسرائيلي لا ترغب في السلام، إلا أن ما يثير الاستغراب من هذا التفاؤل وتصريحات اولمرت حول قرب حلول السلام، هو ما يجري على الأرض من ممارسات إسرائيلية تكرس الاحتلال وتذكر المواطن الفلسطيني يوميا بان هذا الاحتلال لا زال موجودا.
فاقتحام نابلس ومختلف مدن الضفة الغربية بشكل شبه يومي، إلى جانب حصارها بحواجز تزداد عددا بشكل مستمر، وهدم منازل المقدسيين بل وحرمانهم من حقهم في العيش في مدينتهم، واستكمال بناء جدار الفصل العنصري الذي يخترق الأراضي الفلسطينية ويحيط القدس إلى جانب التوسيع المستمر للمستوطنات، لا تشير بأي حال من الأحوال إلى قرب حلول سلام يزيل كل معالم الاحتلال ويؤسس لقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، إذ كيف يمكن لدولة أن تقام فيما يخترقها الجدار وتغلف مدنها وقراها المستوطنات، وتحاصر عاصمتها بالاثنين معا.
إحلال السلام لا يتأتى بالتصريحات البراقة والتفاؤلية، وليس بالتعبير عن صدق النوايا، بل بالفعل على الأرض وفي بناء الثقة التي تنجم عن إثبات صدق النوايا، عبر وقف بناء المستوطنات والجدران وإعادة الحياة لمدينة القدس من خلال فتح مؤسساتها الوطنية، والكف عن السياسة الممنهجة في هدم منازل أبناءها، والتوقف عن اقتحام المدن الفلسطينية بهدف إعادة الفوضى والفلتان في شوارعها، وقبل كل ذلك إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، كبداية لإثبات رغبة الحكومة الإسرائيلية في إتاحة فرص التوصل إلى السلام، الذي يرى اولمرت بأنه قريب بين جانبين.
على مدار سنوات الصراع، طالما قال رؤساء الحكوميات الإسرائيلية وكبار المسولين الإسرائيليين بأنهم يسعون للسلام، في وقت كانوا يصدرون الأوامر لقتل مزيد من الفلسطينيين ويقررون تنفيذ والاجتياحات وتسمين الاستيطان واستكمال بناء الجدار. فالمشكلة ليست بعدم وضوح طريق السلام، ولا عدم رغبة أي من الشعبين بإحلال الأمن والسلام، بل العلة تكمن في العقلية الرسمية الإسرائيلية التي ترى بأن القوة يمكن أن تحقق أهدافها التوسعية، وان كان على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه، لكن التاريخ اثبت أن كل احتلال إلى زوال وان كل شعب سيرى نور حريته على الرغم من صعوبة الظروف التي يتعرض لها.
وكما هو مطلوب من الشعب الفلسطيني أن يتمسك بثوابته الوطنية التي يجمع عليها أغلبيته في إقامة الدولة وعاصمتها القدس، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، فان ما تبقى من معسكر السلام الإسرائيلي مطالب اليوم بان يستغل الرغبة في السلام وفرض نفسه على أجندة السياسة الإسرائيلية، ليصبح ممكنا بعد ذلك أن تكون هناك حكومة إسرائيلية ترغب حقيقة في السلام، وتنفذ متطلبات السلام، ولا تكتفي بالتصريحات البراقة بينما الفلسطينيون يعيشون في ظل واقع مرير.