القاهرة في 23ديسمبر 2008.تقديم:
على الرغم من صدور قرار في 25/9/2007 من رئيس الوزراء الإماراتي حاكم دبي ، بعدم حبس الصحفيين في قضايا النشر ، والذي أشاد به الإعلاميين والقانونيين واعتبروه خطوة إلى الأمام ، إلا ان مشروع قانون “تنظيم الأنشطة الإعلامية” المقترح من الحكومة الإماراتية في نفس توقيت مرور عام على قرار رئيس الوزراء ،يعد خطوات إلى الخلف بما تضمنه من قيود على حرية الصحافة و الوسائل الإعلامية في دولة الإمارات .فقد تعامل المشروع مع النص الدستوري في الإمارات ، و الذي يكفل حرية الرأي والتعبير ، على أنه نص شكلي ، إذ أن ما ورد به يهدم هذا النص الدستوري ويتعارض مع حرية التعبير التي كفلها الدستور وكذلك المواثيق والعهود الدولية.

و الملاحظ على مشروع القانون أن العديد من مواده جاءت فى عبارات فضفاضة وتحتمل أكثر من تفسير، من جانب ، ووضوح بعض النصوص العقابية أو الرقابية من جانب أخر. فضلا عن العديد من المواد التي تفيد بوضوح بممارسة دور رقابي للمجلس الوطني للإعلام ، وهو الجهة الحكومية التي تسيطر على مقاليد الصحافة والإعلام في الإمارات.

فبدلا من ان يكفل المشروع حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام يؤكد على الرقابة السابقة عليها جميعا ويعدد العقوبات التي تبدأ من إنذارها ووقفها و إلغاءها بالطريق الإداري وليس القضائي.

كما يتغافل مشروع القانون عن حق الصحفيين والإعلاميين في الحصول على المعلومات طبقا للقانون وهى حقوق أصيلة غير قابلة للمساس ودونها لن تتمكن من النهوض برسالتها.

و تورد الشبكة العربية في هذا الموضع بعض ملاحظاتها الأساسية على القانون المقترح ، وهي تحث المشرع الإماراتي على أخذها بعين الاعتبار عبر تعديلها ، في سبيل الوصول لمشروع يسمح بالمزيد من حرية التعبير ، وتأكيدا أنه ما من مجتمع يسعي للتنمية ويتحرك للأمام دون صحافة حرة وقوانين ترسخ هذه الحرية.

تعليق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان:

الرقابة سابقة على الصحف
رغم أن مشروع القانون قد نص في بدايته (المادة 3) على عدم جواز الرقابة وسائل الإعلام ، إلا أن المادة 21 ، 23 جاءتا لتفرغ هذا النص الصريح من مضمونه ، حيث النص في المادة 21على ضرورة إيداع المطبعة نسخ من المواد المعدة للطباعة دون تحديد “قبل أو بعد الطباعة” ، كما جاءت المادة 23 ، لتوضح بشكل جلي قيام المجلس الوطني للإعلام بمتابعة ما تنشره كافة الوسائل الإعلامية .

قيود على ملكية الصحف وإصدار التراخيص
تبنى مشروع القانون في المواد (5 إلى 9) استلزام صدور قرار من مجلس الوزراء ثم توصية المجلس الوطني للإعلام ، فضلا عن شروط مجحفة تتعلق بالحظر على تملك الأجانب للصحف ، وكذلك للعاملين لدى دولة أو جهة أجنبية ، وتنطبق نفس الشروط على رئيس التحرير ، ثم أعلن أن شروطا أخرى قد ترد في اللائحة التنفيذية التي لم تصدر بعد.

و لم يترك مشروع القانون للمسئولين عن العمل الصحفي أو الاعلامى حق إلحاق أشخاص للعمل محررين أو كتابا أو مراسلين أو مذيعين أو معدين أو مخرجين إلا وأعطى الفرصة للمجلس بوضع القيود التي يراها بالإضافة إلى شروط وضوابط تتعلق بمراسلي الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية.

مخالفة صريحة لمبدأ شخصية العقوبة

وأكد مشروع القانون على مسئولية رئيس التحرير مع محرر المادة وكاتبها عما يتم نشره

ولم يحدد ماهية مسئولية رئيس التحرير هل هي مسئولية جنائية أم مدنية

وكان يجب أن تقتصر مسئولية رئيس التحرير على المسئولية المدنية فقط ولا يسأل رئيس التحرير جنائيا ويجب أن تخضع مسئولية رئيس التحرير للقواعد العامة للمسئولية الجنائية التي يجب أن يكون ثبوتها فعليا ولا يصح القول
بالمسئولية المفترضة على خلاف القواعد العامة التي تقضى بالا يسأل الشخص إلا عن الفعل الذي وقع منه وعلى ذلك فأن مسئولية رئيس التحرير ليست مسئولية عن فعل الغير وإنما هي مسئولية شخصية وان تكون مسئولية مدنية لا جنائية (م 10 )

إغفال الحق في تداول المعلومات
بالإضافة إلى ان المشروع اغفل وعن عمد الحق في حرية تدفق المعلومات والحصول عليها وهى حق من حقوق الصحفيين وألزم ألمشروع الصحف ووسائل الإعلام في حالة الكوارث والأزمات وفى حالات أخرى يقررها مجلس الوزراء أن تنشر كل ما يرسل إليها من الجهات الحكومية ، وقد ترك ما هية “الحالات الأخرى” وما هي الجهات الحكومية ، بشكل فضفاض ، بحيث يجعل الصحف تحت إرادة هذه الجهات التي لم يحصرها القانون ، كما رود في المادة 13 منه.

الإلغاء الإداري للترخيص
وأعطى المشروع للمجلس الوطني الحق في إلغاء الترخيص في حالة عدم ظهور الصحيفة بصورة منتظمة.وقد خلا نص المادة 16 من المشروع من تحديد مدة معينة لعدم الظهور بان تتراوح بعدد أشهر أما إطلاق المدة دون تحديد يعطى فرصة للمجلس بإلغاء الترخيص في اى وقت فيجب ان تحدد للمدة التي لا تنتظم فيها صدور الصحيفة.

وان يكون عدم انتظام الصدور بغير سبب مقبول وخلال مدة محددة

قيود على الطباعة
واشترط المشروع ترخيص سابق على إنشاء المطابع ،وأيضا اعتمد مشروع القانون على العبارات العامة التي لا ضابط لها وخاصة عند الحديث عن الضوابط لممارسة عمل المطبعة وعن إيداع عدد من النسخ المطبوعة لدى المجلس ،الأمر الذي يوحى بالرقابة السابقة واللاحقة على المطبوعات (المواد 21،20).

ويجب أن تحدد هذه الضوابط مثل أن يذكر بأول صفحة من المطبوع اسم الطابع وعنوانه واسم الناشر وعنوانه وتاريخ الطبع وان يحدد النسخ المودعة بعد الطبع .

قيود على البث المرئي والمسموع
ولم يكتفي المشروع بتلك القيود بل أضاف قيودا عديدة على إنشاء محطات البث المرئي والمسموع وألزم صدور ترخيص من مجلس الوزراء بناء على توصية المجلس الوطني للإعلام الأمر الذي يتعارض تماما مع ما نصت علية المادة 2 من مشروع القانون ذاته والتي تنص على ان حرية الرأى والتعبير مكفولة

ولم يأخذ المشروع بمبدأ الإنشاء بمجرد الإخطار اى أن يتقدم منشأ القناة إلى المجلس بالإخطار عن إنشاء قناة فضائية وان يكون عدم اعتراض المجلس خلال مدة معينة قرينة بالموافقة ، فضلا عن شرط توافق المادة الإعلامية مع “السياسة الإعلامية للمجلس” وهو ما يخل صراحة بمبدأ إستقلالية الوسائل الإعلامية ، وعدم مسائلتها إلا اذا خالفت القانون. (مواد 27،22).

استثناء لم يكتمل

واستثنى مشروع القانون في المادة 30 الكتب المدرسية والمجلات الأكاديمية المقررة في المدارس والمعاهد والجامعات والكليات والنشرات التعريفية للجهات الحكومية من كل أو بعض أحكام القانون ولائحته التنفيذية
دون ان يضاف إلى هذه المادة المحررات الخاصة بالمكتبات العامة والمجلات التي تصدر عن مراكز البحوث أو المطبوعات الغير دورية التي قد يصدرها المواطنون والتي تعبر عنهم .ودون إعفائها أيضا من رسوم التراخيص

العقوبات

غرامات مالية باهظة لمواد فضفاضة
أفرد القانون عقوبات تتضمن غرامات مالية باهظة تصل الى مليون درهم إماراتي ، على أفعال عدها جرائم كما جاء في الفقرة الثانية من المادة 32 ، تتعلق بتناول “رئيس الدولة ، نائبه ، أولياء العهود ،أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد ،أو نوابهم ” دون أن يحدد ما هو التناول المحظور ، بما يفتح الباب واسعا للتفسيرات المتعسفة ،وكذلك الحملات الصحفية و تكرار النشر بسوء نية “دون تحديد من يحدد سوء النية” وبعد الإنذار من المجلس ، فضلا عن العبارة المعتادة “الإساءة لسمعة الدولة” أو علاقاتها وارتباطاتها الخارجية
يبدو أنها تحوى ازدواجية فهذه الجرائم منصوص عليها في قانون العقوبات

بالإضافة العبارات الفضفاضة التي جاءت بها المادة مثل إساءة لسمعة الدولة..ألفاظ غير واضحة وغير محددة لا ضابط لها وتعطى فرصة لإيقاع اى صحفي تحت طائلة القانون مخالفا بذلك ماجاء بنص المادة 2 من المشروع ذاته والتي تكفل حرية الرأي والتعبير
وأيضا ما جاء بالفقرة 3 والتي تتعلق بإخبار مضللة للرأي العام على نحو يضر بالاقتصاد الوطني للدولة ونشر إخبار كاذبة

فأن هذه المفردات مع غموضها واختلاف مفهومها ومضمونها من شخص إلى أخر بل ومن جهة إلى أخرى ومن وقت إلى أخر يجعل القائمين على الصحافة والإعلام والنشر عرضه لمقاضاتهم ومعاقبتهم دون حدود فاصلة بين ما جاء بقانون العقوبات وما ورد بهذا القانون مما يعد وبحق إعاقة للصحافة والإعلام ، وخطوات الى الخلف

و يجب أولا أن ترفع هذه المواد من هذا القانون وان يكتفي بما ورد بقانون العقوبات مع تحديد العبارات والمفاهيم دون تركها غامضة أحيانا وفضفاضة أحيانا أخرى.

اعتداء على استقلال القضاء
ونص المشروع في المادة 35 منه على عدم سريان وقف التنفيذ ولا الظروف والأعذار المخففة الواردة بقانون العقوبات على الأفعال المرتكبة بالمخالفة لأحكام هذا القانون

هذا النص هو في حقيقته اعتداء على استقلال القاضي ومدى تقديره للوقائع المطروحة أمامه وتدخل خطير يغل يد ألقاضي في الحكم وهو نص باطل.

بالإضافة إلى ما ورد باقي نصوص مشروع القانون من عدم تحديد مدة في المادة 36 لللانذار تسمح للمخالف أن يصحح مخالفته فيها …

والمفترض ان يكون .الإنذار في مدة معينه من تاريخ المخالفة وان يعطى للمخالف وقتا كافيا لتصحيح مخالفته .والا يكون الإيقاف او إلغاء الترخيص الا من خلال جهة قضائية . وان يحق لصاحب الترخيص الطعن في خلال مدة معينة وان يكون الطعن في هذا القرار أمام جهة قضائية ..وان يكون الوقف لمدة لا تتجاوزها جهة الإدارة

الإلغاء الادارى دون القضائي
أعطى المشروع الحق لمجلس الوزراء والمجلس الوطني للإعلام الحق في وقف الترخيص للصحف أو لمحطات البث الإذاعي أو التليفزيوني (مادة 37،36).

ويجب أن يكون وقف الترخيص أو إلغائه بناء على حكم قضائي وليس قرار إداريا من الوزارة أو المجلس.

الرقابة على المطبوعات الواردة من الخارج ومنعها
ووقف المشروع موقفا أكثر تشددا للمطبوعات الواردة من الخارج واعمل عليها رقابة سابقة بالإضافة إلى ضبطها ومنعها من التداول بقرار أدارى من المجلس لمجرد شبه مخالفة الأحكام الواردة بالتشريعات في الدولة بشكل عام كل هذا دون مراعاة لمفاهيم القانون الذي يختلف من بلد إلى أخرى.