6/4/2009
هاجم عدد من المستوطنين حارة السعدية في البلدة القديمة من القدس المحتلة، محاولين اقتحام منزل عائلة جابر حيث اعتدوا على عدد من المواطنين في الحي تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، ما دفع بالمواطنين إلى التصدي لهم، حيث تزامن ذلك مع قيام سلطات الاحتلال بالاستيلاء على حجر من حجارة القصور الأموية في المنطقة المعروفة (بالخاتونية ) جنوب شرق المسجد الأقصى، في وقت كثف جنود الاحتلال من حصارهم المدينة.
إجراءات الاحتلال وهجمات المستوطنين في القدس لا يمكن أن تكون قد تزامنت وتواترت بمحض الصدفة، بل هي قطعا تندرج ضمن سياسية إسرائيلية طالما عملت على استهداف القدس والمقدسيين والتضييق عليهم بكل السبل، إلا أنها تكثفت هذه الأيام، في ظل حكومة إسرائيلية جديدة رمزاها المتطرف زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” افيغدور ليبرمان وبنيامين نتنياهو الذي اعترف والده بأنه مقتنع ويريد تثبيت الاحتلال وتأبيده، وهي حكومة لا يمكن مجابهتها كسابقاتها سوى بمزيد من صمود المقدسيين وتوفير سبل هذا الصمود، وتكثيف الفعاليات الشعبية المجابهة للسياسات الإسرائيلية.
وكي لا يشعر المقدسييون أنهم لوحدهم في المعركة فان دعم صمودهم لا بد وان يتم بالترافق مع حملة سياسية فلسطينية وعربية على المستوى السياسي الدولي تبدأ بالتصدي لحكمة ليبرمان نتنياهو والتي باتت مواقفها واضحة منذ اليوم الأول من عمرها، بل وقبل ذلك عندما عقد رمزاها المتطرفان صفقة لتطوير وتكثيف الاستيطان في مدينة القدس.
أما إعلاميا فان التركيز على القدس وما تتعرض له هذه الأيام، مهمة تحتاج هي الأخرى إلى تخطيط وحملات تطلع الرأي العام العربي والدولي على ما يتم في وضح النهار وتحت ستار الليل من تهويد للمدينة، وليرى المشاهد كيف أن القدس بمؤسساتها وأرضها ومقدساتها وأهلها، تتعرض لحملة تطهير عنصري بشكل يومي، طالبت كافة مناحي الحياة الدينية والاجتماعية الثقافية، إذ تطارد سلطات الاحتلال كل فعالية محلية أو وطنية تقام في القدس أو حتى في ضواحيها لإحياء احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية2009. ولا يجب أن ننتظر طويلا حتى نضع الخطط العملية سياسيا وإعلاميا وشعبيا لمجابهة نتنياهو الذي يرى في العدوان على غزة من جديد خيارا مطروحا بقوة، متجاهلا ما أحدثته حرب سلفه أيهود اولمرت على القطاع من ردود فعل دولية، فهو قد ألمح أكثر من مرة إلى إمكانية حدوث هذا العدوان تحت ذرائع عدة.
وفي ظل حكومة يسعى رئيس وزرائها إلى إبقاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية إلى اجل غير مسمى، ويتنصل وزير خارجيتها ليبرمان من التعهدات والاتفاقات الدولي، فيما يقوم جيشها بقمع المواطنين الفلسطينيين ويشرع مستوطنوها بالهجوم على منازل الفلسطينيين في القدس، فان الاختبار الحقيقي ليس للفلسطينيين، وان كان عليهم الاستعداد لمواجهة سياسات نتنياهو العدوانية، بالوحدة أولا وبالعمل العربي والدولي ثانيا، ، إنما هو اختبار أيضا للمجتمع الدولي الذي طالما طالب الفلسطينيتين بالالتزام بالإرادة الدولية سواء في خطة خارطة الطريق أو حتى في مؤتمر انابوليس، فيما يعجز حتى الآن عن إلزام إسرائيل بتنفيذ تعهداتها، وان كانت بع1 الأطراف الدولية تطالبها بذلك على استحياء.
وأول نتيجة لهذا الامتحان قد تظهر معالمه بعيد لقاء نتنياهو مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مايو/أيار المقبل، وكذلك لقائه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في حزيران/يونيو المقبل، فان كانت الإدارة الأميركية الجديدة والاتحاد الأوروبي جادان في سعيهما لإحلال تسوية سلمية في الشرق الأوسط، فان عليهما أن يسمعا نتنياهو ما يجب أن يسمعه أي رئيس وزراء إسرائيلي، والمتمثل في أن المطلوب من إسرائيل إنهاء الاحتلال ليتسنى للشعب الفلسطيني تحقيق تطلعاته وحقه في تقرير المصير بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية، فهذه هي المطالب الدولية.
إن إسرائيل رغم قوتها العسكرية وبطشها مع الفلسطينيين وعنجهيتها في التعامل مع الإرادة الدولية، إلا أنها اضعف من أن تقاوم إرادة ورغبة دولية حقيقة في فرض التغيير وإنهاء الاحتلال، فان علم نتنياهو أن الأطراف الدولية تريده فعلا الكف عن المماطلة والاستجابة للقانون الدولي والإرادة الدولية، فانه لا شك سيستجيب.
إن فشل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وأطراف اللجنة الرباعية الدولية، بما فيها الأمم المتحدة وروسيا التي تسعى لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط على أرضها، في لجم نتنياهو العازم على سياسيات استيطانية احتلالية، يرسل الرسائل الخاطئة للعرب والفلسطينيين، وقد يفهم هذا الفشل على أن المجتمع الدولي غير معني بأي سلام حقيقي في الشرق الأوسط.
ولأن الولايات المتحدة التي قال مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل إن مبادرة السلام العربية ستشكل جزءا من سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الشرق الأوسط، يقع الثقل الأكبر عليها باعتبارها الراعي الأكبر لهذه العملية وهي الدولة الأكثر قدرة التأثير على إسرائيل، لذا فان مسؤوليات اكبر تقع عليها للجم مخططات حكومة ليبرمان نتنياهو، بدءا من وقف الاستيطان وخاصة في مدينة القدس والكف عن استهداف المقدسيين ومؤسساتهم، بل وإعادة فتح هذه المؤسسات لأنها مؤسسات للفلسطينيين أقيمت على ارض فلسطينية.
بقلم: مفتاح
المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية / مفتاح