27/4/2009

في الوقت الذي كشفت مصادر صحفية فيه عن توصية إسرائيلية بتوسيع مستعمرة “معاليه أدوميم” شرق القدس المحتلة بحوالي 12 ألف دونم إضافية من الأراضي الفلسطينية، من خلال ضم مستعمرة ‘كيدر’ الواقعة 3 كم إلى شرقها، كان جنود الاحتلال يسلمون أكثر من 30 أمر هدم إداري لمساكن مواطنين مقدسيين في بيت حنينا، وشعفاط، والعيسوية، وجبل المكبر، ليترافق ذلك مع قرار إسرائيلي سيشرع بتنفيذه مطلع الشهر المقبل بتسجيل الفلسطينيين الداخلين والخارجين من القدس.

ورغم معارضة الإدارة الأمريكية والرفض الأوروبي والإدانة الدولية للتوسع للاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن سلطات الاحتلال ماضية في تهويد القدس وعزلها عن محيطها الطبيعي وفي إجراءاتها التعسفية بحق المقدسيين، الذين تتفنن حكومة إسرائيل في إيجاد السبل والسياسات التي تستهدفهم والتضييق عليهم، في وقت لم تسلم أي مظاهر من مظاهر الوطنية الفلسطينية في المدينة المحتلة من مطاردات الاحتلال بدءا من المؤسسات والشخصيات الوطنية وليس انتهاء بمحاربة فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، إلى جانب منع المسلمين والمسيحيين من أداء شعائرهم الدينية في كنيسة القيامة والمسجد الأقصى.

وتنطوي نية إسرائيل ضم مستعمرة “كيدر” على زيادة 6000 وحدة سكنية جديدة، على خطورة بالغة، إذ أن ذلك سيعني قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها، وتوسيع مستوطنات المدينة المحتلة، ضمن مسلسل استهداف المواطنين ومنازلهم في القدس.

إن التحذيرات الفلسطينية المستمرة من خطورة استمرار السياسة التوسعية الاستيطانية في القدس، لم تحدث ردة الفعل المطلوبة عربيا ودوليا، وان كانت عبارات الإدانة العربية للسياسة الإسرائيلية تتواصل، بينما الأصوات الأوروبية والأميركية ليست بالحزم والجدية الكفيلة بلجم إسرائيل وحكومتها الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو التي واصلت وبشراسة سياسات إسرائيل طول سني الاحتلال في استهداف القدس وأهلها.

وفي انتظار اجتماع وزراء الخارجية العرب الشهر المقبل لبلورة موقف عربي موحد تجاه الإجراءات الإسرائيلية، فان المطلوب فلسطينينا وبالتنسيق مع الدول العربية التحرك على أعلى المستويات الدبلوماسية على الساحة الدولية سياسيا وإعلاميا لإظهار مدى خطورة هذه السياسات الإسرائيلية المترافقة مع حملة استيطانية مسعورة، على عملية السلام برمتها، والتي إن واصلت إسرائيل تنفيذها، فانه لن يبقى لهذه العملية أي معنى وأي جدوى، فتهويد القدس وهدم منازل أهلها وطردهم وملاحقتهم، وضم مستوطنات الضفة إلى مجمعات الاستيطان الإسرائيلي في المدينة، سيحول دون أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وبالتالي الحيلولة دون إقامة هذه الدولة، ما يعني استحالة التوصل لأي اتفاق للسلام أو أية تسوية في الشرق الأوسط.

ولأن ردع إسرائيلي يكمن في الضغط الدولي وخاصة الأميركي، فان متابعة ما بدأ به العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من وضع الرئيس باراك أوباما خلال مباحثاتهما في واشنطن الأسبوع الماضي في صورة الأوضاع الخطرة التي تهدد العملية السياسية في الشرق الأوسط نتيجة لهذه السياسيات ، أمر هام وحيوي لجهة إقناع إدارة أوباما بالموقف العربي وأحقيته في مواجه سياسات نتنياهو الذي رفض وزير خارجيته المتطرف افيغدور ليبرمان بكل صراحة أي مباحثات سياسية على أساس القرارات والرؤية الدولية للحل على أساس الدولتين.

أما اللقاء القادم للرئيس محمود عباس والرئيس المصري حسني مبارك مع أوباما الشهر المقبل لا بد وسيطرح المخاوف العربية والفلسطينية، وتأثيرات سياسات إسرائيل على ما ترى الولايات المتحدة من انه مصلحة أميركية تتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية، إذ لا يمكن لأي دولة فلسطينية أن ترى النور في ظل وجود المستوطنات الإسرائيلية، وبينما القدس معزولة عن محيطها الفلسطيني والجدار والمستوطنات يلتهمان أرضها وأراض أصحابها الشرعيين، وإلا فإنها تصبح بذلك جزر ومعازل وكنتونات وليست دولة مستقلة كاملة السيادة على أرضها والتي أقرت الشرعية الدولية أنها يجب أن تقام على حدود الرابع من حزيران من العام 1967.

ان رغبة ووعود المجتمع الدولي في تحقيق الرؤية الدولية والأميركية بحل الصراع على أساس رؤية الدولتين على المحك الآن، والاختبار الحقيقي لإدارة أوباما التي تسعى لإحلال السلام في الشرق الأوسط وترى في إقامة الدولة الفلسطينية مصلحة وطنية أمريكية كما قال مبعوثها لعملية السلام جورج ميتشل، يكمن في رغبتها وعزمها على إلزام نتنياهو الذي سليقتي أوباما الشهر المقبل، على وقف هذه السياسات.

فالرئيس أوباما ومعه الدول الأوروبية والمجتمع الدولي مطالبون الآن، وقبل فوات الأوان باتخاذ قرار صارم لوقف السياسات الإسرائيلية ودفع نتنياهو إلى الالتزام بالقرارات والرؤية الدولية لإنهاء الصراع، والكف عن المناورات والتلويح بأن الأولوية للملف الإيراني تارة أو الدعوة لما يسميه السلام الاقتصادي تارة ثانية، فالقضية الفلسطينية قضية سياسية وقضية شعب أرضه محتلة وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في إنهاء هذا الاحتلال، أما غير ذلك، وأي تقاعس على وقف إسرائيل عند حدها سيفقد أوباما وإدارته المصداقية، ويهدد أي فرص لحل ممكن للصراع على أساس الدولتين.

بقلم: مفتاح
المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية / مفتاح