17/8/2009

بقلم: مفتاح

ليس غريباً ولا مستهجناًأن كل ما يلده الواقع الذي تعيشه غزة الآن، ليس إلا مسخاً مشوهاً عن مجتمع يراد لنا أن نكونه، وتتحمل كل الفصائل مسؤولية تفشيه في القطاع.

حماس ضربت بيد من حديد كل من يحاول أن يتمرد عليها، أو ينشق عنها، أسلوبٌ لطالما اشتكت منه وهي أول المنقلبين .

تحركها كان سريعاً ومباشراً رداً على الشيخ عبد اللطيف موسى الذي أعلن من على منبر مسجد رفح ولادة ما اسماه “الإمارة الإسلامية” في “أكناف بيت المقدس”، جاعلة من عقابه بتفجير منزله وقتلة عبرة لكل من تسول له نفسه بالخروج عنها، أو محاربتها.

“جند أنصار الله” التي كان زعيمها أو بالأحرى أميرها عبد اللطيف موسى، قد أخذت على عاتقها تطبيق حدود الله، ودرء المفاسد الناتجة عن “علمانية” حركة حماس على المجتمع، مخيرة إياها إما بتطبيق شرع الله وإقامة الحدود والأحكام الإسلامية أو التحول إلى حزب علماني تحت مظلة الإسلام”.

عبد اللطيف موسى دفع حياته وحياة 20 آخرين، ثمناً لإقامة إمارته الإسلامية، وهو الأمر الوحيد الذي تحقق من بين ما وعد به، بعد نصيحته لجماعته بعدم القتال إلى جانب حماس وغيرها ضد إسرائيل، لأن قتال المسلم إلى جانب كافر (أي حماس العلمانية) ضد كافر آخر هو إسرائيل حرام شرعاً.

فإذا كانت حماس علمانية فكيف يمكن أن تصنف الحركات الأخرى؟

. إن مثل هذه المجموعات أعطت الحق لنفسها في تقسيم الناس إلى مؤمنين وكفار وهم الغالبية العظمى من المجتمع بالنسبة لهم، وذلك تبعاً لطريقة أكلهم وشربهم ولبسهم وفرحهم وحزنهم. معتبرة أن مواجهة إسرائيل لا تتحقق إلا بالبدء بإصلاح الذات، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم والتغير لا يأتي إلا بمحاربة أعداء الدين، والأقربون أولى بالمعروف!!!.

إن هؤلاء مثلهم كمثل الثعلب في ثياب الواعظين، فهم يدفعون باتجاه تعزيز الفتنة والدعوة إلى القتل، بدعوى أنهم مصطفين من الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأن إزهاق الأرواح في سبيل تحقيق ذلك جائز شرعاً (فالضرورات تبيح المحظورات)!!. وهذا منهج المفسدون في الأرض، فلا يعقل أن يكون الاحتكام للقوة هو أساس الدعوة إلى الدين، فالدين بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف.

وما أعلنه إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في غزة على أنه لا يوجد في القطاع إلا أهل ومجاهدو القطاع على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، هو نهج حماس التي تسارع دائماً لعلاج الواقع بإنكاره. وسواء أكانوا هؤلاء دخلاء على المجتمع الغزاوي بهدف تمرير أجندات خارجية، أو أنهم جاؤوا كنتيجة تراكمية تحت مظلة حماس التي شكلت حاضنة مثالية لهم، فإن ظهور مثل هذه القوى وبهذا الشكل ما هو إلا أحدى المؤشرات الخطيرة لما ينحدر نحوه القطاع من رجعية وراديكالية وتطرف، في ظل غياب القانون وشرعنة القتل الذي يشهده أهالي غزة، وفي كل الأحوال لا ينفع حماس إنكارها لوجود مثل هذه الجماعات التي أصبحت جزءاً من واقعها، بل من الأجدر مواجهة نفسها بالأسباب التي جعلت من غزة بيئة مناسبة لتكونها.

والخطورة الكامنة وراء مثل هذه المجموعات هو مدى انعكاسها وتأثيرها على النسيج الاجتماعي والأخلاقي، وتحويله إلى جماعات تحركها الحزبية والفئوية، لتكون نموذجاً آخراً من العراق أو طورا بورا، مستفيدة من الفقر والبطالة وأجواء التوتر، وعبثية الأنفاق وعدم الاحتكام للقانون.

إن هذه الدعوات بالإصلاح والتغيير من قبل مثل هذه الفئات تأتي في القالب الطالباني الذي يعتمد القوة والسيطرة على عقول الناس، وعلى حياتهم منهجا ًوحيدا ً لا يقبل النقاش أو الحوار وكل من يخالف فهو كافر وفاسق، ودمه حلال. فحماس التي لم تترك أهل القطاع في حالهم ولم تترك لهم حتى تلك المساحة البسيطة من الحرية وتفرض حصاراً أخلاقياً يُضاف إلى حصارهم، إنما هي تفرض وجهة نظرها أحادية الجانب ولا تقيم وزناً ولا اعتباراً للتنوع المجتمعي والتباين الفكري وللحرية الشخصية، منتهكة بذلك حقوق المواطنين، ومستخفة بآرائهم، على اعتبار أنهم قُصَر ولا يعرفون مصلحتهم، وكل هذا بدعوى الحفاظ على أمن المجتمع وأخلاقه.

فما بين فرض الحجاب والجلباب على المحاميات، والنساء والفتيات في المدارس والجامعات واقتياد الأزواج والخاطبين لمراكز الشرطة للتأكد من شرعية تواجدهم سوية على شاطئ البحر، بطريقة مهينة ومذلة، ما هو إلا قطرة من غيث سيُغرق القطاع ويُغرقنا جميعاً، ولن تكون إلا عقبة جديدة تضاف إلى قائمة العقبات في طريق إنهاء الانقسام، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

وعليه يتوجب على الجميع تحمل المسؤولية من أجل الوقوف في وجه هذا الانفلات المجتمعي، والعمل على تعزيز الحرية والديمقراطية والاحتكام إلى القانون.

المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية / مفتاح