12 نوفمبر 2004
ثمة مبدأ معرفي ، علينا أن نرفع لواءه على الدوام ، إن المفاهيم و المصطلحات هي بنت التاريخ ، أي إنها لا تنتج مرة واحدة و إلى الأبد ، بل إنها تبدأ بالنضج و التبلور في سياق التجربة البشرية ، حيث تكتسب دلالات جديدة في مسار نضجها و تبلورها ، وهذا ما ينطبق تماما على مقولة حقوق الإنسان و مسارها التاريخي المتعرج ، التي لا يمكن المسك بها إلا بعلاقتها العضوية بمفهوم الدولة و المجتمع المدني ، وهنا يمكن أن ندرج كثير من المفاهيم التي ترتبط بهذا النسق المعرفي مثل : الديمقراطية ، القانون ، الحرية ، الملكية ، العمل ، المواطنة ، الفردية ، السياسة …..إلخ .
مما يعني أن حقوق الإنسان تكتسب دلالاتها و تبلورها بعلاقتها بالدولة و المجتمع المدني ، مثلما لا يستقيم مفهوم المجتمع المدني إلا بمفهوم الدولة أي الشكل السياسي للكلية الاجتماعية . مما يعني أن مسار حقوق الإنسان هو مسار ماهية العلاقة القائمة بين الدولة و المجتمع المدني ، وعلاقة الفرد بالمجتمع ، فغياب الدولة هو ضبطا غيابا للحرية وغياب للمجتمع المدني . فيشكل انتهاك الحقوق هو السمة الأبرز في علاقة السلطة بالمجتمع .
فإذا كان المجتمع المدني هو مملكة الحرية ( حسب تعبير هيكل ) فإن الدولة هي مملكة القانون ، ومن البديهي أن تكون الحرية مشروطة بالقانون ، مثلما المجتمع المدني مشروط بالدولة الوطنية . و بحكم الجدلية القائمة بين الحرية و القانون ، يغدو القانون ضامنا رئيسا للحرية ، وتغدو الحرية مضمون القانون ، وتغدو الدولة من ثم مملكة الحرية . فتشكل المواطنة تحقيقا لفردية الإنسان و في القانون هذا ضامنا وحيدا لحقوقه و مصالحه . وبالتالي تشكل سيادة الشعب و حقوق الإنسان وجهي الديمقراطية مما يدلل على أبعاد حقوق الإنسان السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية . عند ذلك تكون الدولة دولة جميع مواطنيها بغض النظر عن محمولاتهم الاجتماعية المختلفة ( السياسية و الحزبية و الإيديولوجية و الدينية و المذهبية و القومية و الاقتصادية و الجنسية و العرقية ……) وتغدو الوحدة الوطنية من القوة و المتانة و الثقة لتعترف و تحترم التعدد و التنوع و الاختلاف داخلها وتدافع عنهم ، عندئذ يكون مسار الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان الدينامية الأساسية لمسار تقدم الوطن و حريته و استقلاله و قوته .
أما في الساحة العربية فقد خفض مفهوم المواطنة إلى مستوى الولاء الحزبي أو الشخصي ، و إلى مستوى الرعوية ، و مفهوم الشعب خفض إلى مستوى ” الجماهير ” أي إلى كتلة سديمية و جموع غير منسجمة ، و ما رافق هذا التخفيض من نمو سمات الدولة التسلطية الشمولية التي احتكرت مصادر الثروة و القوة و السلطة في المجتمع بحسب ” خلدون حسن النقيب ” . مما انتج مناخا هو الأخصب لإنتاج ظاهرة الاحتقان و التكورات الاجتماعية التي يستغرق فيها الإنسان في أحد انتماءاته ( المذهبية و الطائفية و العشائرية و………) مما يدخلنا في دوامة إعادة الإنتاج المتبادلة بين نمو السمات التسلطية في الدولة و الاحتقانات الاجتماعية ، فتغيب الدولة و الوطن و الإنسان ، ويكون الفرد في مجتمعاتنا هدف لكل أشكال الانتهاك بمصادره المختلفة . وكل ذلك ترافق مع انفلات القوة العسكرية الأمريكية من ضوابط القانون الدولي و الشرعية الدولية لتكريس هيمنتها بما يخدم مصالحها ، وما يشكله هذا من تهديد جدي على بلادنا ، وذلك مهما غلفت استراتيجياتها بخطاب الديمقراطية و حقوق الإنسان .
بكل ما تقدم يدلل على أن الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان ليس وليد الترف الفكري و المعرفي و النخبوي ، بل هو وليد الحاجة التي تفرضها التحديات الداخلية بمجالاتها المختلفة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية . و في نفس الوقت هو ضبطا مسار التنمية الاجتماعية و الاندماج الوطني و تقدم الوطن و استقلاله وازدهاره . مما يضعنا أمام تحد مهم – باعتقادنا – وهو ضرورة الالتفات إلى ثلاث اتجاهات تتقاطع في إعاقة حركة حقوق الإنسان في سوريا :
الاتجاه الأول : أساليب التلاعب من جانب الحكومة بالعواطف الوطنية و القومية و مبدأ السيادة ، للتحلل من الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان و الاتفاقيات التي صادقت عليها سورية ، وما ينتجه هذا الاتجاه من خطاب أيديولوجي تبريري يسوغ انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها السلطة تحت غطاء التحديات الخارجية. الاتجاه الثاني : تغليف الأهداف الخاصة بالسياسات الخارجية لبعض الدول الكبرى بخطاب الديمقراطية و حقوق الإنسان و ما تعانيه شعوبنا من جراء هذا التوظيف النفعي السياسي و الدعائي ، مما يضع أيضا حركة حقوق الإنسان و منظومة حقوق الإنسان في خانة الاتهام ، مما يشكل عاملا إضافيا في التضييق على حركة حقوق الإنسان ، و مسوغا إضافيا في انتهاك حقوق الإنسان و الحريات الأساسية .
الاتجاه الثالث : الذي يستخدم الخصوصية الحضارية و الدينية و “النقاء الثقافي ” للطعن بمبدأ عالمية حقوق الإنسان ، وإن هذه المنظومة لا تنتمي إلى الحاضنة الثقافية لمجتمعاتنا ، مع تأكيدنا على أن الخصوصية التي ينبغي الاحتفاء بها هي تلك التي ترسخ شعور المواطن بالكرامة و المساواة و تثري ثقافته وتحقق مشاركته بإدارة شئون البلاد .
ومساحة التقاطع بين الاتجاهات الثلاثة ، تكرس لدينا مبدأ عالمية حقوق الإنسان الذي كان الخيار الواضح لـ ( ل د ح ) في الجمعية العمومية التي انعقدت في القاهرة في تشرين الأول سنة 2003 ، الوعي بهذا المبدأ في مسار عملنا هو عمل يأخذ بالحسبان الأبعاد الثقافية و السياسية و الاجتماعية والاقتصادية في بلادنا ، ويحدد أولوياتنا في كل مرحلة ، هذه الأولويات التي تندرج في تصور استراتيجي بأبعاده المختلفة التي تكون فيها حقوق الإنسان مصانة وفق المعايير الدولية المتفق عليها و التي صادقت عليها سورية و التي تفرض على العضو الطرف في هذه الاتفاقيات أن تنزل هذه الاتفاقيات نزول القانون ، وأن تجري التعديلات القانونية وفق هذه الاتفاقيات ، مما يعني في هذا السياق إن العهود و الاتفاقيات التي تشكل مرجعية اللجان الأساسية ، هي نفسها العهود و الاتفاقيات التي صادقت عليها سورية .
وانسجاما مع هذا التصور بأبعاده المختلفة، غيرت اللجان اسمها في الجمعية العمومية سابقة الذكر ، من لجان الدفاع عن حقوق الإنسان ، إلى لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان ، مع تأكيدها المبدئي و النهائي على استقلاليتها إزاء جميع القوى الحزبية في البلاد ، واختلافها في مجال العمل و الخيارات عن هذه الأحزاب ، إن كانت ضمن تحالف السلطة أو المعارضة بمختلف مرجعياتها الأيديولوجية ، فالبعد السياسي في عمل اللجان هو بعد متمحور حول منظومة حقوق الإنسان . وهذا ما يجعلنا على مسافة واحدة من كل هذه القوى السياسية و الأيديولوجية ، أي على علاقة معها ، بما فيها السلطة ، موضوعها قضية الحريات الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان .
وفي هذا السياق ، نؤكد ، إن أولويات عمل اللجان ،تتحدد من خلال مقاربتها للواقع وتحدياته المختلفة من جهة ، و بما ينسجم مع منظومة حقوق الإنسان من جهة ثانية ، مما يعني بأن حركة حقوق الإنسان هي حركة إصلاحية في الجوهر ،
الحرية للزميل أكثم نعيسة
رئيس لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان
الحرية للزميل عبد الكريم ضعون عضو مجلس الأمناء
الحرية للزميل خالد علي
المركز الإعلامي
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان في سوريا
www.cdf-syria.org
info@cdf-syria.org