10/12/2005
على الرغم من مرور سبعة وخمسين عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10/12/1948م, هذا الإعلان الذي شكل مفصلا تاريخيا في وعي المجتمع الإنساني والدولي، ليتحول بعدها موضوع حقوق الإنسان إلى ركيزة أساسية للسعي إلى عالم جديد وحضارة عالمية جديدة، إلا أن تفعيل ما ورد به على المستوى العالمي والوطني ما يزال دونه الكثير من العقبات ، وكان من أبرز سماتها في السنوات الأخيرة التواطؤ بين عنف الدولة وعنف بعض المنظمات المسلحة ، في انتهاك حقوق الإنسان الأساسية ،مما شكل مبرر لبعض الدول لتمرير الاستمرار المنظم والمقونن في انتهاك حقوق الإنسان و الحريات الأساسية.
تعيش منطقتنا ظروفا تغيرية بالغة الدقة والتوتر ,ومليئة بالأحداث والتوترات بحيث بدا واضحا إن عمليات التغيير والإصلاحات السياسية في المنطقة كلا مترابطا ,وقد بدا واضحا إن مجمل البنى التشريعية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية معطلة ,وان عمليات الإصلاح والانتقال إلى وضعيات جديدة اقل انتهاكا لحقوق الإنسان وأكثر مشاركة,لن تكون بمعزل عن المحيط الإقليمي ,ما خلق حالة من عدم الاستقرار والوضوح,إقليميا وداخليا, بحيث تداخلت وتمازجت وتبادلت التأثير, مابين الأوضاع الداخلية والإقليمية , مما يزيد قلقنا من عدم الحرص لدى الحكومة السورية على إحراز أي تقدم ملموس في المرحلة القادمة على صعيد احترام حقوق الإنسان أو تحسين وضعية الحريات العامة وحقوق الإنسان,وتضافر ذلك مع السياق السياسي والإعلامي الذي يهيمن عليه خطاب معاد في جوهره لحقوق الإنسان والمدافعين عنها,منظمات وأفراد، والحرص التام في عدم تمكين المنظمات المحلية أو الدولية في إظهار الانتهاكات أمام الرأي العام.
ففي هذا المناخ الذي تتعرض فيه السلطة السورية لضغوطات جدية ونوعية( قرار مجلس الأمن 1636 ) ، وتعيش عزلة سياسية إقليمية ودولية ، مما يتطلب تغيير نمط العلاقة القائم مع المجتمع واتخاذ خطوات جريئة وواضحة تجاه التحول الديمقراطي ، إلا أنه مازلنا نلاحظ تراجعا في احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان واستمرار السلطة السورية على نهجها الأمني في التعاطي مع المجتمع السوري ، وما زال مركب حالة الطوارئ و الفساد ، الذي يشكل ركيزة أساسية في ممارسة السلطة ، مستمرا في المساهمة في تدهور حالة الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية وتراجع المستوى المعاشي للمواطنين بازدياد نسبة البطالة والفقر في المجتمع . فعلى أهمية العفو الرئاسي الأخير ، إلا أننا مازلنا نرصد الكثير من حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري خارج القانون ، والتهديد الدائم بالحق في الحياة والأمان الشخصي,من قبل مختلف الأجهزة الأمنية الموجودة في سورية, مع استمرار عمليات التعذيب وإساءة المعاملة من وسائل التحقيق المعتمدة في أقسام الشرطة ومراكز التوقيف المختلفة، إضافة للأوضاع المعيشية والإنسانية المتردية كنوع من العقوبة الإضافية تجاه الموقوفين,واستمرار العمل بالمحاكم والقوانين الاستثنائية وخاصة محكمة امن الدولة العليا. ولا زال التجريد من الحقوق المدنية والسياسية للمعتقلين السابقين و المجردين الأكراد بسبب إحصاء عام 1962 ، وكذلك استمرار الأوامر الإدارية بإلغاء ووقف جميع أشكال التجمع و التجمعات السلمية غير الحكومية ,والأوامر الخاصة بحرية التنقل والسفر بحق بعض الناشطين والمهتمين بالشأن العام ,وكذلك غياب حق المشاركة العام في إدارة الشؤون العامة ,مع غياب قوانين حضارية وحديثة مناسبة تخص عمل الجمعيات والهيئات المدنية وعمل النقابات المستقل ، وغياب قانون ينظم عمل الأحزاب والحركات السياسية في سورية.
كما تمر اليوم الذكرى السادسة عشر ( 1989 ) على تأسيس اللجان,كأول منظمة حقوقية سورية مدافعة عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية,دفع مؤسسيها ثمنا غاليا جدا في المعتقلات السورية ,ولفترات طويلة وتعرضهم للتعذيب والانتهاك في الحق في حرية الرأي والتعبير,وقد استمرت اللجان رغم كل المضايقات والتهديدات وبجهود كل من حمل فكر اللجان وثقافة الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية, وقد توج هذا العام بإصدار التقرير السنوي وانعقاد الجمعية الاستثنائية في ظروف سيئة جدا ساد فيها في سورية عمليات المنع والإلغاء لحق التجمع السلمي.إضافة لمشاركة اللجان في عدد من المؤتمرات و الدورات التدريبية في عمان والقاهرة وتونس , والاهم مشاركة اللجان في تقديم التقرير الموازي لتقرير الحكومة السورية في جنييف أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، وإطلاق البرنامج المشترك مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب من أجل إعادة تأهيل ضحايا التعذيب في سورية.
فقد كانت( ل.د.ح ) من الداعين لترسيخ ثقافة الحوار و قيمها بين مختلف تكوينات المجتمع ، الحكومية وغير الحكومية,من اجل التمكين من الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان ،التي تشكل دولة الحق والقانون ذات النزوع الديمقراطي أهم ركائزه، واعتبرت المساهمة في إشاعة الفكر والسلوك والممارسة الديمقراطية والدعوة لترسيخ مؤسساتها و احترام منظومة و قيم حقوق الإنسان( كمنظومة عالمية أنتجتها البشرية، وغير قابلة للتجزئة ) ,هو الجزء الرئيسي من مهامها.وكما أكدت اللجان إن قواعد حقوق الإنسان تتجاوز المعايير قانونية إلى توفير الأسس الثقافية لبناء مجتمعات ديمقراطية وعادلة ، يمارس فيها الإنسان حرياته الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي صادقت عليه سوريا , وتعمل على تكريم الإنسان عبر حماية حقه في الوجود و المساواة ، وفي الحياة الكريمة ، وتمكينه من المشاركة في تقرير مصيره الفردي والجماعي ، وإن إرساء العلاقات الديمقراطية لن يتم بغياب مؤسسات المجتمع المدني الطوعية,ولا باستمرار العلاقة القائمة بين السلطة والمجتمع ,إنما بالاستناد على قواعد علاقة جديدة أساسها المشاركة والتسامح وسيادة مبدأ المواطنة وغيرها.
من هنا ترى اللجان إن المداخل الأساسية لمعالجة ملفات حقوق الإنسان و تفعيل الإصلاح و التحول الديمقراطي في سورية يمر عبر الاستجابة للمطالب الحقوقية الأساسية التالية :
1ـ رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية المعلنة في البلاد منذ عام 1963، وإيقاف الاعتقال التعسفي ,والإفراج عن كافة معتقلي الرأي و المعتقلين السياسيين ووقف المحاكمات الجارية أمام محكمة أمن الدولة العليا التي تفتقر إلى أدنى مقومات المحاكمات العادلة ، مما يمكن من تأسيس نظام ديمقراطي بمفهومه السياسي و الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي، إطاره دولة الحق و القانون و غايته مجتمع المواطنات و المواطنين الأحرار المتضامنين و المتساويين في الحقوق و الذي يمكن من سيادة كل حقوق الإنسان وضمانها للجميع. وإن تحقيق هذا الهدف يتطلب كإجراء أساسي أولي تعديل الدستور بما ينسجم في المضمون مع مبادئ و قيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية التي صادقت عليها سورية ، وعلى أن الشعب هو أساس و مصدر كل السلطات و على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية وعلى المساواة في كافة المجالات بين النساء و الرجال .
2. إقرار مبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادقة عليها على التشريعات الوطنية، مع التنصيص على هذا المبدأ في الدستور.
- إعمال مبدأ الملاءمة عبر إلغاء القوانين و المقتضيات القانونية المنافية لحقوق الإنسان عبر إدماج مقتضيات المواثيق و الاتفاقيات المصادق عليها في التشريع السوري.
- احترام سيادة القانون في الممارسة على كافة المستويات و نهج أسلوب المساءلة و عدم الإفلات من العقاب للمنتهكين كيفما كان مركزهم و مبرراتهم و هو ما سيساهم بقوة في القطيعة مع عهد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
- اتخاذ التدابير الدستورية و التشريعية و الإجرائية لإقرار القضاء كسلطة مستقلة و لتطهيره من الفساد و ضمان استقلاليته و نزاهته وكفاءته
3- العمل على القطع مع سياسة التعتيم على أوضاع حقوق الإنسان في سورية و بتبني توجه جديد و إيجابي في مجال الحماية و النهوض بحقوق الإنسان و في هذا الإطار نطالب بصفة خاصة بـ:
- تشكيل ” مجلس وطني لحقوق الإنسان ” ليصبح مؤسسة ديموقراطية من حيث تكوينها و آليات اشتغالها، مستقلة عن السلطة و مؤهلة للمساهمة في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها على غرار المؤسسات الوطنية المماثلة في البلدان الديمقراطية.
- تشكيل هيئة وطنية مستقلة ( الإنصاف و المصالحة ) لمعالجة ملف المفقودين و الاختفاء القسري على أساس جبر الأضرار لصالح الضحايا ، مما يساهم في طي هذا الملف بشكل نهائي .
- العمل على التسوية النهائية و العادلة لأوضاع كافة المعتقلين السياسيين المفرج عنهم و كذلك الموقوفين بسبب نشاطهم النقابي أو السياسي وذلك في مجال العمل و على المستوى القانوني و الإداري و المالي و وضع حد قانوني لمضايقة المعتقلين سابقا بدءا بتمكينهم دون قيد أو استثناء من كافة حقوقهم و من ضمنها جوازات السفر و حقهم في مغادرة البلاد و توفير العلاج الطبي والتعويض الملائم للمصابين بأمراض و عاهات ناتجة عن القمع السياسي.
- إصدار عفو عام تشريعي لإلغاء كافة الأحكام و المتابعات المرتبطة بملف المنفيين وعودتهم للوطن بضمانات قانونية.
4- إصدار قانون للجمعيات، يمكّن فيه مؤسسات المجتمع المدني من المساهمة الفعلية و المشاركة في صياغة مستقبل سورية
5- إصدار قانون عصري للأحزاب يمكن المواطن من حقه في تشكيل الأحزاب
6ـ تعديل قانون المطبوعات بما يتوافق مع حرية الرأي و التعبير في كافة الوسائل الإعلامية
7ـ إعادة الجنسية للمجردين الأكراد
8ـ . تحمل الدولة لمسؤولياتها في محاربة الفقر و رفع المستوى المعاشي للمواطنين و في ضمان الحق في العيش الكريم و احترام الحقوق الاجتماعية الأساسية في الصحة والسكن و التعليم .
9- وضع حد لممارسة التعذيب في السجون و الفروع الأمنية ، ومحاسبة مرتكبيه و إحالتهم للقضاء .
10- وضع الحد القانوني لانتهاك الحق في التجمع و التظاهر السلمي و رفع الحصار عن الجامعات و المعاهد و خلق الشروط لتسترجع الجامعة دورها التنويري والديمقراطي بعيدا عن العنف والتعصب الفكري و العقائدي، وعودة الطلاب المفصولين و المعتقلين إلى مقاعد الدراسة.
11-.محاربة الفساد من خلال إعمال شعار عدم الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية المرتكبة بشأن الثروات و الأموال العامة، التي شكلت و مازالت تشكل إحدى الأسباب الأساسية لحرمان المواطنين و المواطنات من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. و تقديم مرتكبيها للعدالة ، وذلك مهما كانت مراكزهم و نفوذهم . واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة التي تضمن استرجاع الدولة للأموال المنهوبة و ما ارتبط بها من فوائد.
12-اتخاذ كافة التدابير اللازمة من أجل المساواة الفعلية والقضاء على كل مظاهر التمييز القائمة بين النساء والرجال في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و إعمال المادة 5 من اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص على تغيير الأنماط الثقافية المكرسة للتمييز بين الجنسين ، وتوفير الحماية التشريعية و العملية للمرأة من العنف، ووضع حد للّاعقاب على الجرائم التي ترتكب ضد النساء من جراء مختلف أصناف العنف المرتكبة ضدهن.وإلغاء التحفظات السورية على اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها .
· و أخيرا نعود ونؤكد على ما طرحته اللجان في جمعيتها العمومية العادية والاستثنائية، على ضرورة بناء التحالفات بين منظمات حقوق الإنسان على المستوى الوطني أو الإقليمي والعالمي ، و التأكيد على المبادرة التي أطلقتها اللجان بإنشاء ائتلاف المنظمات غير حكومية,و المشاركة مع المنظمات الحقوقية السورية الأخرى في اتجاه التأسيس للجنة تنسيق بين المنظمات الحقوقية السورية من اجل الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية, آملين بان يكون العام الجديد بتشارك جهود مختلف المنظمات الحقوقية السورية وعبر التنسيق لائتلاف حقيقي ,هو عام حقوق الإنسان في سورية.
دمشق 10/12/2005
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا
مجلس الأمناء