14/4/2008

ينظر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بقلق شديد لاستمرار سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في وقف إمدادات الوقود اللازم لحياة السكان المدنيين في قطاع غزة. وقد أسفر ذلك عن توقف نحو 50% من خدمات التعليم، حيث سجل عجز نحو 50% من طلبة وطالبات المدارس والمعاهد والجامعات، والعاملين فيها عن الوصول إلى مرافقهم التعليمية. كما توقف قطاع النقل والمواصلات في مدن وقرى ومخيمات قطاع غزة بشكل شبه كلي، وبات يخشى من شلل تام لكافة مرافق الحياة الأساسية، كخدمات توصيل مياه الشرب، معالجة مياه الصرف الصحي، جمع النفايات من الشوارع والأحياء السكنية. وفي المقابل انخفضت نسبة المرضى المراجعين للمرافق الصحية بأكثر من 25% بسبب عدم توفر وسائل النقل المواصلات، فضلاً عن عجز المئات من الطواقم الطبية عن الوصول إلى أماكن عملهم في تلك المرافق.

وكانت سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وبتاريخ 09/04/2008، قد أوقفت تدفق إمدادات الوقود والمحروقات المقلصة أصلاً إلى قطاع غزة، ما فاقم من تردي الأوضاع الإنسانية في مدن وقرى ومخيمات القطاع، والمتدهورة أصلاً، جراء استمرار فرض العقاب الجماعي على سكان القطاع المدنيين منذ 15/06/2007.

ووفقاً لمتابعة المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وتقارير باحثيه من محافظات القطاع المختلفة، فقد أصبح القطاع أشبه بمدينة أشباح، خاصة في أوقات الصباح وبعد الظهر. وأغلقت نحو 145 محطة توزيع للوقود فيها، فيما توقفت كافة شركات البترول والغاز والمحلات عن العمل كلياً بسبب عدم وجود كافة أنواع المحروقات فيها. ووفقاً لمصادر محلية مختلفة فقد تعطل أكثر من 85% من حركة النقل والمواصلات، بما فيها المركبات العامة والخاصة، بين المحافظات، ومواصلاتها الداخلية. وبات من الصعب على السكان الوصول إلى أماكن عملهم، أو مدارسهم وجامعاتهم أو حتى الوصول إلى المراكز الصحية والمستشفيات سواء للحصول على الرعاية الطبية اللازمة لهم، أو ليتسنى وصول الطواقم الطبية العاملة فيها.

وفي أبرز انعكاسات أزمة الوقود على قطاع التربية والتعليم والتعليم العالي، تراوحت نسبة الغياب في المدارس والجامعات في قطاع غزة بين 20-50% في كافة المرافق التعليمية منذ يوم السبت الماضي وحتى صباح اليوم، خاصة في مدينة غزة التي تضم أكبر عدد من الجامعات والمؤسسات التعليمية. ففي مدينة غزة تغيب نحو 30- 55% من طلبة جامعات الإسلامية، الأقصى، الأزهر وجامعة القدس المفتوحة في المدينة. وأفادت مصادر الجامعة الإسلامية بغزة أن نحو 60% من طلبتها، البالغ عددهم 19000 طالبة وطالبة قد تغيبوا يوم أمس الأحد عن مقاعدهم الدراسية لعدم تمكنهم من الوصول إلى الجامعة، فيما تغيب نحو 600 من العاملين فيها من الأكاديميين والموظفين الإداريين. وأفادت مصادر جامعة الأزهر عن ارتفاع نسبة تغيب طلبتها، والبالغ عددهم نحو 19000 طالبة وطالب، من 30% يوم السبت الماضي، 40% يوم أمس إلى 55% صباح اليوم. واضطرت جامعة الأقصى بغزة إلى الإعلان عن تعليق الدراسة فيها ابتداءً من اليوم، بسبب تغيب نحو 50% من طلبتها والعاملين فيها إلى يوم الخميس القادم. جدير بالذكر أن نحو 14000 طالبة وطالب يدرسون في الجامعة وبات غالبيتهم غير قادرين على الوصول إلى جامعتهم، حيث أن معظمهم يقطنون في المحافظات الوسطى والجنوبية للقطاع.

وفي مدينة خان يونس سجل تغيب نحو 3000 طالب وطالبة من أصل 6000 طالب وطالبة في جامعة الأقصى، فرع خان يونس، فيما تغيب 10% من موظفيها نظراً لعدم تمكنهم من الوصول للجامعة بسبب توقف المواصلات. فيما تغيب نحو 1000 طالب وطالبة من طلبة الجامعة الإسلامية في فرعها بالمنطقة الجنوبية. وتغيب أكثر من 30% من طلبة جامعة القدس المفتوحة في خان يونس للأسباب ذاتها.

ومن ناحية أخرى شهدت مدارس القطاع، بما فيها المدارس الحكومية ومدارس الأونروا والمدارس الخاصة، تغيب الآلاف من طلبتها وهيئاتها التعليمية بسبب شلل قطاع النقل والمواصلات. فعلى سبيل المثال بلغت نسبة الغياب في مدارس قطاع غزة معدلات تراوحت 10- 30% من إجمالي عدد طلبتها البالغ نحو 448000 طالبة وطالب يدرسون في كافة المراحل الدراسية. وقد سجل تغيب نحو 10500 طالب وطالبة، أي بنسبة 30%، من طلبة مدارس الأنروا في المنطقة الشرقية بمحافظة خان يونس، فيما عطلت إحدى المدارس الحكومية في مدينة القرارة كلياً بسبب تغيب عدد من المدرسات والطلبة، وعدم مقدرتهم على الوصول إلى المدرسة. وأعلنت مدرسة “دار الأرقم” الخاصة في مدينة غزة صباح اليوم عن تعطيل الدراسة فيها لثلاثة أيام، بسبب نفاذ الوقود اللازم لتشغيل مركباتها التي تقل الطلبة من مكان سكناهم إلى المدرسة.

وأعلنت وزارة الصحة بأن معظم سيارات الإسعاف قد توقفت عن أداء عملها في نقل المرضى، بسبب نفاذ الوقود، فيما بدأت الوزارة باستخدام الاحتياطي المحدود لتشغيل المراكز الصحية، و الأجهزة الضرورية في المستشفيات. وحذرت الوزارة من أن نفاذ الاحتياطي الوقود المحدود لديها، سيشل كافة مؤسسات القطاع الصحي، و سيارات الإسعاف التي تعمل بشكل مؤقت، ما يعني عدم قدرة الوزارة على ضمان تقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية للمواطنين. وتعاني مستشفيات وعيادات قطاع غزة، من عدم قدرة عدد كبير من العاملين من الوصول إلى أماكن عملهم، ما يهدد سير العمل في تلك المؤسسات الصحية، في وقت يتعرض فيه القطاع إلى عمليات قصف وتوغلات متتالية.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وفي ضوء هذه المعطيات، فانه يؤكد على أن الحصار هو شكل من أشكال العقوبات الجماعية وأعمال الانتقام التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، ويشكل ذلك انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والخاصة بحماية المدنيين في أقات الحرب، ولقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، سيما العهدين الأول الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والثاني بالحقوق المدنية والسياسة.

يكرر المركز المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مناشدته للمجتمع الدولي، وخاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، بالخروج عن صمته، والضغط الفاعل على سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي من أجل رفع المعاناة الإنسانية عن آلاف الفلسطينيين من أبناء القطاع، وذلك من أجل رفع الحصار نحو 1,5 مليون فلسطيني من سكان قطاع غزة، والسماح الفوري والحر لوصول إمدادات القطاع واحتياجاته الضرورية من الوقود و المحروقات، وكافة الاحتياجات الأساسية كالأغذية والأدوية. كما يذكر المركز المجتمع الدولي بالتزامه باحترام قواعد القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وكفالة احترامهما.