15/5/2008

يصادف اليوم الخامس عشر من أيار/ مايو، الذكرى الستون لنكبة فلسطين، ذكرى اقتلاع وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه في عملية تطهير عرقي منظمة ومدبرة قامت بها العصابات الصهيونية المسلحة. تؤكد المعطيات والشواهد التاريخية أن عملية التهجير القسري للفلسطينيين عن وطنهم كانت مدبرة منذ وقت طويل، توجت بإعلان دولة “إسرائيل” في العام 1948 على أنقاض الشعب الفلسطيني، بعد عمليات القتل والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين، وتشريد ما يقارب من 700 ألف لاجئ من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، والدول العربية المجاورة، فضلاً عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقاءهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة إسرائيل.

ومنذ نشأتها، مروراً بالعام 1967، العام الذي احتلت فيه ما تبقى من الأراضي الفلسطينية-الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة-، سعت دولة إسرائيل للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات اليهودية وطمس المعالم والآثار التاريخية الفلسطينية، من أجل تكريس الوقائع على الأرض، وتهجير المزيد من الفلسطينيين إلى الخارج، وتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، استكمالاً لسياسة التطهير العرقي التي تنفذها. وتحول الفلسطينيون الذين واصلوا العيش في دولة إسرائيل إلى أقلية قومية داخل وطنهم يخضعون للتمييز العنصري والطمس المستمر لمعالم هويتهم الوطنية. وباتت دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن تسيطر على ما نسبته حوالي (40%) من أراضي الضفة الغربية، بواقع حوالي 400 ألف مستوطن يهودي يعيشون في تلك المستوطنات، يحظون بأفضلية ويعيشون في نظام منفصل، يتبع كلياً لدولة الاحتلال الحربي، ويستولون على مصادر المياه والأراضي المنتقاة، ويتنقلون على طرق التفافية خاصة، يحظر على الفلسطينيين السير عليها. وقد تكرس هذا الواقع أكثر في غضون الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، منذ توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبدلاً من تهيئة المناخ الملائم لعملية السلام بين الطرفين، استغلت إسرائيل فترة الهدوء النسبي التي حظيت به، لتكرس وقائع جديدة على الأرض من خلال تسمين المستوطنات القائمة وإضافة مستوطنات جديدة، لتكون حجر عثرة أمام أي تقدم في عملية السلام. وفي العام 2002، تفتق ذهن دولة الاحتلال عن خطة جديدة لتكريس هذا الواقع، حيث باشرت ببناء جدار الضم العنصري في عمق الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، ترتب عليه مصادرة المزيد من الأرض، لتصبح مسيطرة على حوالي (58%) من أراضي الضفة، وتحويل قرى ومدن ومخيمات الضفة الغربية إلى تجمعات، أشبه ما تكون إلى كانتونات منعزلة عن بعضها البعض، وتدمير أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على الأراضي المحتلة عام 1967.

وفي قطاع غزة، وبالرغم من إعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلي فيه منذ العام 2005، إلا أن تلك القوات تتحكم بمصير الشعب الفلسطيني، وبأدق تفاصيل الحياة فيه. لقد حاولت تلك القوات إيهام العالم بأن قطاع غزة أصبح محرراً، منذ العام 2005، غير أن الوقائع على الأرض تؤكد أن إسرائيل لا تزال تحتل قطاع غزة من ناحية عملية وقانونية. فإسرائيل تتحكم في المعابر الحدودية البرية والبحرية بشكل سافر، فيما تواصل عمليات الاغتيال المنظمة بحق الفلسطينيين في القطاع، وتواصل عمليات الاجتياح والتوغل إلى قلب المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بين الفينة والأخرى، مخلفة وراء مساحات واسعة من الأراضي والمنازل والمصانع المدمرة.

تحل علينا ذكرى النكبة الفلسطينية الكبرى فيما أوضاع حقوق الإنسان والحالة الوطنية الفلسطينية العامة في أسوأ حالاتها. فمن ناحية، تتصاعد سياسة حكومة الاحتلال الحربي الإسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث واصلت تلك الحكومة وسلطات احتلالها الحربي أعمال الاستيطان في مدينة القدس الشرقية وضواحيها بهدف إكمال خطط تهويدها نهائياً، وعزلها عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية، واستكمال بناء مقاطع جديدة من جدار الضم حولها، ومواصلة البناء في المستوطنات القائمة في قلبها والمحيطة بها. وتصاعدت جرائم القتل والاغتيالات بحق الفلسطينيين، حيث قتل منذ بداية العام في الأراضي المحتلة حوالي 350 شخصاً، بينهم 326 في قطاع غزة، منهم 56 طفلاً. وواصلت قوات الاحتلال فرض المزيد من إجراءات الحصار والقيود على حركة البضائع والأفراد على سكان قطاع غزة، حيث تعرض لمزيد من الحصار المشدد أصلاً بعد أحداث يونيو وسيطرة حركة حماس على الحكم، حيث تم إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر، الرئة الوحيدة للقطاع مع العالم الخارجي (شبه المغلق أصلاً منذ يونيو 2006) وسدت المعابر الأخرى مع إسرائيل بالكامل أمام حركة الأفراد والمعاملات التجارية، باستثناء المرور المحدود لبضع عشرات من الأفراد (مرضى، رجال أعمال، موظفو منظمات دولية)، وباستثناء أصناف محددة من الإمدادات الغذائية. وفي تطور لاحق خلال العام 2008 فرضت قوات الاحتلال المزيد من الإجراءات العقابية بحق سكان قطاع غزة، بعد إعلانه من قبل إسرائيل “كياناً معادياً” في أواخر العام الماضي، قلصت بموجبه إمداد غزة بالمحروقات والوقود، بما في ذلك الوقود المخصص لمحطة إنتاج الكهرباء. وقد أدت تلك القيود إلى المزيد من المعاناة للسكان المدنيين، جراء انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وجراء عدم توفر المحروقات والغاز المخصص للاستخدامات المنزلية، وهدد بكوارث إنسانية حيث مس بعمل المشافي ومضخات المياه وأنظمة الصرف الصحي وغير ذلك من المصالح الحيوية.

ومن ناحية أخرى، تمر هذه الذكرى والحالة الوطنية الفلسطينية في أسوأ أحوالها، حيث شهد العامان الأخيران أوضاعاً داخلية خطيرة وانتهاك واسع لحقوق الإنسان، تمثل في حالة الفلتان الأمني العامة التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، وتوجت بالاقتتال الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وانتهى بسيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في غزة في يونيو 2007. وقد أدى ذلك إلى انقسام واضح في النظام السياسي الفلسطيني وفي هرم السلطة التنفيذية، ما بين مؤسسة الرئاسة في الضفة الغربية، ومؤسسة رئاسة الوزراء في غزة. وقد أصبح للفلسطينيين على الأرض، في ظل هذا الواقع، حكومتان، واحدة في الضفة الغربية، وأخرى في غزة. وقد تعمق هذا الانقسام بانسحابه على السلطتين القضائية والتشريعية، وانهارت المؤسسات الوطنية بفعل هذا الانقسام. وكنتيجة لذلك، حاول كل طرف تكريس سيطرته على الأرض، مما انعكس على حالة الحريات العامة وحقوق المواطنين، خاصة أنصار ومؤسسات الجانب الآخر. وتعرض نشطاء وأنصار ومؤسسات فتح في قطاع غزة لاعتداءات متكررة من قبل أجهزة الأمن التابعة للحكومة في غزة، فيما تعرض نشطاء وأنصار حركة حماس ومؤسساتها في الضفة الغربية لاعتداءات مماثلة على أيدي الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة في رام الله.

إن بقاء الوضع الفلسطيني الداخلي على ما هو عليه من انقسام يعصف بالقضية الوطنية الفلسطينية، ويدخل الفلسطينيين في متاهات لا حدود لها. إنه لمن المخجل بعد ستين عاماً من نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده في المنافي والشتات أن تؤول القضية الفلسطينية إلى هكذا حال. فقد كان الأجدر بالفلسطينيين، بعدما حل بهم من مصائب ونكبات أن يظهروا قدراً أكبر من المسؤولية الوطنية وأن يوحدوا صفوفهم من أجل استرجاع حقوقهم الوطنية المسلوبة، وعلى رأسها حق تقرير المصير وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وتعويضهم.

وأمام هذه المعطيات، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:

  1. يدعو قادة الحركات والقوى السياسية الفلسطينية، وعلى رأسها حركتي فتح وحماس، إلى الحوار الجدي والبناء من أجل وضع حد للخلافات الفلسطينية الداخلية، وتوحيد الصفوف من أجل تحقيق الأهداف الوطنية في تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
  2. يؤكد أن آخر ما يتوقع من قيادة فلسطينية منقسمة على النحو القائم منذ قرابة العام هو تحقيق أهداف الفلسطينيين بانهاء الاحتلال، وأن المستفيد الوحيد من هذا الانقسام هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يمضي في مشروعه الاستيطاني ويكرس وقائع جديدة كل يوم على الأرض.
  3. يجدد تأكيده على الحق الفردي والجماعي للاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي طردوا وهجروا منها عام 1948 وبعده، وان هذا الحق المكفول بموجب قواعد القانون الدولي غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم.
  4. يدعو المجتمع الدولي، والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة للوفاء بالتزاماتهم القانونية والأخلاقية، وتطبيق قواعد القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ووضع حد لمحنة الشعب الفلسطيني، بما في ذلك ضمان حق عودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرار الأمم المتحدة ، 194 وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية الذي هو جوهر الصراع الحقيقي في المنطقة برمتها.