3/5/2006
تحتفل المنظمات الحقوقية والصحافية في الثالث من شهر أيار من كل عام,بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة , مع ايلاء اهتمام اكبر بالصحافة المستقلة والإعلام المستقل ,رغم الظروف الصعبة جدا التي تتعرض لها الصحافة والعاملون بها على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي.
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة تعرب لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا عن قلقها إزاء أوضاع حرية الصحافة في سورية خلال العام الماضي 2005 حيث استمر تطبيق القوانين السالبة للحرية في قضايا الرأي والنشر عن طريق الصحافة ، وترى اللجان إن حالة الطوارئ والقوانين المتعلقة بالصحافة في سورية إحدى العوائق الرئيسة أمام حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير بشكل عام وهو الأمر الذى انعكس علي الأداء الصحفى وحد من فاعليته وخلق نوعاً من الرقابة الذاتية المتكيفة مع رقابة السلطة لدى الصحفيين خوفا من عقوبة السجن.
بعد 8 آذار 1963 صدر الأمر العسكري رقم / 4 / عن مجلس قيادة الثورة، بإغلاق جميع الصحف السورية، ومصادرة آلات الطباعة، وإغلاق دور النشر، وتوقف العمل بالقانون رقم/53/ لعام 1949 المنظم لإصدار المطبوعات، وتراجعت الحياة الصحفية منذ ذلك الحين، وكثرت المؤسسات التابعة لحزب البعث والسلطة التنفيذية، واتبعت سياسة الإعلام الوحيد الموجه, واستمر الحال حتى عام 2001 حيث صدر “قانون السلطة للصحافة”أو”قانون المطبوعات” رقم 50 لعام 2001,والذي حمل عقوبات اشد من عقوبات القانون الصادر في عام 1949, وأعطى صلاحيات واسعة لرئيس مجلس الوزراء ووزير الإعلام في رفض وقبول التراخيص للصحف الجديدة , ودون تبيان الأسباب, ووصلت بعض العقوبات بالسجن إلى “3” سنوات , وتم رفع الغرامات إلى, مليون ل.س , وإن المادة” 52-ا”والتي تفسح المجال أمام مقاضاة الصحفيين والكتاب والمفكرين وسجنهم , إذا ما قاموا بنشر أو كتابة شيئا تعتبره الدولة أو أجهزتها محرضا ومضرا بأمن الدولة .
وان المادة “51أ” والتي تجرم بنقل الأخبار الكاذبة أو الملفقة أو المزورة , والتي تعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات , وبالغرامة من خمسمائة ألف ليرة ,بحيث أن العقوبة تطبق بأقصاها فيما إذا كان النشر أو النقل تم عن سوء نية أو تسبب في إثارة الإقلاق بالصلات الدولية, ونال من هيبة الدولة , وان من يحدد سوء النية , يعود فقط إلى جهة الادعاء أي الحكومة .
علاوة على ذلك,القيود الصارمة التي فرضها “قانون السلطة للصحافة”أو”قانون المطبوعات” , في الغرامات المالية المرتفعة والعقوبات والسجن لتداول مطبوعات غير مرخص بها أو مسموح بها رقابيا. عمليا يوجد في سورية صحافة رسمية تمثل رأي الاتجاه الواحد للحكومة والدولة والحزب, إضافة إلى أن وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة مملوكة للدولة، ولا يسمح فيها بنشر رأي غير الرأي الرسمي الداعم لسياسة الحكومة السورية وحزب البعث الحاكم، فالصحف التي تصدر في سورية كلها رسمية أو شبه رسمية، وتمثل السلطة أو أحزاب الجبهة التقدمية المتحالفة معها.
مازالت تتم في سورية اعتقالات ومحاكمة المواطنين على أرائهم الشفهية أو المكتوبة ,فواقع الحريات مترابط ومتكامل مع بعضه البعض, ومن هنا فالانتهاكات في الكثير من مجالات حياة المواطن السوري, هي أيضا متواصلة ومتكاملة, لأنها ناتجة عن واقع واحد هو واقع تغييب الحريات وعدم احترام حقوق الإنسان.ففي مجال الصحافة والإعلام , شهد العام الماضي تراجعاً خطيراً لحرية الرأي والتعبير.وكذلك في مجال الصحافة والصحفيين,فتعرض للاعتقال والاستدعاءات والضغوطات العديد من الصحفيين والكتاب والناشرين , مثل الذي تعرض له الصحافي شعبان عبود إبراهيم حميدي ولؤي حسين وعلي العبد الله , وما يزال العمل الصحفي في سورية بحاجة للحصول على إذن مسبق من وزارة الإعلام والجهات الأمنية في سورية، وما تزال تلك الجهات تمنع الصحفيين من مزاولة عملهم، أو تنزع منهم الترخيص بسبب تغطيتهم غير المتحيزة للسياسات الرسمية السورية.
إضافة إلى توجيه التهم للعديد منهم بالتعاون مع الخارج والمعاداة للوطن. والنتيجة الواضحة، أن صحافتنا مقيدة، وصحافيينا عجزة بفعل فاعل، فالخطوط الحمر والصفر والسود كثيرة وهي في حالة ازدياد،مما يشكل ممانعة حقيقية لكل عملية إبداع حرة.
وتخضع كافة الصحف والمجلات والنشرات في سورية لقانون المطبوعات المقيد للحريات الإعلامية,والذي يخول رئيس الوزراء إلغاء ترخيص أي مطبوعة بناء على اقتراح وزير الإعلام ودون إبداء الأسباب (المادة 22). ورغم إن المادّة /38/ من الدستور السوري نصّت على انّه لكلّ مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحريّة وعلنيّة بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى… وتكفل الدولة حريّة الصحافة والطباعة والنشر وفقا” للقانون.. فأن قانون المطبوعات قانون جائر ومتخلف ، من خلال العقوبات الواردة فيه ,والتي تفوق بتشددها العقوبات المنصوص عنها في القانون العام للعقوبات,وعلى أرضيته,و بتاريخ 18- 6-2005 تبلغت إدارة تحرير صحيفة المبكي السورية القرار الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء رقم / 2854/ بتاريخ 26-5-2005 القاضي بإلغاء ترخيص المبكي، استناداً إلى المواد ” 44 و 49 و 51 ” من قانون المطبوعات,و بحجة نشرها مواد سياسية و أن ترخيص المجلة هو ثقافي ,وان الإغلاق كان بسبب تناول المجلة تورط بعض المسؤولين السوريين بقضايا فساد مثبتة وموثقة من قبل المجلة ، وإذا كانت السلطات قد أغلقت المبكي بمسوغ أن ترخيصها ثقافي، فإننا نؤكد أن المبكي لم تتجاوز صلاحياتها ، لأن الفساد أصبح ثقافة حاولت السلطة تعميمها لتطال كافة النواحي والمجالات ، وهذا يخالف جميع توصيات مؤتمر حزب البعث الحاكم الأخير بمحاربة الفساد ،
كما أننا نعتبر قرار رئيس مجلس الوزراء بإلغاء المبكي بدلاً من توجيه الشكر لمحرري المجلة ، قراراً يدافع عن الفساد ، ويحميه. ورغم أن المواد التي تم بموجبها إلغاء ترخيص مجلة المبكي لا تنص إلا على غرامة مالية دون أي إشارة لإلغاء الترخيص مما يجعل قرار رئيس مجلس الوزراء غير دستوري ومخالف للقانون، وهذا ما دعا إدارة المبكي إلى رفع دعوى على السيد رئيس الوزراء أمام مجلس الدولة. فإلغاء ترخيص صحيفة المبكي ,يأتي بعد إلغاء ترخيص صحيفة الدومري سابقاً إضافة لمنع صدور أكثر من عدد من مجلة المال السورية وعدم السماح بدخول عدة أعداد من صحيفة المحرر العربي.. كما لازالت المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات الحكومية , تحتكر توزيع جميع المطبوعات منذ انشائها في عام 1975 بموجب المرسوم التشريعي رقم “14” الذي حصر توزيع المطبوعات بهذه المؤسسة , بحيث ارتبط التوزيع بمزاجية وقرارات مديرها سواء كانت مناسبة أو لا ولذلك هناك العديد من الصحف العربية لا يسمح دخولها لسورية.
أما اتحاد الصحفيين وهو مؤسسة رقابية صارمة يصدر العقوبات بحق الصحفيين عبر أوامر إدارية . حيث صدر قانون اتحاد الصحافيين برقم 1 لعام 1990 وقد نصّ في المادة 3 منه أن اتحاد الصحفيين هو اتحاد مؤمن بأهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية وملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته .
كما نص في المادة 54 أن الاتحاد يعاقب كل عضو يخرج عن أهداف الاتحاد , فإذا ما عرفنا أنه لا يمكن العمل بالصحافة دون أن يكون منتسبا للاتحاد فإن هذا وحده كاف لضبط العمل الصحافي والصحافيين والسيطرة والهيمنة عليهم وتقوم “الجمعية السورية للمعلوماتية” و”المؤسسة العامة للاتصالات” في سورية بالتحكم بشبكة الإنترنت في سورية، وتضم قائمتها السوداء عشرات الآلاف من المواقع الإلكترونية الإخبارية والإنسانية وسواها، وخصوصاً تلك التي تكون سورية في دائرة اهتمامها,وقد تم حجب بعض المواقع الالكترونية على شبكة النت مثل موقع أخبار الشرق وموقع إيلاف وموقع الرأي, إضافة إلى العديد من المواقع الكردية السورية ،بما يتناقض والدعوة إلى محاربة الفساد والدعوة إلى الانفتاح الإعلامي ، ويعزز سيطرة الحكومة السورية على وسائل الإعلام.
إن سياسة الحجب أو الاعتقال تتم فقط لأسباب سياسية , لان بعض المواطنين يمارسون حقهم في الإدلاء بآرائهم بالقضايا العامة عبر شبكة الإنترنيت نظرا لعدم تمكنهم من التعبير عنها بشكل مباشر, ويعتقل العديد من المواطنين شهريا على خلفية ما يسمى ثرثرة الانترنيت , والذين لا ينتمون إلى تيارات سياسية وعادة لا يحال هؤلاء إلى محاكمات , أو إلى محاكم استثنائية , ويعتقلون لفترة تتراوح بين ” 3″ أشهر إلى” 3″ سنوات , يقضونها في مراكز التوقيف المختلفة مع تعرضهم الدائم للتعذيب الشديد.
وفي خطوة ايجابية,أعلن في دمشق أيار 2005 عن إنشاء مركز للدفاع عن حرية الصحافة والصحافيين في سوريا تحت اسم “حريات”المركز الجديد تم تأسيسه من قبل مجموعة من الصحفيين و النشطاء الحقوقيين وعقدت الهيئة التأسيسية لهذا المركز اجتماعا أسفر عن انتخاب مجلس إدارة مؤقت برئاسة الكاتب والمحلل السياسي المعارض ميشيل كيلو واختير فنان الكاريكاتير علي فرزات رئيسا فخريا.
وأول ما دعا إليه المركز هو التحرك من أجل تعديل قانون المطبوعات السوري الذي يشكل عقبة كبيرة أمام حرية الصحافة والصحافيين في سوريا.
تعاني الغالبية العظمى من البلاد العربية، من النظم الفردية، التي لا تزال تتحكم بقوة في الصحافة وكل وسائل الإعلام الأخرى، وتعرقل استقلاليتها وتفرض قيودا مشددة على حريتها، وتتعرض بالعقوبات المشددة للصحافيين. وعلى الصعيد العالمي فإن الصحافة لا زالت تتعرض للعديد من المضايقات ومن بين ذلك منع الصحفيين والمراسلين والفضائيات التلفزيونية من تغطية الأحداث، سعيا من الجهات المانعة لحجب الحقائق وعرض الشهادات الميدانية الحية حول الانتهاكات التي يتعرض لها البشر ولا سيما في الدول الرازحة تحت وطأة الإحتلال مثل العراق وفلسطين، كما أن حياة الصحفيين لا تزال معرضة للمخاطر بسبب تصرفات سلطات بعض الدول والمجموعات الإرهابية التي تخشى من كشف الحقائق.
إن لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية , وهي تحتفل بيوم الصحافة العالمي تحييّ الصحافيين وتعرب عن قلقها الشديد لما يتعرضون له من مضايقات وإجراءات من شأنها الحد من تأديتهم لدورهم في نقل الحقائق وعرض مختلف الآراء، وتدعو إلى إزالة العقبات والحواجز بمختلف أصنافها من أجل خلق وضع صحفي قادر على إشاعة روح الشفافية والحرية بعيدا عن التلويح بالعقوبات التي لم تعد متوافقة مع روح العصر. كما تدين ل.د.ح كل ما تتعرض له حقوق الصحافيين من انتهاكات ولا سيما تلك الانتهاكات التي تمس سلامة وحرية الصحافيين.
كما تدعو إلى تفهم الدور الذي تلعبه الصحافة والتضامن مع العاملين فيها.وإذ تدين ل.د.ح إغلاق صحيفة المبكي ، فإنها تدعو السيد رئيس الوزراء إلى التراجع عن قراره و تدعو القضاء إلى إبطال قرار الإلغاء ، كما تطالب المنظمة الحكومة السورية بإصدار قانون للصحافة أكثر عصرية بما يتماشى مع حرية العمل الصحفي واستقلاله,بحيث يتيح ترخيص الصحف المستقلّة والمعارضة ، وبتعديل قانون المطبوعات بما يتناسب مع التطورات التي تتماشى مع التمكين من حرية الصحافة والصحفيين واحترام هذه الحقوق.
والعمل الجدي من اجل ضرورة النهوض بالأداء الإعلامي والتركيز على حاجات المواطنين وقضاياهم الأساسية وإعطائها المساهمة الأكبر في عملية الإصلاح والتنمية, والغاءا لرقابة الأمنية الصارمة,وإلغاء الممانعة لأي شكل من أشكال المشاركة الإعلامية , مما يخلق صعوبات عديدة أمام قدرة الأجهزة الإعلامية على التكيف والتعامل المنفتح مع المتغيرات والتطورات العلمية والإعلامية الهائلة, في عصر تسود فيه المساحات الواسعة المفتوحة لحرية حركة وتداول الأفكار والآراء.وإن واقع التشريعات الإعلامية في سورية يعطي انعكاسا واضحا للبنية غير الديمقراطية ,والمركزية التامة للدولة على الإعلام,وبالتالي النظرة المعادية لقيم حقوق الإنسان وعدم الاعتراف بالأهلية الكاملة للأفراد وبقدرتهم على المشاركة، والإيمان بحق الأفراد في الاتصال,أي بحق الأفراد في الانتفاع من الإعلام والمشاركة فيه وتدفق المعلومات في داخل الوطن ,والتدفق فيما بين المجتمعات.ولذلك أصبح من الأهمية بمكان,أن تقلع الحكومة السورية عن سياسة التوجيه والإرشاد والتلقين والتعتيم وأسلوب الدعاية السياسي.
وفي ظل التغييرات المذهلة في تكنولوجية الاتصال وظهور الطرق المختلفة للمعلومات والاتصال ,وفي مناخ كوني عام يسمح بتداول المعلومات,يمسي استمرار القيود على وسائط الإعلام ,بمثابة مؤشر خطير ودائم,على العديد من الانتهاكات على حقوق الإنسان ,مما يتطلب: إلغاء القيود المفروضة على حرية إصدار المطبوعات والصحف التي تصدر بشكل دوري. وإلغاء قيد الترخيص المسبق من الحكومة كشرط أساسي لإصدار المطبوعة,وهذا يتوقف على مشيئة الجهة الإدارية وإرادتها.وإلغاء قيد التأمين المالي كشرط مسبق لإصدار الترخيص. وإلغاء القيد الذي يتعلق بالموافقة على شكل المطبوعة والمواد التي تختص بها. وإلغاء القيود المفروضة على حرية تداول المطبوعات ,فان أي عملية بيع وتداول للمطبوعات في الطريق العام أو في محل عمومي مؤقت أو دائم تخضع لترخيص مسبق من الحكومة.
وإلغاء القيود المفروضة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية (السينما والمسرح والأغاني والفيديو)وهذه تبتدئ بالموافقة على الكلمات والألحان والنصوص والأشخاص ,ومن ثم الرقابة المسبقة واللاحقة,وقبل بداية العمل الترخيص المسبق.وإلغاء عملية الاحتكار الكامل للإذاعة والتلفزيون ,بحيث يتم السماح بالمشاركة للصحفيين المستقلين وللمنظمات غير الحكومية في وضع السياسات العامة واعتماد الخطط الرئيسية المتعلقة بتنفيذها,في ظل سيادة مناخ حرية تدفق وتداول المعلومات وتلقيها , والتي تمثل جوهر الحق في الاتصال,ومما يتطلب إلغاء الرقابة على مضمون الرسالة الإعلامية , كأحد ابرز انتهاكات هذا الحق لأنها تمثل إخلالا بحق المواطن \القارئ بالمعرفة والوصول إلى الحقائق والمشاركة بفاعلية في إدارة شئون البلاد وتمثل هذه الحرية ركيزة أساسية لنشر وتعليم ثقافة حقوق الإنسان.