5 يوليو 2004

“إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية:
….إذ تشير إلى أن الأمم المتحدة قد أعلنت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين،واقتناعا منها بأن الأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع،وإذ تقر بأن الطفل، كي تترعرع شخصيته ترعرعا كاملا ومتناسقا، ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم،وإذ ترى أنه ينبغي إعداد الطفل إعدادا كاملا ليحيا حياة فردية في المجتمع وتربيته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصا بروح السلم والكرامة والتسامح والحرية والمساواة والإخاء،وإذ تضع في اعتبارها أن الحاجة إلى توفير رعاية خاصة ……..وإذ تضع في اعتبارها “أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها” وذلك كما جاء في إعلان حقوق الطفل،……وإذ تسلم بأن ثمة، في جميع بلدان العالم، أطفالا يعيشون في ظروف صعبة للغاية، وبأن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى مراعاة خاصة،
فقد اتفقت على ما يلي:” من ديباجة اتفاقية حقوق الطفل التي بدأ نفاذها في أيلول 1990

********

تشكل شريحة الأطفال ما دون15 سنة في سورية حوالي 40،2% من المجتمع السوري (حوالي 7،584 مليون نسمة)- وفقا للمجموعة الإحصائية لعام 2002 الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء – ، وهي تعد طاقة كامنة وواعدة إذا ما بنيت بناءا صحيحا يهدف إلى تنمية الجوانب الفكرية والثقافية والأخلاقية لديها.

ولا شك أن الظروف المختلفة المحيطة بالطفل تؤثر بشكل مباشر على شخصيته وتفكيره وما سيصبح عليه في المستقبل، ولسنا بصدد تفصيل الظروف التي يعاني منها المواطن السوري صغيره وكبيره على مختلف الأصعدة ، بل نود من خلال هذا التقرير الموجز تسليط الضوء على مدى تأثير هذه الظروف على نمو شخصية الطفل وعلى قدراته وإمكانياته آملين أن يحظى هذا الموضوع بمزيد من الدراسة المتخصصة في المستقبل.

وقد قمنا في سبيل ذلك بتوزيع استبيان على عينة عشوائية، يحتوى على مجموعة من الأسئلة المتمحورة حول مدى معرفة الطفل لحقوقه وإدراكه لبعض المسائل التي تمس حياته اليومية ، واخترنا شريحة الأطفال ما بين 11-14 عاما الذين يكملون تعليمهم من الفئة متوسطة الدخل ووزعت الاستمارة على 92 طفلا وطفلة مناصفة.

وعي الطفل بحقوقه:
إن معرفة الفرد لحقوقه التي نص عليها القانون هي عامل أساسي لمواجهة أي انتهاك قد يتعرض له، وبدون هذا الوعي يتم السكوت عن الانتهاك بوصفه من المسلمات ويأخذ شيئا فشيئا طابع “العرف” الذي يخرج من دائرة الاحتجاج ومحاولة التغيير على الرغم من مخالفته الواضحة للقانون.
وفيما يخص الطفل ، ومع الأخذ بالاعتبار أن سورية صادقت على اتفاقية حقوق الطفل عام1993، فإنه يبدو جليا أن معرفة الطفل لحقوقه ما تزال تتسم بالسطحية والعمومية ، وهي معرفة “تلقين” إن صح التعبير أكثر منها معرفة فهم وإدراك.

في التقرير الوطني الثاني لمتابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل 2000 ، جاء أن “الوزارات المعنية ..والمنظمات الشعبية.. قامت بتنفيذ عدد كبير من الدورات التدريبية والندوات الوطنية واللقاءات وورش العمل والملتقيات ….الهدف منها نشر بنود اتفاقية حقوق الطفل وخلق وعي واسع النطاق بمبادئها وأحكامها …..” ” كما قامت وزارة التربية بإدخال بنود اتفاقية حقوق الطفل في المناهج الدراسية لكافة المواد الدراسية ابتداء من الصف الثالث الابتدائي…”

بالإضافة إلى جملة من الجهود التي تهدف إلى نشر الثقافة بحقوق الطفل كما جاءت في اتفاقية حقوق الطفل وفقا للتقرير ذاته.

ومع ذلك يبدو غريبا أن لا تتم الإشارة إلى يوم الطفل العالمي في الكتب المدرسية للصفوف الستة الأولى على وجه التحديد وذلك على غرار عيد الأم وعيد الجلاء أو ذكرى الحركة التصحيحية وثورة الثامن من آذار!!، كما لا يتم تنظيم أية أنشطة خاصة حول مبادئ اتفاقية حقوق الطفل أو تحديد حصص خاصة تتعلق بهذا الموضوع، بما يقود إلى ترسيخ الوعي بمضامين هذا اليوم وهذه الاتفاقية .

وقد توجهنا إلى عدد من المدرسات والمدرسين -في الصفوف من الأول وحتى السادس- لسؤالهم حول هذا الموضوع وأجمعوا على أن موضوع حقوق الطفل ليس من المواضيع التي يتم الاهتمام بها في المدارس، وأبدى معظمهم الأسف لعدم التركيز على أمر هو غاية في الأهمية ، بل إنه على العكس من ذلك ، يتم تدريس حقوق الطفل في الصف الثاني والثالث عبر درس واحد في كل صف بطريقة تقليدية تقتصر على السرد بدون أن يرافقه أية أنشطة أو وسائل لتفعيل الموضوع في ذهن المتلقي- الطفل، والبعض أجاب بأنه لا وقت لتعليم مثل هذه الأشياء أو تخصيص وقت معين لها، فالوقت بالكاد يكفي لإتمام المناهج الدراسية!!. أضف إلى ذلك أنه لم يجر تدريب المدرسين والمدرسات على موضوع تعليم وترسيخ مبادئ حقوق الطفل في المدارس ، مع العلم أن هناك كتب مختصصة في هذا الموضوع.

وفي الاستبيان الذي أجريناه أجاب 45 من الأطفال فقط التاريخ الصحيح ليوم الطفل العالمي- ومعظمهم عرف التاريخ من خلال البرنامج التلفزيوني الخاص بحقوق الطفل والذي كان يقدمه الفنان دريد لحام- ، و77 ذكروا عددا من الحقوق الأساسية للطفل . وقد أجمع هؤلاء الأطفال على حقين أساسيين هما التعلم واللعب، وأضاف بعضهم الحب والحنان والغذاء والكساء، وقلة اختارت الحق في الحياة والحق في الحرية، وإجابتين فقط نصتا على أن من حقوق الطفل عدم التعرض للضرب.

بمعنى أن تعميم ونشر ثقافة حقوق الطفل كما حصلت في المدارس لم يأت بجديد على صعيد هذه الثقافة ، فالحقوق التي ذكرها الأطفال هي من البديهيات إن صح التعبير، ولم يتبين من الإجابات وعيا معمقا نوعيا لهذه الحقوق، فمثلا باستثناء إجابتين لم يذكر الأطفال الحق في عدم التعرض للضرب والحق في عدم التمييز و كذلك لم يذكر أي منهم الحق في عدم التعرض للتعذيب أو الاعتقال التعسفي أو الحياة في بيئة نظيفة أو حق التجمع وتشكيل الجمعيات…….الخ، وبعض الإجابات القليلة التي أتت على ذكر الحق في الجنسية أرفقت بعبارات تدل على عدم الفهم من مثل :حقي في الجنسية عندما أكبر”!!!

ومن البديهي أن تربية الطفل على مناهضة أمور كالتعذيب وتلوث البيئة و احترام الحريات السياسية، من شأنه أن يشكل رادعا معنويا في المستقبل لدى هؤلاء الأطفال ضد انتهاك حقوق الآخرين.

بعد ترك فرصة للأطفال لكتابة الحقوق التي يعتبرونها أساسية للطفل، وضعنا لهم ستة خيارات طلبنا اختيار ثلاثة منها على اعتبارها أجوبة صحيحة والثلاثة الباقية أجوبة خاطئة وكانت النتيجة أن 92 صوتا اختار حق التعلم و 87 اختار الحق في حرية الرأي والتعبير و64 اختار حق اختيار أحد الأبوين في حال حصول طلاق بينهما وكانت المفاجأة بأن 44 طفلا وطفلة اختاروا الحق بالتصويت للأطفال!!فعلى الرغم من أن عددا من الأطفال اختاروا الأجوبة الثلاثة الصحيحة فإنهم أصروا على اختيار حق التصويت أيضا كخيار رابع غير مطلوب، وقد توزعوا على مختلف الأعمار من الحادية عشرة وحتى الرابعة عشرة.

ويمكن أن نعتبر أن لهذا الخيار وجهين سلبي وإيجابي، فأما السلبي فهو يدل على تدني المستوى معرفة الأطفال بحقوقهم الأساسية وفقا لما جاء في اتفاقية حقوق الطفل، وأما الجانب الإيجابي فيتمثل في اعتبار الأطفال المشاركة في الحياة العامة متمثلة هنا بالتصويت في الانتخابات حق أساسي يجب أن يشارك فيه الجميع.

وإذا عدنا إلى الكتب المدرسية للمرحلة الابتدائية لوجدنا التالي:
كتب الصف الأول تخلو تماما من أية إشارة إلى حقوق الطفل.
كتاب القراءة للصف الأول الجزء الثاني (2003-2004) ، توجد ثلاثة دروس عن عيد المعلم وعيد الام وعيد الجلاء ولا شيء عن عيد الطفل العالمي أو حقوقه .
في كتاب المحادثة والقراءة والتعبير والنشيد للصف الثاني الجزء الثاني(2000-2001) : درس واحد يتحدث عن حقوق الطفل ويشتمل هذا الدرس على الحقوق التالية: الرعاية الصحية، رعاية الأبوين ، حرية الرأي والتعبير، التعليم ، اللعب والعلاقات الأسرية السليمة. لكن تم التطرق إلى هذه الحقوق بدون إرجاعها إلى مرجعها القانوني ولو بشكل مبسط ،فضلا عن عدم ذكر عيد الطفل العالمي على الرغم من وجود ثلاثة دروس حول عيد الأم وعيد المعلم وعيد المرور. في كتاب القراءة الصف الثالث الابتدائي الجزء الأول (2001-2002) لا شيء عن حقوق الطفل. في الجزء الثاني (2000-2001) درس تعبير عن حقوق الطفل في الأسرة، ويشتمل على الحقوق التالية: حق الغذاء، الرعاية والحنان من الأبوين، التعلم ،الرعاية الصحية، الكساء، اللعب وهي، كما هو واضح ، مرتبطة بالنظرة التقليدية عن واجب الآباء إزاء أولادهم.أيضا بدون ربطها بأية مرجعية قانونية . في كتاب القراءة الجزء الأول للصف الرابع (2002-2003) : درس تعبير عنوانه “من حقي أن ألعب وأتعلم”، لكن لا توجد في الدرس أية إشارة إلى أن هذا الحق منصوص عليه في اتفاقية دولية بمعنى أنه حق محمي بموجب القانون،وهو الدرس الوحيد الذي يحتوي على مفردة “حق” في هذا الجزء من الكتاب، بينما لم يحتو الجزء الثاني (2002-2003) على أي درس يتحدث عن أي من حقوق الطفل بشكل مباشر.

في كتاب القراءة والأناشيد والمحفوظات للصف الخامس الجزء الأول (2003-2004) هناك درس تعبير يتحدث عن العلاقات الأسرية السليمة أيضا بدون ذكر مباشر لعلاقة ذلك باتفاقية حقوق الطفل.

في كتاب التربية القومية الاشتراكية للصف الخامس( 2003-2004 ) تم تخصيص الفصل الثالث من الكتاب للحديث حول حقوق المواطن وواجباته وقد تضمن هذا الفصل عدة دروس تناولت : حقوق الطفل- حقوق المواطن في الحياة والحرية والتعليم .

والمثير للتساؤل هنا أنه في سبيل التأكيد على هذه الحقوق تم الاستشهاد بمقولات للرئيس الراحل حافظ الأسد بدلا من إرجاعها إلى مصدرها الدولي (اتفاقية حقوق الطفل التي لم يأت الكتاب على ذكرها على الإطلاق) أو الوطني (القانون أو الدستور الذي لم يأت ذكره إلا لماما)، حيث تم الاستشهاد مرة واحدة بإحدى مواد الدستور وفي الفقرة الخاصة “بمن يكفل حدود الحرية التي يتمتع بها المواطن” ذكر الكتاب بأن الدستور هو من يكفل هذه الحريات. جدير بالذكر أنه في الاستبيان الذي أجريناه ولدى سؤالنا عن مصدر حقوق الطفل أجاب 46 فقط من الأطفال بأن مصدرها القانون فيما توزعت بقية الأجوبة بين الوالدين ورئيس الجمهورية كمصدر لهذه الحقوق..

السياسة التعليمية وأثرها على تنشئة الطفل السوري:
تنص المادة 21 من الدستور السوري الدائم لعام 1973 على أنه ( يهدف نظام التعليم والثقافة إلى إنشاء جيل عربي قومي اشتراكي علمي التفكير مرتبط بتاريخه وأرضه ومعتز بتراثه مشبع بروح النضال من أجل تحقيق أهداف أمته في الوحدة والحرية والاشتراكية والإسهام في خدمة الإنسانية وتقدمها )0
تبدأ السياسة التعليمية للطفل السوري من هذه المادة الدستورية التي تقرر الخط الإيديولوجي المتوجب أن ينشأ عليه التلميذ في المدرسة.حيث جعل الدستور من النظام التعليمي أداة لتشكيل عقول الناشئة بفكر واحد، وهذا يتناقض إلى حد بعيد مع إمكانيات تطوير ملكات الإبداع والاختلاف. وإذا رجعنا إلى المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص في فقرتها الأولى على أنه ” لكل فر د الحق في اتخاذ الآراء دون تدخل” نجد أن التربية على فكر معين تتناقض بشكل كامل مع حرية تكوين الآراء دون تدخل. ويلاحظ ذلك من خلال بعض الدروس أو المواد التي تتضمن ترسيخ مثل هذا الفكر، للمثال فقط نستعرض الكتب المدرسية للصفوف الخمسة الأولى:

كتاب القراءة للصف الأول الجزء الثاني (2003-2004) يحتوي على درسين أحدهما محادثة والآخر قراءة تحت عنوان: “عيد الثورة” ، وفيه يردد التلميذ عبارات كالتالية: “هتف التلاميذ ثلاث مرات : عاشت ثورة البعث، عاش القائد”. بالإضافة إلى درس تعبير عنوانه “إنجازات الثورة”.مع الأخذ بالاعتبار بأن ليس في المقرر أي درس حول حقوق الطفل . في كتاب المحادثة والقراءة والتعبير والنشيد للصف الثاني الجزء الأول (2000-2001) درس عن “الحركة التصحيحية” محادثة وقراءة .

في الجزء الثاني نجد درسا عن “عيد الثورة” وهو درس ينتهي بالعبارات التالية: “قال الجميع: نحن نحب الثورة ونهتف دائما عاشت ثورة البعث عاش قائدنا الحبيب”.
في كتاب القراءة الصف الثالث الابتدائي الجزء الاول (2001-2002) درس تعبير عن “ذكرى الحركة التصحيحية” .
في الجزء الثاني درس تعبير حول “ميلاد البعث”.
في كتاب القراءة الجزء الثاني للصف الرابع(2002-2003) درس عن “ثورة آذار”.

كتاب التربية الاجتماعية للصف الرابع (2000-2001) ، تضمن درسا بعنوان “منجزات الحركة التصحيحية المباركة في المجال السياسي”. !!
في الصف الخامس مادة التربية القومية الاشتراكية (2003-2004) ، نجد أن مضمونه يتحدث عن مواضيع مثل الأسرة والمدرسة والعلاقات الاجتماعية والمواطنة وحقوق الطفل، وباستثناء أربعة دروس اثنان منها حول منظمة الطلائع واثنان حول الشهادة والشهداء، فإن ما تضمنته بقية الدروس يحتوي على مبادئ إنسانية عامة لا يمكن فهم إدراجها تحت عنوان “قومية اشتراكية” إلا بهدف تنميط كافة المبادئ الانسانية والأخلاقية ورهنها لصالح فكر سياسي معين .

من ناحية أخرى تستخدم لفرض هذا النظام التعليمي آليات مختلفة من تدريس مادة التربية القومية إلى الانتساب الإلزامي لمنظمة طلائع البعث ،وهي بحد ذاتها قضية تستحق البحث بشكل مستقل ومعمق ، حيث تعتبر حصة الطلائع بداية لتكوين فكر سياسي للطفل إن صح التعبير، وهي تنتهك حقوق الطفل على عدة مستويات، فأولا لا يجوز تنسيب طفل إلى منظمة أيا كانت بدون موافقة وليه وفقا للقانون المحلي، وبدون موافقته الخاصة وفقا للمعايير الدولية لحقوق الطفل.

حيث تنص المادة 15 من اتفاقية حقوق الطفل على أنه:
1. تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفى حرية الاجتماع السلمي.
ومادامت له الحرية في تكوين الجمعيات والانتساب لها، فمن باب أولى أن تكون له حرية في عدم الانتساب إذا لم يرغب.
وثانيا تنحصر ممارسة الطفل لأنشطته ومواهبه من خلال هذه المنظمة التي تنصب أنشطتها على مفاهيم سياسية من مثل تمجيد الرموز السياسية والمناسبات الوطنية ذات الصلة المباشرة بالنظام الحاكم.

ولقد عكست آراء بعض المدرسين الذين يتولون التدريس في حصة الطلائع والمشاركة في المعسكرات الصيفية أيضا للمنظمة، الظروف التي تحيط بأطفالنا:
سألنا أحدهم، ماذا تفعلون في حصة الطلائع، قال لا شيء ، أحيانا نقوم بتطبيق الدروس عمليا أحيانا نجعل الأطفال يشاركون في اللعب والحركة داخل الصف بما يخدم هدفا محددا ، سألنا وما هو هذا الهدف ” قال ” في الدليل الخاص بمدرسي حصة الطلائع يجب إيصال فكر سياسي محدد إلى الأطفال عن طريق اللعب وهذا ما نفعله”!!!
أضاف هذا المربي الفاضل الذي يعتبر من أجدر المعلمين في مدرسته وأكثرهم قربا لقلوب تلامذته:”الطلائع أصبحت قناعا يخفي وراءه كل تقصير، بدون تقديم أي فائدة على الصعيد العملي، ومع ذلك لا زلت مصرا على أن لا تفقد هذه المنظمة مغزاها، وتلامذتي يحبون حصة الطلائع التي أكون فيها لأنني أملأها بكل ما هو مفيد وممتع، حتى المعسكرات الطلائعية، أصبح بعضها أشبه بالنظام العسكري، إساءة معاملة للطلاب وإهانة وضرب وغير ذلك ، لا توجد كوادر معدة للتعامل مع الطفل ، فالدارسون والدارسات من معهد إعداد المعلمين الذين يتولون الإشراف على التلاميذ في المعسكرات يفتقرون إلى أدنى معايير التربية ، حتى أبسط الأمور كالرواد مثلا، الأطفال باتوا يعرفون أن الرائد لديه “واسطة” منحته اللقب وليس جدارة تفوق بها على غيره،ومسألة الرواد بحد ذاتها أصبحت تشكل عامل إحباط للطفل ”

أما في المرحلة الإعدادية فيكون التدخل في تكوين شخصية الطفل وفكره عبر منظمة الشبيبة ، وهي نسخة مطورة عن نظام الطلائع ، تتضمن ممارسة بعض الأنشطة التي تنحصر في إطار تكريس فكر سياسي واحد أكثر من أي شيء آخر. هذا مع العلم أن المادة 12 من اتفاقية حقوق الطفل نصت على أن : 1. تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقا لسن الطفل ونضجه.
وقد طرحنا في الاستبيان الذي أعددناه سؤالا حول ما إذا كان الطفل يرغب بالانتساب إلى منظمة ما واضعين بين قوسين (منظمة طلائع البعث- منظمة أخرى) ، وكانت النتيجة أن 57 من المشاركين يرغبون بالانتساب إلى منظمة، حوالي عشرة منهم رسموا خطا تحت عبارة “منظمة أخرى” وحدد الباقون سبب رغبتهم في الانتساب بأن المنظمة “تساعدهم في التعرف على آخرين” ، وقلة منهم اعتبرت أن المنظمة “تساعدهم على طرح أفكارهم”.

الأوضاع الاقتصادية وأثرها على شخصية الطفل 0
إن الوضع الاقتصادي المتردي للمواطن السوري له انعكاس سلبي كبير على مجمل أوضاع الطفل ، وخاصة التعليمية والتثقيفية . فمعظم الأفراد ممن ينتمون إلى طبقة العمال والموظفين يضاف إليهم نسبة من المتعلمين تعليما عاليا يرزحون تحت واقع اقتصادي سيئ ما يضطر معظمهم إلى العمل الإضافي و يؤدي بالتالي إلى إهمال الاهتمام بالأطفال ورعايتهم ، هذا إذا لم نتحدث عن ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس وعمالة الأطفال التي تحتاج إلى دراسة مستقلة موسعة.

فمثلا يعتبر استخدام التقنيات الحديثة من كمبيوتر وشبكة المعلومات من أساسيات الحياة المعاصرة في أغلب دول العالم، لكنه يعتبر حتى الآن من الكماليات في سورية التي لايزيد متوسط دخل المواطن الشهري فيها على 100 دولار.وبالتالي لا تزال أغلبية الأطفال بعيدة عن استخدام هذه التقنية وما تتيحه من معارف وما تفتحه من آفاق. في الاستبيان الذي أجريناه، أجاب سبعون طفلا وطفلة أنهم يجيدون استخدام الكمبيوتر، لكن لدى سؤالهم عما إذا كانوا يملكون جهاز حاسب في البيت أجاب 45 فقط بنعم، وعن السؤال فيما إذا كان لديهم كمبيوتر في المدرسة أجاب عشرة فقط بنعم، مع ملاحظات كتبت إلى جانب الإجابة، “كل خمسة على كمبيوتر واحد” أو “نعم لكن دائما معطل”…!!!. فإذا كان نصف الأطفال لا يملكون جهازا في البيت أو المدرسة ، فكيف يستخدمون الحاسوب، هذا السؤال أجاب عنه الأطفال بأن معظمهم يستخدمون الكمبيوتر في الألعاب، بمعنى أن الذهاب إلى محلات “شبكة الألعاب” واستخدام الكمبيوتر في سباق السيارات وألعاب العنف الالكترونية يعتبره الأطفال إجادة للعمل على الجهاز. أما عن استخدام شبكة الانترنت، 31 من الأطفال أجابوا بأنهم يستخدمون شبكة الانترنت. أكثر من نصفهم يستخدمونه في “اللعب” والنصف الآخر لم يذكر كيفية استخدامه له.

ولدى دخولنا إلى أحد مقاهي الانترنت وجدنا أن المقهى في حقيقته “محل شبكة ألعاب” مجمل الموجودين فيه ما بين 10-15 عاما والجميع يلعب ألعابا تعتمد على القتال والصراع والقتل وسباق السيارات قد يستمر لساعات، وليس خافيا ما لهذا التوجه من أثر سيئ على ميول الطفل وتشجيع له على العبث والعنف هذا مع عدم وجود ثقافة بديلة تلبي احتياجات الطفل النفسية والعاطفية للأسباب التي ذكرت سابقا 0

من ناحية أخرى، ولدى سؤالنا عن إجادة استخدام اللغة الأجنبية كانت النتيجة أن 16 طفلا وطفلة فقط أجابوا أنهم يجيدون استخدام لغة ثانية (انكليزية أو فرنسية ) بدرجة جيد جدا، بينما 41 منهم قالوا أنهم يجيدونها بنسبة متوسط، لكن فيما يبدو أن الأطفال كانوا يقيمون إجادتهم للغة، وفقا لمستواهم الدراسي ، حيث كنا نسألهم أسئلة بسيطة في اللغة وكانت النتائج سيئة للغاية، ومعروف أن المنهاج الدراسي للغات لا يساعد على إتقانها في مدارسنا. ولا بد لإجادة اللغة من الانتساب إلى أحد المعاهد الخاصة وهو ما يفوق القدرة الاقتصادية لأغلبية المواطنين السوريين 0 يذكر أنه تم مؤخرا إدخال لغة ثانية ليتم تدريسها في الصف السابع فقط بالإضافة إلى اللغة الأولى التي يبدأ تدريسها في الصف الخامس، وذلك على سبيل التجربة ، ويبدو ذلك مستغربا إذا أخذنا بالاعتبار أن سورية تعد من البلدان الضعيفة في استخدام اللغات الأجنبية مقارنة بمحيطها العربي بسبب ضعف المنهاج الدراسي وكان من الأجدى لو تم تكثيف دراسة إحدى اللغتين ورفع مستوى أدائها بدلا من إضافة لغة أخرى.

من جهة ثانية ، يحتاج الطفل إلى نواد تعنى بمواهبه وترفيهه وتوفر له مجالا لتفريغ طاقاته بشكل فعال ومنتج،وفي الاستبيان الذي قمنا به تبين أن 29 فقط من الأطفال مشتركون بنواد معظمها نواد تعليمية، لتقويتهم في المناهج الدراسية فقط .
حيث تقتصر النوادي الصيفية للأطفال على طبقة معينة من المجتمع نظرا لغلاء أسعارها0 وبالمقابل هناك النوادي الحكومية الصيفية التي يكون مقرها في المدارس وهي تتميز باعتدال أسعارها لذلك فالكثير من الأهل يجدون في هذه النوادي فرصة للتخلص من ضغط الأطفال خلال أيام العطل دون النظر إلى واقع هذه النوادي التي تفتقر إلى الحد الأدنى من وسائل الترفيه وحتى الوسائل الصحية فيكون مجموع الأطفال كبيرا ضمن فصول دراسية صغيرة وارتفاع في دراجات الحرارة في فصل الصيف وقلة الأنشطة ، وباستثناء الأندية الرياضية الحكومية، يندر وجود نواد فنية (مسرحية- موسيقية..) مع ارتفاع رسوم الاشتراك إن وجدت.

أما بالنسبة للحدائق العامة داخل المدن فتعد قليلة جدا ولا تغطي إلا مساحة صغيرة من المدينة،وإذا توفرت فإن وسائل اللعب والترفيه فيها تكون محدودة، مثل عدم توفر ملعب صغير داخلها أو مساحة معينة لركوب الدراجات وما إلى ذلك.
ووفقا لاتفاقية حقوق الطفل فإنه:

    • 1-تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفى الفنون.

    2. تحترم الدول الأطراف وتعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ.(المادة31).

إن جميع الأسباب السابقة وغيرها لا تساعد على تنمية مواهب الطفل ورعاية ملكاته ، مع الأخذ بالاعتبار أن الواقع الاقتصادي المتردي يدفع العائلات إلى السكن في مساكن صغيرة مؤلفة غالبا من غرفتين أو ثلاث غرف فقط- متوسط حجم الأسرة 6 أفراد – مما لا يتيح للطفل مجالا للعب وتفريغ طاقاته ويدفعه للعب في الشارع مع ما يحمله ذلك من أخطار لا نستثني منها التدخين وتعلم السلوك المنحرف والتعرض لمخاطر الطريق كافة.

من ناحية أخرى تتسم العلاقة ما بين المدرس وتلميذه من جهة والطفل والأبوين من جهة أخرى بعلاقة تابع ومتبوع في أغلب الأحيان تفتقر إلى الاحترام المتبادل ، فالمعلم مهمته تلقين المنهاج فقط وتختفي من مسؤوليته المهمة التربوية والتثقيفية ، ولا يتم إعداد المدرسين إعدادا صحيحا للتعامل مع التلاميذ بما ينمي شخصهم ويحترم استقلاليتهم وآرائهم . أما المشرفون التربويون والاجتماعيون فمهمتهم شكلية بحتة و لا توجد علاقة بينهم وبين التلاميذ.
في الاستبيان الذي أجرينا أجاب 46 من الأطفال أنهم يتعرضون للضرب في المدرسة، ثلثهم ممن بلغوا الرابعة عشرة من عمرهم.

ولدى السؤال فيما إذا كان يتاح لهم نقاش أمور أخرى في المدرسة غير المناهج الدراسية أجاب نصفهم بلا . في حين تنص المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل على أنه: تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقا للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا وعلى أساس تكافؤ الفرص، تقوم بوجه خاص بما يلي:
…..2. تتخذ الدول الأطراف كافة التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتمشى مع كرامة الطفل الإنسانية ويتوافق مع هذه الاتفاقية.

أما على صعيد الأسرة فقد أجاب أكثر من نصفهم بأنهم يتعرضون للضرب في البيت من قبل الوالدين، وأكثر من نصفهم تتدخل الأسرة في اختيارهم لملابسهم مثلا..
وعلى الرغم من أن 63 أجابوا بأنهم يعبرون عن رأيهم بحرية أمام الكبار فقد أثبت السؤال التالي عدم صحة ذلك. حيث سألنا الأطفال عما إذا كانت سورية بلد ديمقراطي أم لا، أجاب 58 بنعم ، لكن الملاحظ أن عددا لا بأس به كان إما يتجاوز السؤال إلى ما بعده فإذا نبهناه عاد وأجاب بنعم، أو أنه يتذمر ويجيب بعبارات من قبيل “شو بيعرفني” “إنت بدك ياخدوني لبيت خالتي” ….!!بمعنى أن الطفل يستشعر ضغطا نفسيا معينا في لاوعيه حين التطرق إلى أمور يتوجب عليه فيها إبداء رأيه بصراحة.

فأسلوب التربية سواء في البيت أو في المدرسة وفي المجتمع ككل قائم على عدم احترام الآخر والاعتراف له باستقلال شخصه ورأيه.فضلا عن قائمة “المحرمات” التي لا يجوز للطفل الاقتراب منها أو الحديث عنها على صعيد الأسرة أو خارجها، فمثلا إحدى الأمهات التي التقيناها بعد أيام من ملء طفلها الاستمارة، فاجأتنا بالقول بأننا “فسّدنا” طفلها، فقد أخذ يسأل أخاه الأكبر “ما إذا كانت سورية بلد ديمقراطي” وما هي الديمقراطية، وأنها لا ترغب بأن يخوض طفلها في مثل هذه الأحاديث.
هذا في حين تنص المادة 13 من اتفاقية حقوق الطفل على أنه: 1. يكون للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل.

الوضع الثقافي للطفل السوري :
سألنا الأطفال ما هي أقدم مدينة في العالم فحصلت القدس على سبعة عشر صوتا ومكة المكرمة على مثلها بينما حصلت دمشق على 55 صوتا.

سألنا في أي عام حصل الجلاء عن سورية وكان 26 صوتا للعام 1947 بينما 59 للعام 1946 . من ناحية أخرى 40 صوتا كانت من بين هواياتهم الدراسة!! و37 القراءة و40 يتابعون البرامج التثقيفية!!

في غياب التربية الثقافية في المدارس ، يفتقد الطفل أهم مصادر الثقافة خاصة وأنه حتى يتلقى المعلومات في مدرسته بأسلوب التلقين والتحفيظ بدون أي إعمال للفكر ما يجعل هذه المعلومة لا تشكل بالنسبة له مخزونا ثقافيا ، كما أن معظم المدارس لا توجد فيها مكتبة مخصصة للأطفال وإن وجدت لا يأخذ موضوع التشجيع على ارتيادها حيزا من الاهتمام لدى الكادر التدريسي.

وتعمل مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على إضعاف الاهتمام بتنمية الجوانب الثقافية لدى الطفل كما يندر ارتياد الطفل للمكتبات العامة قليلة الوجود أصلا، ومع وجود الأقنية العربية المتنوعة المتخمة ببرامج المسابقات الاستهلاكية وأغاني الكليب وتلفزيون الواقع ، تضاءلت خيارات الطفل نحو الإيجابي من البرامج إلى حد بعيد.وبالتالي يمكن القول أن الطفل في سورية على الأغلب يتحمل مسؤولية تثقيف نفسه بنفسه إن صح التعبير ، في ظل الافتقار إلى العوامل المساعدة سواء في المدرسة أو في البيت أو في المجتمع ككل.

الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الطفل :
لا توجد في سورية اليوم منظمة أهلية واحدة تعنى بحقوق الطفل، وجدير بالذكر أن منظمتين حتى الآن تقدمتا للحصول على ترخيص إحداهما بإشراف ممثل سورية في اليونسيف الممثل دريد لحام وقد حصلت على الترخيص منذ فترة لكنها للأسف لم تباشر العمل حتى الآن!! . أما المنظمة الثانية فقد قدمت للترخيص منذ أكثر من سنتين ولم تحصل عليه بعد. وهذا يعني عدم وجود جهة مؤهلة ومختصة لنشر الوعي بحقوق الطفل وتبني برامج عملية تعنى بفكره وشخصه بالإضافة إلى رصد الانتهاكات التي يتعرض لها .

أخيرا
في يوم الطفل العالمي، نتمنى لكل أطفال العالم أن يعيشوا في سلام واطمئنان، متمتعين بما يستحقون من رعاية واهتمام على كافة الأصعدة، كما نتوجه بتحية محبة إلى أطفال سورية ، الذين يجب أن نعمل جميعا من أجل إتاحة الفرصة أمامهم ليكونوا كما يريدون وكما نتمنى لهم ، أجيالا تأخذ على عاتقها الاستمرار في بناء الحضارة الإنسانية والوقوف ضد كل أشكال الطغيان والظلم والحرمان .
كما نتوجه بتحية خاصة إلى أطفالنا في فلسطين والعراق ، وإلى أطفال معتقلي الرأي والضمير كافة الذين حرموا من آبائهم كثمن باهظ يدفعه معظم الساعين إلى الحرية والكرامة.