19/5/2009

بتاريخ 14 مايو 2009، نشرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الرابع لإسرائيل. وبينما كانت دولة إسرائيل تستعد لتسليم التقرير، كانت عناصر أخرى في حكومة الاحتلال تقوم بتشديد الحصار على قطاع غزة، وتكريس ضم مدينة القدس الشرقية المحتلة، وتوسيع النشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية، والتحضير لعملية “الرصاص المصبوب”، التي تمثلت في العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة على مدار 23 يوماً.

وفقاً لتحقيقات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فإن العدوان أسفر عن مقتل 1414 فلسطينياً، وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة. وكان من بين القتلى 1181 من الأشخاص غير المقاتلين، وهم الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي. اليوم، وبعد مرور أربعة أشهر على وقف إطلاق النار الذي أعلنته إسرائيل من جانب واحد، يبقى الوضع في قطاع غزة كما كان عليه يوم 18 يناير. ما زالت الحياة في إطار زمني مجمد، حيث يكافح المدنيون من أجل إعادة بناء حياتهم وسط أزمة إنسانية متفاقمة. وتعتبر عملية الإصلاح مستحيلة في منع إسرائيل لعملية إعادة الإعمار ومواصلتها فرض حصار غير شرعي على 1.5 مليون مدني في قطاع غزة.

إن واقع الحياة في الأراضي الفلسطينية المحتلة يبرز نفاق السلطات الإسرائيلية، حيث تواصل دولة إسرائيل ارتكاب انتهاكات صارخة ومنظمة للمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بينما تنخرط في جهود زائفة لاسترضاء المجتمع الدولي وإظهار إذعانها للمعايير الدولية.

لقد وثّق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان انتهاكات لحقوق الإنسان، وجرائم حرب، ومخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف لا حصر لها ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عملية “الرصاص المصبوب.” إن الطبيعة المنظمة والنطاق الواسع للاعتداءات التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال هذا العدوان يثيران المخاوف حول احتمال ارتكاب إسرائيل لجرائم ضد الإنسانية. كما وثّق المركز العديد من حالات التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة، والتي تشكل مكوناً أساسياً في السياسة التي تتبعها قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتشمل هذه المعاملة ، على سبيل المثال لا الحصر، الإذلال “الروتيني” على الحواجز، وحرمان المرضى الذين يرفضون التعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية من تلقي العلاج الطبي، واستخدام العنف – المميت في أغلب الأحيان – ضد الاحتجاجات السلمية، والضرب، وهدم المنازل كإجراء عقابي، وهي ما اعتبرت لجنة مناهضة التعذيب أنها ترقى إلى المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة. ويشكل حظر التعذيب قاعدة ملزمة في القانون الدولي، والتي يحظر الانتقاص منها. إن كلاً من القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان يقومان على الرغبة الأساسية في الحفاظ على كرامة الإنسان.

لقد شاهد العالم بأسره عملية “الرصاص المصبوب” وتبعاتها، لكن لا يوجد أحد يشاهد الجرائم التي تقترف في مراكز التحقيق ومرافق الاعتقال. وكما ذكرت لجنة مناهضة التعذيب، فإن عمليات التحقيق مع المعتقلين الأمنيين تجري خلف الكواليس، رغم حقيقة أن هؤلاء الأشخاص هم الأكثر تعرّضاً للتعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة. وتواجه منظمات حقوق الإنسان واللجان الدولية ذات العلاقة بالأسرى صعوبات في تأمين وصول سريع ومتسق لهذه المراكز والمرافق. وتجدر الإشارة إلى أن المعتقلين يحتجزون في ظروف لا تفي بالمعايير الدولية، كما يتم استخدامهم كأوراق مساومة سياسية، وهناك حوالي 1100 معتقل من سكان قطاع غزة يحرمون من حقهم في الزيارات العائلية منذ ما يزيد عن 17 شهراً.

ويشير المركز إلى أن الجرائم الموثقة في التقرير الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب، وجرائم قوات الاحتلال الأخرى التي لا حصر لها، لا يمكن أن يتم ارتكابها إلا في ظل التمتع بالحصانة. وتمنح هذه الحصانة على مستويين، الأول: تواطؤ النظام القضائي في إسرائيل، والثاني: صمت واستكانة المجتمع الدولي.

لا يكفي أن يتم توثيق هذه الجرائم في تقارير ومن ثم نسيان أمرها، كما حدث مؤخراً بعد ردة الفعل المخجلة للأمين العام للأمم المتحدة على تقرير هيئة التحقيق في الأحداث التي وقعت في قطاع غزة. إذا كانت هناك رغبة في تعزيز سيادة القانون وتوفير الحماية للمدنيين الأبرياء، فعندها يجب تنفيذ القانون.

لا يمكن للمجتمع الدولي أن يستمر في السماح لإسرائيل بالتصرف كدولة فوق القانون. ولعل أكثر الجوانب إثارة للصدمة في تقرير لجنة مناهضة التعذيب هو بقاء التوصيات الواردة في تقرير اللجنة للعام 2001 على ما هي عليه. وكان التغيير الوحيد في التقارير الصادرة في السنوات التي تفصل بين التقريرن هو إضافة المزيد من الانتهاكات الإسرائيلية.

إن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد على أنه إذا كانت هناك رغبة في محاربة ثقافة الحصانة التي تسمح بمواصلة ارتكاب هذه الجرائم، فإن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ خطوات فعالة. في هذا الصدد، لا يمكن تطوير اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية في ظل الانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان. ويجب إجراء تحقيقات مستقلة حتى تتم محاسبة المسئولين عن ارتكاب جرائم الحرب.

المدنيون الفلسطينيون هم وحدهم من يعاني من تبعات تقصير المجتمع الدولي.