21/5/2009

اتخذ البرلمان الإسباني، يوم 19 مايو 2009، قراراً يدعو فيه الحكومة إلى الحد من آليات الولاية القضائية الدولية في إسبانيا. ودعا المقترح إلى تعديل التشريعات القائمة بحيث يتم النظر فقط في القضايا التي يكون الأطراف فيها ضحايا أسبان أو أن المتهم متواجد على الأراضي الإسبانية.

وفي ضوء اللبس الذي يحيط بهذا المقترح، يود المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان توضيح بعض القضايا.

لم يتم تعديل القانون القائم، والذي يمنح المحاكم الإسبانية ولاية قضائية على جرائم الإبادة، جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لقد وافق البرلمان الإسباني على مطالبة الحكومة بصياغة تشريعات جديدة تهدف إلى تعديل القانون القائم. يجب أن تتم صياغة هذه التشريعات المقترحة، ومن ثم المصادقة عليها من قبل البرلمان. وفضلاً عن ذلك، يجب أن تكون هذه التشريعات متوافقة مع الدستور الإسباني والالتزامات القانونية الدولية المفروضة على إسبانيا.

هذا ولم يتم المساس في الوقت الحاضر بالقضايا التي تم رفعها بموجب الولاية القضائية الدولية، بما في ذلك القضية التي رفعها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ضد سبعة من كبار المسئولين الإسرائيليين ذات العلاقة بالهجوم على حي الدرج الذي وقع في غزة في شهر يونيو من العام 2002. ولكن، في حال تغيير القانون، فلن يبقى لدى القضاة الأسبان الاختصاص اللازم من أجل الاستمرار في إجراء تحقيقاتهم، وسيتم حرمان الضحايا من الوصول إلى سبل الانتصاف.

يود المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التأكيد على أن الولاية القضائية الدولية هي ليست مسألة اهتمام فلسطيني محض. إنها تمثل أداة قانونية أساسية – آلية يتم اللجوء إليها بعد استنفاذ كل الخيارات – يتم استخدامها عندما تكون المحاكم الوطنية حقاً غير راغبة في أو غير قادرة على التحقيق مع أشخاص متهمين بارتكاب جرائم عالمية، ومن ثم محاكمتهم. وبالتالي، فالولاية القضائية الدولية توفر وسيلة انتصاف قضائي للضحايا الذين تكبدوا المعاناة على أيدي الأنظمة القمعية في شتى أنحاء العالم. وتعتبر الولاية القضائية العالمية عنصراً جوهرياً في تعزيز سيادة القانون، بل هي خطوة أولى على طريق العدالة العالمية، التي من خلالها قد يتم تأمين حقوق الضحايا من خلال تطبيق المعاقبة القانونية على الأشخاص المذنبين. إن حق الضحايا في وسيلة انتصاف قضائي فعالة يشكل عنصراً أساسياً من عناصر القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو حق منصوص عليه في المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

سيتم النظر في جميع الخيارات المتاحة في مسعى لضمان أن إسبانيا لا تخضع لضغوط سياسية، وأنها تستمر في تعزيز العدالة العالمية.

إن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يدعو المحامين، منظمات حقوق الإنسان، المجتمع المدني، وجميع الأطراف المعنية إلى محاربة أي تعديل مقترح على القانون، وأن تحارب من أجل ضمان تعزيز مصالح العدالة وحقوق الضحايا. وهنا يجب التأكيد على أنه سيتم الطعن في دستورية أي تعديل مقترح على القانون.

تجدر الإشارة إلى أنه في العام 2005، وبعد إصدار مذكرة توقيف بحق الجنرال الإسرائيلي دورون ألموغ، قام رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، بالإعلان عن نية بريطانيا في تعديل القوانين الخاصة بالولاية القضائية الدولية في بريطانيا. بعد مرور أربعة أعوام، لم يتم تمرير هذا التعديل. وفي الأسبوع الماضي، أعلن وزير العدل البريطاني، جاك سترو، تبنيه لمبدأ الولاية القضائية العالمية، عندما أشار إلى أنه كان يعيد النظر في اقتراح تعديلات على قانون المملكة المتحدة والتي من شأنها السماح للمحاكم في بريطانيا بالترافع في قضايا يشتبه فيها بارتكاب جرائم إبادة في مكان آخر في العالم.

سوف تستمر المعركة من أجل العدالة. وهنا يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عزمه على مواصلة استخدام جميع الآليات القانونية المتاحة لضمان حماية حقوق الضحايا وضمان تعزيز سيادة القانون. إن المعركة ضد الإفلات من العقاب لن تتوقف.