21/6/2009

ينظم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني الإسباني ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية مؤتمرين في العاصمة الإسبانية مدريد يومي 22 و24 يونيو 2009 في المركز الثقافي الإسباني والكونغرس الإسباني.

ويأتي تنظيم هذين المؤتمرين في إطار الاحتجاج على التعديلات المقترحة على التشريع الإسباني فيما يتصل بالولاية القضائية الدولية. فبتاريخ 19 مايو 2009، طلب البرلمان الإسباني من الحكومة تقديم مسودة تشريع يحد من نطاق تطبيق الولاية القضائية الدولية في إسبانيا، وسيتم تقديم هذا التعديل إلى مجلس النواب بتاريخ 26 يونيو. لقد كانت إسبانيا دائماً مدافعة عن الولاية القضائية الدولية، والاعتقاد السائد هو أن طرح هذه التعديلات يأتي استجابة لضغوطات سياسية منسقة من جانب دول تسعى إلى تجنيب مجرمي حرب محتملين المثول أمام العدالة.

إن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الإسبانية والدولية متحدون في معارضتهم لهذه التعديلات، فمبدأ الولاية القضائية الدولية هو مكون أساسي في النظام القانوني الدولي، وهو أيضاً ذو أهمية خاصة في الحرب ضد الحصانة. يمنح القانون الدولي حماية للسكان المدنيين، ولكن لكي يكون للقانون دوره – أي قادراً على حماية المدنيين – يجب إنفاذه. وطالما يسمح للدول والأفراد بأن يتصرفوا بحصانة، فإنهم سيواصلون ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي، وستتواصل معاناة المدنيين الأبرياء من التبعات المروعة لتلك الانتهاكات.

ويودّ المركز التأكيد على أن الولاية القضائية الدولية ليست مجرد مسألة فلسطينية، بل إنها آلية قانونية الهدف منها ضمان مثول أولئك المسئولين عن اقتراف جرائم دولية – التي تشمل الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب – أمام العدالة. ويتم تفعيل مبدأ الولاية القضائية الدولية فقط عندما تظهر الدول ذات النظم التنشريعية الأكثر تقليدية فيما يتصل بالجريمة (فيما يتعلق بمكان ارتكابها وجنسية مرتكبها، من بين أمور أخرى) بأنها غير مستعدة أو غير قادرة على إجراء تحقيقات ومحاكمات حقيقية: أي عندما يحجبون المتهمين بارتكاب جرائم دولية من العدالة.

يجب دعم وتعزيز مبدأ الولاية القضائية الدولية من أجل مصالح الضحايا في مختلف أنحاء العالم، وأولئك الذين لا يزالون يعانون على أيدي أنظمة حكم قمعية. إن الولاية القضائية الدولية هي مكون أساسي في عملية تطبيق سيادة القانون، وهي وسيلة هامة في إطار النضال من أجل تحقيق العدالة الدولية، والتي يمكن لجميع الأفراد من خلالها التمتع بالحمايات التي يوفرها القانون الدولي دون تمييز، وضمان حقوق الضحايا من خلال العقوبات القانونية للأطراف المذنبة.

وكان من المقرر أن يلقي مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الأستاذ راجي الصوراني، الكلمات الرئيسية في مدريد، ولكنه لم يتمكن من السفر بسبب الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة كشكل من أشكال العقاب الجماعي مستمر منذ نحو 24 شهراً.

بتاريخ 19 مايو 2009، أصدر البرلمان الإسباني قراراً يطالب الحكومة بالحد من نطاق تطبيق الولاية القضائية الدولية في إسبانيا. ويدعو الاقتراح إلى تعديل التشريعات القائمة بحيث لا يمكن رفع قضايا في إسبانيا إلا إذا كانت تشمل ضحايا إسبان أو إذا كان المتهمون موجودين على التراب الإسباني. وستقدم الحكومة التعديلات إلى البرلمان بتاريخ 26 يونيو، وإذا تم إقرارها، سيتم رفعها إلى مجلس الشيوخ، قبل أن تعاد إلى مجلس النواب من أجل المصادقة النهائية عليها.

يشكل هذا التحرك انتكاسة لإسبانيا، وهي بلد أقر دائماً بالأهمية الكبيرة لمبدأ الولاية القضائية الدولية. وفي السنوات الأخيرة، تم رفع قضايا كبيرة بموجب مبدأ الولاية القضائية الدولية في المحاكم الإسبانية، من بينها قضايا بينوشيه، وسيلينيو، وجنرالات غواتيمالا. وتحقق المحكمة الوطنية الإسبانية حالياً في قضية رفعها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وشركاؤه الإسبان فيما يتعلق بالهجوم على حي الدرج في عام 2002، وهي جريمة حرب أسفرت عن مقتل 16 فلسطينياً، من بينهم 14 مدنياً، وجرح نحو 150 آخرين.

بتاريخ 4 مايو 2009، أعلن قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية فرناندو أندرو قراره بمواصلة التحقيق في الحوادث المتصلة بالهجوم على حي الدرج. ورفضت المحكمة حجج المدعي الإسباني ودولة إسرائيل التي تدعي بأن إسرائيل قد حققت في الجريمة بشكل ملائم. وأكد القاضي بأن هذا الموقف غير صحيح ويناقض سيادة القانون.

لقد وضع الضحايا وممثلوهم القانونيون ثقتهم في نظام العدالة الجنائي، مؤمنين بأنه الآلية الوحيدة القادرة على تحقيق المحاسبة ومحاربة الحصانة. يجب عدم زعزعة هذه الثقة بسبب الضغوطات السياسية، حيث لا يمكن تغليب السياسية على حقوق الأفراد.

بتاريخ 22 يونيو، سيتم تنظيم حلقة نقاش في قاعة دائرة الفنون الجميلة في وادي إنكانا. وبتاريخ 24 يونيو، سيتم تنظيم مؤتمر للمعلومات وحشد التأييد في الكونغرس الإسباني. ويأتي تنظيم هذين النشاطين دفاعاً عن الولاية القضائية الدولي. ويشارك في النشاطين، اللذين سيرافقهما مؤتمران صحفيان، أعضاء المجتمع المدني الإسباني، وبرلمانيون وقضاة إسبان، وممثلون عن منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.

يؤكد المركز على أنه لا يمكن السماح للسياسة بأن تتغلب على سيادة القانون، ويجب مساندة حقوق الضحايا في إنصاف قضائي فعال، ويجب التحقيق مع أولئك المتهمين بارتكاب جرائم دولية ومحاكمتهم وفقاً لمتطلبات القانون الدولي. لا مجال للهزيمة في الحرب ضد الحصانة.