4/5/2009
سجل الربع الأول من العام 2009 ، تصعيدا إسرائيليا غير مسبوق فيما يتعلق بالصراع الديمغرافي في مدينة القدس ، ومحاولات الجانب الإسرائيلي حسم هذا الصراع لصالحه عبر سلسلة من الخطوات والإجراءات ، لعل أبرزها عزل تجمعات سكانية كبيرة يقارب عدد سكانها ال160 ألف مقدسي خارج الحد\ود البلدية المصطنعة للقدس ، وفق أحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة. وهو عدد يزيد عن التقديرات الفلسطينية المحلية التي كانت تتحدث عن عزل 125 ألفا في أحياء وبلدات : ألرام ، ضاحية البريد، كفر عقب ، سمير أميس ، مخيم شعفاط ، ضاحية السلام، وبلدة عناتا ، وهي أكثر التجمعات السكانية المقدسية كثافة.
وكان أبرز الإجراءات الإسرائيلية حتى نهاية العام المنصرم 2008 بهذا الشأن هو استكمال بناء الجزء الأكبر من جدار الفصل العنصري حول المدينة المقدسة، ما جعل هذه البلدات والأحياء بهذا العدد الكبير من سكانها معزولا عن القدس مركز حياته، وهو إجراء يهدد هؤلاء بفقدان حقهم بالإقامة في مدينتهم مستقبلا ، وبالتالي تكون السلطات الإسرائيلية المحتلة قد نجحت في التخلص من هذا العدد الكبير من السكان دفعة واحدة ، بعد أن كانت إجراءات الطرد الصامت والتطهير العرقي تستهدف أفرادا أو مجموعات صغيرة بذريعة عدم إثبات مركز الحياة في المدينة المقدسة.
في حين أن إجراءات الهدم والتهديد بهدم مئات المنازل التي قررتها بلدية الاحتلال في القدس منذ مطلع العام الجاري 2009 تهدد بتشريد أكثر من خمسة الآف مقدسي يقطنون في نحو 1100 وحدة سكنية تلقى أصحابها إخطارات بالهدم. ليضاف هذا العدد من السكان الى نحو 500 نسمة غالبيتهم من الأطفال والنساء هدمت مساكنهم منذ مطلع العام الجديد.
وفيما يلي بعض المعطيات الأساسية المتعلقة بالديمغرافيا الفلسطينية في القدس ، وفق ما رصدته وحدة البحث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، استنادا إلى مصادر مختلفة فلسطينية وإسرائيلية:
أولا : البلدة القديمة من القدس
تشير المعطيات الحديثة المتوافرة بهذا الشأن إلى أن عدد المقدسيين داخل أسوار البلدة القديمة من القدس وصل حتى مطلع العام 2009 إلى نحو 36 ألفا، بعد أن كانت معطيات سابقة تحدث عن عدد يتراوح ما بين 33 ألفا إلى 34 ألفا.
وتفسر هذه الزيادة في عدد السكان المقدسيين في جانب منها الى انتقال عشرات العائلات المقدسية للسكن في البلدة القديمة بسبب الحواجز والجدار الذي فصل هذه العائلات عن مركز حياتها وتعرضها للتهديد المباشر بإسقاط حقها في الإقامة من قبل وزارة الداخلية ، رغم أن ظروف السكن في البلدة القديمة صعبة جدا حيث الازدحام الشديد في المساكن، واضطرار بعض الأسر إلى تحويل محلات ومشاغل أحذية إلى مسكن لإيواء أفرادها كما هو الحال في خان الأقباط أحد الأسواق الشهيرة دخل أسوار المدينة المقدسة.
في مقابل ذلك تشير معطيات مركز القدس إلى وجود ما يقرب من ثلاثة آلاف مستوطن يقطنون “حارة الشرف”، أو ما يسمى بالحي اليهودي الذي أقيم على أنقاض الحارة الفلسطينية بعيد سقوط المدينة المقدسة عام 1967. إضافة إلى نحو 1000 مستوطن آخر يقطنون في 70 بؤرة استيطانية موزعة على الحيين الإسلامي والمسيحي في البلدة القديمة ، وتشمل هذه البؤر عقارات ومسكن حول بعضها إلى مدارس ومعاهد تلمودية يلتحق فيها سنويا مئات الطلبة الجدد من سكان المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
ويسعى الإسرائيليون إلى زيادة عدد المستوطنين في البلدة القديمة لمواجهة الكثافة السكانية الفلسطينية العالية ، من خلال سيطرتهم على مزيد من العقارات المتاخمة للمسجد الأقصى والمجاورة للحي اليهودي ، وبناء كنس يهودية
ومدارس دينية جديدة تستوعب أعدادا أكبر من المستوطنين ، ومن ذلك المخطط القاضي ببناء كلية جامعية في حي برج اللقلق تستوعب نحو 400 طالب ، وبناء مساكن وشقق لهم في ذات الموقع .
بيد أن الخطر الأكبر الذي يهدد الوجود الديمغرافي الفلسطيني في القدس القديمة هو استمرار تناقص الوجود المسيحي الفلسطيني العربي ، حيث انتقل نشاط الجمعيات الاستيطانية اليهودية إلى الحي المسيحي ، من خلال نقل قيادة الجمعيات الاستيطانية مقرها إلى حارة النصارى .
وتفيد المعطيات المتوافرة لدى مركز القدس بأن عدد المسيحيين الفلسطينيين داخل أسوار المدينة المقدسة يصل الآن إلى نحو 5000 نسمة ، يضاف إليهم نحو 7000 نسمة يقطنون خارج منطقة الأسوار ، علما بأن إحصائيات
فلسطينية صدرت عام 1997 تحدثت عن عدد إجمالي من المسيحيين في حدود القدس الكبرى كان وصل إلى 15000 نسمة، ما يشير إلى تقلص في أعداد هؤلاء بسبب انتقال أعداد منهم للسكن في رام الله وبيت لحم ، وحتى داخل الخط الأخضر سعيا وراء الأمن والتخلص من الضغوط الاقتصادية، وبحثا عن فرص العمل التي لا تستطيع المؤسسة الفلسطينية في القدس تأمينها لحملة الشهادات الجامعية من هؤلاء.
وكانت إحصائيات سابقة أشارت إلى أن عدد المسيحيين الفلسطينيين في القدس في الفترة الواقعة ما بين عامي 1944 و 1945 وصل إلى 30 ألفا، وقد هاجر هؤلاء جميعا في العام 1948، ولم يتبق منهم داخل أسوار البلدة القديمة سوى ألف مسيحي ، بينما تمسكت 5 عائلات ببيوتها في حي الطالبية ورفضت تركها ، وبالتالي تقلصت أعداد المسيحيين الفلسطينيين إلى ما يقرب من ثلث عددهم.
ثانيا: خارج أسوار البلدة القديمة:
أما فيما يتعلق بأعداد المقدسيين داخل الجدار الفاصل ، فالمعطيات المتوافرة إسرائيليا وفلسطينيا تشير إلى تراوحها ما بين 240 ألفا إلى 260 إلفا، والعدد هذا مرشح للارتفاع في غضون العام 2009 مع استمرار العودة العكسية إلى مركز القدس من قبل مئات العائلات الفلسطينية التي تقيم حاليا في مناطق عزلها جدار الفصل العنصري ، حماية لحقوقها في الإقامة والسكن في مركز حياتها القدس، كما أن الزيادة الطبيعية الناتجة عن الولادة تشكل سببا رئيسيا للزيادة المتصاعدة في أعداد المقدسيين بالرغم من إجراءات العزل الإسرائيلية للتجمعات السكانية ومحاولة قطع تواصلها مع المدينة المقدسة.
وحسب معدل النمو السكاني كما ورد في دراسات إسرائيلية ، فإن عدد المقدسيين سيصل حتى العام 2020 إلى 376 ألفا داخل الحدود البلدية الإسرائيلية المصطنعة للقدس ، في حين سيرتفع عدد الإسرائيليين في القدس الغربية والشرقية إلى 650 ألفا ، منهم ما يقرب من 200 ألف مستوطن يقيمون في مستوطنات يهودية أقيمت على أراض فلسطينية مصادرة في القدس الشرقية المحتلة.
ويرى خبراء فلسطينيون وإسرائيليون في مجال الديمغرافيا أن جميع الإجراءات والخطوات التي اتخذتها بلدية القدس بإدارتها اليمينية الحالية والقاضية بهدم مئات منازل المقدسيين ستفشل في اقتلاع الأعداد الهائلة من المقدسيين ، لأن معدل النمو السكاني الفلسطيني يصل إلى 3 أضعاف النمو السكاني اليهودي غير الديني ، ونحو ضعفي النمو السكاني اليهودي الديني. وبالتالي فإن حسم الصراع السكاني والديمغرافي هو في استمرارية هذا النمو والتزايد في أعداد السكان.
ولمواجهة هذه المعضلة الديمغرافية الفلسطينية – كما يقول الخبراء – ستحاول إسرائيل التخلص سياسيا من أكبر عدد ممكن من المقدسيين ، باعتبار ذلك مصلحة عليا ، من خلال طرح تصورات سياسية تقطع القدس وتقطعها الى أجزاء ، حيث تطرح حاليا التخلي عن أحياء وبلدات داخل الحدود البلدية ، وتتمسك بسيطرتها على مركز المدينة ، وبعض الأحياء فيها.
لكن هؤلاء الخبراء يتوقعون فشلا إسرائيليا بهذا الخصوص ، أو كما قال ميرون بنفنستي في أحد مقالاته في الثمانينيات :” إن سياسة إسرائيل في القدس لن تمكن الساسة من فك التشابك والتقاطع السكاني في القدس”.
وكان “معهد أورشليم للأبحاث ” الإسرائيلي نشر العام 2008 معطيات جديدة خلال مؤتمر هرتسليا أشارت إلى تراجع في ميزان الهجرة اليهودية إلى القدس بمعدل 6000 شخص منذ عام 1998 ، وحتى العام 2007، ما يعني تراجعا في الأغلبية اليهودية التي وصلت في العام 1967 إلى 75% بعد ضم القدس ، وانخفضت إلى 66% فقط
عام 2006 ، والمتوقع أن تنخفض في العام 2020 لتصل إلى 58% فقط ، ثم تنتهي إلى التعادل 50% مقابل 50% في العام 2030.
ووفقا لذات المعطيات، فقد ازداد ت أعداد اليهود منذ العام 1967 ولغاية العام 2007 بقسميها الشرقي والغربي إلى أن وصلت إلى ما نسبته 143% في حين ازداد عدد الفلسطينيين بنسبة 268%.
يشار إلى أن لجنة إسرائيلية شكلت بعد احتلال القدس عام 1967 أطلق عليها “لجنة جفني” ، تقف وراء ما يسمى قانون التوازن السكاني الذي طبق في العام 1973 ، وكان الهدف من ورائه مراقبة التزايد السكاني الفلسطيني في القدس بحيث لا يزيد عن 22% – 24% من إجمالي عدد السكان.
وما يجدر تأكيده هنا هو أن المعضلة الديمغرافية ارتبطت ارتباطا وثيقا بقضية البناء الفلسطيني في القدس ، حيث تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة خاصة فيما يتعلق بالتنظيم والبناء في القدس أخضعت لاعتبارات
سياسية تحددها التوجهات السياسية الإسرائيلية العليا القائمة على نهب أراضي المقدسيين وتقييد النمو الديمغرافي الفلسطيني ومكافحته من خلال مكافحة البناء الفلسطيني في المدينة المقدسة، وعلى هذا الأساس طبقت السياسة القائلة بمنع البناء على 70% من أراضي الضفة ، وعلى 86% من أراضي القدس. كما ارتبطت هذه القضية بسياسة الترانسفير الصامت التي بدأت تطيقها سلطات الاحتلال في القدس منذ بداية التسعينيات ضد المقدسيين القاطنين في ضواحي القدس خارج حدودها البلدية من خلال سحب بطاقاتهم الشخصية وتجريدهم من حق الإقامة، وما نتج عن تطبيق هذه السياسة من فقدان ملا يقل عن 10 آلاف عائلة مقدسية حقها في الإقامة ، ووفقا لمعطيات وزارة الداخلية الإسرائيلية فإن عدد فاقدي الإقامة في عام 2006 لوحده وصل إلى 1363 أي بزيادة مقدارها 50% عما كان عليه الوضع في العام الذي سبقه .
مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية