20/2/2005

هشام القروي
فقد العالم العربى بلا شك وجها من أبرز وألمع وجوهه, تجاوز نفوذه لبنان الصغير الى المنطقة التى حوله والى العالم. وفقد لبنان لا رئيس وزراء وحسب , وإنما الرجل الذى كان بلا شك رمز النهوض من الموت والخروج من الدمار اللذين استمرا خمسة عشر عاما. وأكثر من ذلك , فقد جميع الذين سئموا من الوجود السورى فى لبنان عضدهم الأساسى والرجل الذى كان وراء القرار الأممى 1559 كما كان وراء اتفاق الطائف الذى أخرج اللبنانيين من أزمتهم. لذلك, لم يكن من الغريب أبدا أن توجه المعارضة اللبنانية ؟ وكان الحريرى أحد أبرز وجوهها منذ استقالته من الحكومة ؟ اتهاما واضحا الى سوريا وشريكتها الحكومة اللبنانية. وهذا ما فعله أيضا العديد من الناس من خارج لبنان.

وبأية حال, فسيعرف الجانى آجلا أو عاجلا, إذا تولت أطراف دولية محايدة عملية التحقيق فى ملابسات الحادث. وعليه, فليس من السهل توجيه الاتهامات دون أدلة. فإذا كان الاغتيال نفسه يمثل هذه الثقافة البائسة : ثقافة العنف , التى جعلت من كل الذين يمارسون العمل السياسى فى العالم العربى رهائن لقوى غامضة تتجاوزهم، فإن توجيه الاتهامات دون أدلة هو أيضا الوجه الآخر لثقافة العنف التى ليس للقوانين فيها أية قيمة أو أهمية.

اغتيال الحريرى يشير مرة أخرى الى مكمن الداء : ممارسة العمل السياسى فى العالم العربى اليوم تعنى إذا اختلف شخص مع جماعة فى الرأى أن يعطلوا أعماله, أو إذا لم يقدروا أن يسجنوه, أو اذا لم يقدروا أن ينفوه , أو اذا لم يقدروا أن يغتالوه. هذه هى خيارات العمل السياسى العربي…لأن السياسة العربية قائمة على مبادئ العنف , والقوة, والجبروت. ففى أى مكان من العالم المتحضر, قد يسعد الانسان بخدمة مواطنيه, إلا فى العالم العربي, حيث تصبح هذه الخدمة هما مكبلا, محاطا بالمخاوف والذهان والتهديدات والمساومات, وقد تتحول الى مصيبة حقيقية عندما يغيب القانون تماما. وانظروا الى ماحدث : لم يشفع للحريرى ماله , وقد أعطى منه للفقراء والمعوزين.

ولم يشفع له كونه كان رئيس حكومة. ولم يشفع له كونه كان أحد النشطاء فى المعارضة. ولم تشفع له علاقاته الواسعة داخل بلاده وخارجها. فأيا كان الموقع الذى يحتله المرء فى المجتمع العربي, فإنه من الصعب أن يفلت من تسلط العصابات المافيوية لمجرد نعم أو لا. لا حيلة لأحد فى ذلك. المسألة تتعلق بالذهنية. العرب لم يصلوا بعد الى درجة التسامح مع الذين يختلفون معهم فى الرأي. العربى ديكتاتورى بالطبع. فما أن يتعلق الأمر بالسلطة, يذبح الأخ أخاه, والأب ابنه. وستبقى هذه هى الحال الى أن يقوم المعنيون بالأمر ـ أى الشعوب العربية ـ بالتغيير المطلوب . وهو تغيير فى العمق. تغيير يتطلب ازاحة كل ما له علاقة بمفاهيم العنف والقوة التى لا يحدها قانون.

ويكفى للدلالة على أن مسألة الاغتيالات هذه تتعلق بثقافة العنف التى تروجهــا أحزاب وحكومات معينة من خلال أدبياتها وممارساتها, الاشارة الى العدد المهول من الاغتيالات فى لبنان وحده منذ نهاية الحرب الأهلية فقط : رينيه معوض, دانى شمعون, عباس الموسوي, ايلى حبيقة. وهؤلاء جميعا قضوا. وهناك عدد آخر من المحاولات التى لم تنجح. فهل هذا أمر طبيعى ؟ نعم, باعتبار الثقافة السياسية السائدة, والتى نرى فى أمكنة أخرى قريبة بعض ملامحها : العراق, السعودية, الجزائر, مصر…الخ. هل بقى بلد عربى لم يلمسه العنف ؟ والسؤال مرة أخرى هو : لماذا يتكرر العنف السياسى عند العرب بهذه الطريقة ؟