21/1/2008
تفاقمت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، ليصبح خطر الموت جوعاً، أو بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن غرف العمليات والعناية المركزة، وتلف التطعيمات في العيادات الحكومية أو تلك التي تشرف عليها وكالة الغوث الدولية تهديداً محدقاً، وهو حادث لا محالة إذا استمرت حالة الصمت الدولي والعجز عن التحرك لوقف الانتهاكات الجسيمة والمنظمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، والتي ترقي إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إغلاق غزة إغلاقاً تاماً طال الوقود والمحروقات والمواد الغذائية الأساسية والأدوية والمستلزمات الطبية لليوم الثالث على التوالي. وقد طال الإغلاق وللمرة الأولى المساعدات الإنسانية التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الدولية، والتي يعتمد عليها حوالي (800.000) لاجئ فلسطيني أي أكثر من نصف سكان القطاع، حيث منعت وكالة الغوث يوم الجمعة الموافق 18/01/2008 من إدخال شاحناتها المحملة بالدقيق والزيت والسكر والحليب وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.
وتأتي هذه الخطوة بعد أكثر من سبع سنوات من الإغلاق الجزئي الذي فرضته سلطات الاحتلال في التاسع من أكتوبر 2000، وبعد نحو أربعة شهور على إعلان إسرائيل قطاع غزة ككيان معادِ وفرضها قيوداً منعت حركة البضائع والأفراد، وحصرت عمل المعابر على تزويد قطاع غزة بالحاجات الإنسانية فقط، وحرصت على تزويدها بمواد أقل من حاجتها الفعلية، وذلك لحرمان سكان القطاع من أي مخزون من الأدوية أو الأغذية أو الوقود، بحيث يفضي أي يوم إغلاق إلى حدوث أزمة.
هذا ولم يقف الأمر عند حد تلك الإجراءات بل شرعت سلطات الاحتلال في اتخاذ المزيد من الخطوات ليصبح الحصار ككرة الثلج المتدحرجة حيث اتخذت بتاريخ 16/10/2007 قراراً بتقليص كميات الوقود الصناعي، الذي يستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية، وذلك قبل أن تصادق المحكمة الإسرائيلية العليا على قرار سلطات الاحتلال بالتخفيض، وحققت بذلك إسرائيل هدف تقليص كميات الطاقة الكهربائية التي تنتجها محطة التوليد الوحيدة في غزة، الأمر الذي فاقم من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي الموجودة أصلاً في قطاع غزة، ليفوق عدد انقطاع التيار الكهربائي العشر ساعات في اليوم الواحد.
هذا وبدأت غزة تشهد نقصاً شديداً في الخبز حيث أغلقت معظم مخابزها وأصبح هم المواطن اليومي هو أن ينتهي من طابور الانتظار الطويل وقد حقق هدفه في الحصول على بضع أرغفة من الخبز، الذي أصبح نادراً في ظل نقص الدقيق والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، الذي يتسبب في وقف عمل المخابز ويرفع سعر الرغيف في ظل أوضاع اقتصادية بالغة التردي يشهدها قطاع غزة حيث أصبح نحو 70% من السكان في عداد الفقراء، بسبب استمرار الحصار، وتحول أكثر من نصف القوى العاملة إلى صفوف العاطلين عن العمل، خاصة بعد نحو أربعة أشهر من توقف عمل الغالبية العظمى من المنشآت الصناعية والتجارية في القطاع، بسبب الإغلاق ووقف حركة البضائع والمواد الخام من قطاع غزة وإليه.
وتثبت الحقائق اليوم مدى تحلل إسرائيل من التزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي الإنسان، ومدى ازدرائها لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية نفسها، بعد ان ضربت سلطات الاحتلال عرض الحائط بالتزاماتها أمام المحكمة بعدم المساس بالحاجات الإنسانية لسكان القطاع.
هذا ويترافق الحصار مع تصعيد قوات الاحتلال لحملات القتل اليومية والتي تصاعدت بشكل كبير منذ مطلع العام الجاري 2008، حيث بلغ عدد من قتلوا على أيدي تلك القوات في قطاع غزة (72) فلسطينياً فيما توغلت تلك القوات (13) توغلاً آخرها كان صباح اليوم الاثنين الموافق 21/01/2008 في رفح واعتقلت خلاله (40) شخصاً، وبلغت عدد مرات القصف الجوي والمدفعي الثقيل (21) مرة وذلك منذ بداية العام الجاري 2008.
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يعبر عن استنكاره الشديد لتصعيد إسرائيل غير المسبوق في إجراءات الحصار، وتعمدها حرمان سكانه من الحصول على حاجاتهم الأساسية الإنسانية بما في ذلك قطع إمدادات الغذاء والدواء والطاقة، فإنه يؤكد على أن إسرائيل وصول إمدادات الغذاء، والوقود، والدواء والأجهزة والطواقم الطبية، والمواد التعليمية والمناهج الدراسية، والمعدات اللازمة للصرف الصحي وحماية البيئة، تشكل انتهاكاً للحق في الغذاء(مادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، والحق في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة العقلية والجسمية (مادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ومحددات هذا الحق كما حددتها لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحق في التعليم المناسب (مادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، والحق في العيش في بيئة صحية، وهي مسئوليات تقع على عاتق إسرائيل كما قررت محكمة العدل الدولية في قرارها المتعلق بقانونية بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، والذي أكدت فيه على أن إسرائيل تتحمل المسئولية عن إعاقة عمل السلطة الفلسطينية على احترام وتطبيق مسئولياتها، وأنها تتحمل هذه المسئوليات إذا لم تتمكن هذه السلطة من احترامها.
ومركز الميزان يرى في الإجراءات الإسرائيلية شكلاً متعدد الأوجه من أشكال العقاب الجماعي المفروض على سكان القطاع برمته. فهذه الإجراءات ليست موجهة ضد عدد محدود من الأشخاص لمبررات قانونية أو أمنية، بل هي تشكل القاعدة في السياسة الإسرائيلية،. ويعتبر إيقاع العقوبات الجماعية انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وبخاصةً للحمايات التي تفرضها اتفاقية جنيف الرابعة (المواد 33، 146 و147)، وكذلك قواعد لاهاي المتعلقة بأعراف الحرب والاحتلال.
عليه فإن مركز الميزان لحقوق الإنسان يطالب المجتمع الدولي بالتحرك العاجل والفاعل لوقف التدهور المتسارع في الأوضاع الإنسانية لسكان قطاع غزة، والعمل على رفع الحصار فوراً والسماح بحرية حركة البضائع ولاسيما المواد الغذائية الأساسية والوقود والمحروقات. والعمل على توفير الحماية الدولية للسكان في قطاع غزة.
كما يدعو مركز الميزان لحقوق الإنسان كافة المؤسسات والشخصيات المعنية باحترام حقوق الإنسان، بالتحرك الفاعل وتجنيد حملات ضغط متواصلة على صناع القرار في بلدانهم من أجل اتخاذ مواقف حازمة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، واستمرار ارتكابها لجرائم الحرب.
والمركز يؤكد على أن ما يمر به قطاع غزة هو محنة إنسانية حقيقية يشكل الصمت تجاهها وعدم التحرك لإنهائها مشاركة حقيقية في قتل عشرات آلاف الأبرياء جوعاً أو بسبب نقص الدواء.