17/3/2008
طالب متحدثون في ورشة عمل نظمها مركز الميزان لحقوق الإنسان حول ظاهرة إرتفاع الأسعار بتدخل حكومي فاعل لتحديد الأسعار ومنع الاحتكار.
وانتقدوا غياب الرقابة على السلع وأسعارها، وعدم وجود قانون يحمي المستهلك ومحدودي الدخل من هذا الغلاء الفاحش. واستعرض المتحدثون الرئيسيون في ورشة العمل التي نظمت، الاثنين الموافق 17/03/2008 في قاعة فندق جراند بالاس على شاطئ بحر مدينة غزة، وحملت عنوان “ظاهرة الاسعار بين اغلاق المعابر وغياب الرقابة”، استعرضوا اسباب تفشي هذه الظاهرة والدور الحكومي ازاءها.
وأوضح مدير الورشة الباحث في المركز علاء مطر أن هذه الورشة تأتي من منطلق تلمس المركز لهذه المشكلة التي تحولت لتصبح ظاهرة في المجتمع الفلسطيني وتأثيراتها السلبية، في ظل استشراء الفقر والبطالة، واهتمامه بصون حقوق المواطن الفلسطيني الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص.
وقال الخبير الاقتصادي د. سامي أبو ظريفة أن ظاهرة ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية، ولكنها تحمل خصوصية فلسطينية بسبب جملة من الأسباب من بينها الحصار والاغلاق المفروض على الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة بشكل خاص، مشيراً الى أن السوق الفلسطيني يعمل ضمن مفهوم الاقتصاد الحر الذي تحكمه قوانين المنافسة الشريفة بين التجار، الا أن ندرة السلع جعلت بعض التجار يحتكرونها ويرفعون أسعارها.
ولفت الى أن السبب الثاني لارتفاع الأسعار هو غياب الرقابة، وعدم وجود قانون لحماية المستهلك، وكذلك عدم وجود تكتلات أهلية لهذا الهدف.
وطالب بتدخل حكومي لحماية الطبقات الفقيرة، مشيرا الى أن نسبة الأسر الفلسطينية الفقيرة وصلت الى 80% من مجموع الأسر، معتبراً أن أول خطوة لخفض هذا الغلاء الفاحش في الأسعار هو تدخل دولي وإقليمي لرفع الحصار وفتح المعابر، وعودة السلع للتدفق على قطاع غزة.
وأضاف الى ذلك “وجود رؤية للتدخل الحكومي في السوق الفلسطينية تؤمن حماية المستهلك والأسر ذات الدخل المحدود”. بدوره، قال مدير عام شركة الحلو للتصدير والتسويق ناصر الحلو أننا نواجه “كارثتين فيما يتعلق بغلاء الأسعار، فهي غالية من الأساس، وزادت غلاء بعد الحصار”، موضحاً أن أية مقارنة مع الدول المجاورة في أسعار السلع الأساسية يوضح مدى تغول هذه الظاهرة في المجتمع الفلسطيني.
واشار الحلو الى أن “سعر البترول في دولة الاحتلال هو نفسه في القطاع على رغم أن متوسط دخل الفرد هناك يمثل 30 ضعف متوسط دخل الفرد الفلسطيني”، مؤكداً اننا نواجه زيادة غير محتملة في الأسعار في ظل تآكل حقيقي في الدخول بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، وانقطاع الرواتب، وهبوط سعر الدولار.
وعدد الحلو عددا ًمن الأسباب الخارجية والداخلية لظاهرة غلاء الأسعار، منها ارتفاع أسعار البترول، والخامات الاساسية للصناعة نتيجة زيادة الطلب عليها، وتغير نمط الاستهلاك في العالم، علاوة على قوانين حماية البيئة التي تحرم استخدام مواد معينة ما زاد الطلب على المواد البديلة فزادت أسعارها.
وفيما يتعلق بالأسباب الداخلية قال الحلو أن “الحصار واغلاق المعابر سبب رئيس، إضافة الى تكاليف نقل البضائع الباهضة، وندرة إدخال المنتجات، واستغلال بعض التجار لهذه الندرة ورفع أسعار النقل التي تزيد في النهاية السعر على المستهلك”، مشيرا الى أسباب عارضة بسبب الندرة وعدم تكافؤ العرض والطلب والاستغلال من بعض الموردين.
وطالب الحلو بدور رقابي حكومي فيما يخص المواد الأساسية الاستهلاكية لحماية الأسر ذات الدخل المحدود، في ظل ما أسماه عدم وجود الضوابط الطبيعية للسوق الحر، إضافة الى حماية ودعم قطاع الصناعة بشكل خاص، وتوفير المواد الخام اللازمة له، وتطوير دور الحكومة من الإرشاد الى التخطيط والمشاركة الفاعلة في حماية المستهلك والمنتج معاً.
مدير مكتب وزير الاقتصاد الوطني المهندس حاتم عويضة بدوره، استعرض عدداً من الاحصاءات العالمية لارتفاع الأسعار الجنوني في العالم خصوصاً فيما يتعلق بسعر الحبوب، فبحسب مجلة الإكونومست فإن أسعار الحبوب ارتفعت بنسبة 75% منذ العام 1974 وحتى 2005، فيما ارتفع سعر القمح الى 90%، وفول الصويا الى 80%، ووصل سعر طن الذي لم يتجاوز سعره في مايو 2007 (200 دولار)، الى 400 دولار في أوائل ديسمبر.
وفيما يتعلق بدور وزارة الاقتصاد في الرقابة على حركة السوق، وحماية المستهلك، قال عويضة أن الوزارة بادرت بإجراء العديد من الفعاليات للحد من إرتفاع الأسعار بالرغم من أن عدد العاملين فيها لا يتجاوز 71 موظفاً معظمهم على العقود من أصل 506
بعد قرار رام الله تعليق العمل في الوزارة. وشرح هذه الفعاليات، ومنها “تفعيل لجان رقابة وتفتيش في كل المحافظات تتكون من 5 أفراد، وإصدار عدد من القرارات وتعميمها على التجار منها ضرورة التقيد والالتزام بوضع قائمة الأسعار، وتم تحرير مخالفات لمن لم يلتزم بالإعلان عن الأسعار، كما تم تحرير مخالفات إرتفاع أسعار ومحاضر ضبط، وعقدت اجتماعات متواصلة مع التجار، وعملت الوزارة على تحديد سعر كيس الدقيق وربطة الخبز بعد دراسة معمقة لهذا الهدف.
ودلل على هذه الاجراءات بالأرقام، موضحاً أن “عدد الجولات التفتيشية منذ نوفمبر الماضي وحتى أول مارس 2008 بلغت 417 جولة، تم التفتيش خلالها على 3227 محل تجاري، وحررت مخالفات لعدم الإعلان عن الأسعار لـ 131 تاجراً، وحررت 49 محضر ضبط، و40 محضر تحفظ منهم 12 للاسمنت الذي أدخل الى القطاع من العريش، كما حولت 68 عينة للتحليل، ووجهه 25 استدعاء، و173 مخالفة حولت للنائب العام، كما أتلفت الوزارة 53.854 طن من الأغذية الفاسدة”.
واستعرض عويضة معدلات الإرتفاع غير المسبوقة في الأسعار في قطاع غزة، مشيراً الى أن أسعار المستهلك سجلت في العام 2007 ارتفاعاً مقداره 26.87% مقارنة مع العام 2000، بواقع 28.16% في الضفة، و18.18 في غزة، الا أنه وبمقارنة هذه المعدلات بنظيراتها في عام 2006 يتضح أنه ولأول مرة ترتفع معدلات الأسعار في غزة عن الضفة الغربية والقدس، التي كانت دائماً معدلاتها أعلى من غزة، حيث وصلت في غزة الى 4.04%، فيما بلغت في الضفة 2.52%، وفي القدس 1.40%.
واعتبر أن الخروج من هذا المأزق يتمثل في “تشجيع الاستثمار في مجال الزراعة، وشراء السلطة المنتجات الزراعية بسعر السوق العالمي وتشجيع المزراعين، وزيادة رواتب الطبقة المتوسطة والفقيرة، وتأسيس جمعيات حماية المستهلك، وتفعيل دور الغرف التجارية بعيداً عن التسيس، وكسر الاحتكار، وتشكيل لجنة وطنية مشتركة من التجار والمستهلكين وممثلين عن الوزراات المعنية لتطوير آليات الرقابة، اضافة الى تعديل قانون حماية المستهلك، علاوة على دراسة امكانية قيام الحكومة بدعم المواد الأساسية الضرورية.
وفي ختام المداخلات الرئيسة قدم عدد من الحضور أراءاً غنية ومهمة عكست مدى اهتمام وتماس هذه القضية مع مصالحهم واهتماماتهم، أثارت أجواءً من النقاش الجاد حول سبل ايجاد مخرج من هذه الأزمة.
انتهى