10/8/2005

تصر وزارة الداخلية المصرية علي جعل عام الاصلاح السياسي والديمقراطى العام الأحلك سوادا في تاريخ الشعب المصري وقوى المعارضة.

ويبدو أنها فهمت الرسالة بالمقلوب وخلصت أن الاصلاح يعنى المزيد من القمع والقهر حتى لا يجرؤ مواطن واحد علي ان يرفع صوته. فالداخلية وتاريخها العامر بالانتهاكات المروعة لحقوق الانسان لا تفهم غير أن صلاح الأحوال في تكميم الأفواه

واختباء الناس في الجحور حتى لا يظهر علي السطح غير مؤيدى سياسات النظام الحاكم وتبدو الصورة امام الأمريكان والغرب أن مصر بلد الأمن والأمان وأن حكومات الطؤارئ المتعاقبة قادرة علي استتباب الأمن، وصمت الشارع هو دليلهم.. عملا بالمثل الشعبي الدارج ” السكوت علامة الرضا ”

فكان يوم الأربعاء الأسود 25/5 شاهدا علي هذا الفهم المقلوب حيث كانت فضيحة لم تشهدها مصر من قبل في تاريخها المعاصر، حين اعتمدت الداخلية وأجهزتها أسلوب هتك عرض المتظاهرات في الشوارع

ولشدة ذكائها لم تغير خطتها عندما رأت حجم المراسلين المصريين والعرب والأجانب الموجودين لتغطية يوم الاستفتاء علي الدستور، فكانت فضيحة مدوية للحكومة وتعرية لكل دعاوى الإصلاح الزائفة. مما حدى بالحكومة التغاضي لبعض الوقت عن سياسة القمع المفرط للتظاهرات السلمية المعارضة لمبارك.

ولكن الطبع غلاب.. فلم يتحمل النظام أن يقوم بتمثيل دورا يكرهه

ولم يعتاده فسريعا ما عاد أدراجه غير عابئ إلا بما شب وشاب عليه فقرر سحل المتظاهرين وتكسير عظامهم في 30/7 وكانت الأوامر تصدر علي مرأى ومسمع من الحضور ” هات الواد ده كسره وارميه في العربيه” عبارة تكررت مرارا وتكرارا وسجلتها عدسات الصحفيين ومراسلي المحطات الفضائية

فظهر جليا أن الهدف ليس تفريق المتظاهرين بل تكسير عظامهم حيث يتكالب عدد كبير من رجالات الأمن بملابس مدنية علي أحد المتظاهرين ويوسعونه ضربا في الضلوع والبطن والرأس ليس بأيديهم ولكن بهراوات الشرطة..

ألبستهم الداخلية ملابس مدنية لتدعى مرة اخري أنهم مواطنين تصدوا للمتظاهرين ولكن لم تكتمل الجريمة فالهراوات الميري كشفتهم وكشفت ادعائاتهم.

واستمرت الداخلية فى استكمال تصورها عن الإصلاح الديمقراطى، فبالاضافة للتنكيل بالمظاهرات بدات فى إفساد قضية الأربعاء 25/5

بدأت بالتحرش بشهود وقائع الإنتهاكات والتعدى عليهم بالضرب المبرح لدرجة إحداث اصابات استوجبت التدخل الطبي، وقبضت علي شاهد آخر” ساهر جاد ” ولفقت له تهمة التعدى علي ضابط واصابته في عينه واحتجزته عدة أيام ما بين قسم عابدين وقسم الخليفة وسجن طرة.

مع استمرار تهديد الصحفية نوال (إحدي ضحايا يوم الاستفتاء) عبر تليفون منزلها بهدف أجبرها على التراجع وسحب أقوالها..

وعلي الجانب الآخر نجد المستشار النائب العام متلكئا في تحريك الدعاوى الخاصة بهذا الشأن فيما يضع شبهات بأن النيابة العامة تنتظر ما تسفر عنه جهود أمن الدولة من ضغوط علي المجنى عليهن وعلي الشهود.

هذا وقد أفادت الصحفية “نوال علي” بأنه “بعد العديد من التهديدات بالتليفون لها ولوالدتها، وفسخ سيارتها مرتين

تم فصلها من الجريدة التى تعمل بها بسيناريو تمت صياغته علي مرحلتين حيث قدم رئيس مجلس إدارة جريدة الجيل استقالة للتأمينات الاجتماعية باسم نوال دون علمها، واشتراك التأمينات أحد الشروط الواجب توافرها لاستمرار عضوية نقابة الصحفيين

وقد سبق تقديم الاستقالة المزورة أن استدعي رئيس مجلس الإدراة الصحفية نوال وحذرها من الاستمرار في الدعوى وطلب منها التنازل عن الجزء الخاص باتهام وزارة الداخلية وأن تكتفي باتهام الحزب الوطني.

كما طلب منها وقف الحملة المطالبة بإقالة وزير الداخلية واعطاها مهلة زمنية للرد. رفض أثناءها نشر أية مقالات أو تحقيقات لنوال.

وعندما لم تنصاع للنصح في المهلة المحددة، منعت من دخول الجريدة في 7/8 وأبلغها الحارس أن ذلك بناء علي تعليمات رئيس مجلس الإدارة. وعندما سألت رئيس التحرير أكد لها صحة المعلومات مضيفا أنها قد فصلت من الجريدة”.

وأفاد ساهر ابراهيم جاد الصحفي بنفس الجريدة: “لست أول من يتعرض للاعتداء من أمن الدولة فقد سبق الاعتداء علي الشاهد الأول في القضية الزميل حسين متولي وهو أهم شهود واقعة الاعتداء علي نوال حيث أنه كان أقرب شخص لمكان الاعتداء وهو من خلع قميصه وألبسه لنوال بعد تمزيق ملابسها..

وقد تعرض حسين لضرب مبرح قرب منزله مما تسبب في جروح قطعية استلزمت التدخل الجراحى وكما أصيب بكدمات بكافة انحاء الجسم.ويضيف

” وصلنى تهديدا من ضابط بأمن الدولة يوم مظاهرة ميدان الأوبرا حيث بدأ بالتحرش بي قائلا” ممنوع الوقوف هنا، أخبرته أنني صحفيا فاستطرد ممنوع وقوف الصحفيين..

وعندما أصريت علي عدم ترك مكان المظاهرة هددنى ” أنا عارفك وحاوريك حأعمل فيك إيه، خلي الكارنيه بتاعك ينفعك” ويضيف ساهر:” وكانت أجهزة الأمن قد اتصلت بأحد أعضاء مجلس النقابة يوم 31/7 وقالت له ممنوع التواجد الصحفي في المظاهرات واللي حيخالف حيتقبض عليه”

هذا ويؤكد ساهر أن القبض عليه يوم السبت 6/8 كان بسبب قضية يوم الاستفتاء علي الدستور، ليس فقط بصفته شاهدا علي الأحداث ولكن لأنه بجانب ذلك كان يعد مع زملاء بنقابة الصحفيين لعدد من الفاعليات الخاصة بهذا اليوم طالبين من النائب العام سرعة تحريك الدعوى.

وعن التعامل معه اثناء الاحتجاز يقول” وقد حرمت بعد القبض علي من حقي في استخدام التليفون لابلاغ أهلي بمكاني كما لم يقدم لي أيه طعام طوال فترة احتجازى”.

وتطور الأحداث تظهر جليا حدود خبرة وفلسفة وزارة الداخلية، فإذا كان الضرب وهتك العرض قد أوقع النظام في حرج فلا يعنى هذا وقف العنف بل منع الصحفيين حتى لا تسجل الانتهاكات ويقع النظام في مازق جديد.

إن مركز النديم للعلاج والتاهيل النفسي لضحايا العنف إذ يستنكر كافة أشكال العنف والتعدي علي حرية الرأي والتعبير، ليجدد مطالبته بسرعة البت في الدعاوى القضائية الخاصة بالاعتداء علي المتظاهرات والمتظاهرين بدءا من يوم الاستفتاء وحتى اليوم

وأن يحال المتورطون في تلك الأحداث للمحاكمة العاجلة أيا ما كانت مناصبهم او مواقعهم. كما يطالب مجددا باقالة السيد حبيب العادلي وزير الداخلية الحالي بصفته المسئول الأول عما يصدر من مرؤوسيه.

ويطالب الحكومة المصرية بضرورة الالتزام بالدستور والمواثيق الدولية المعنية بحق التعبير السلمى واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو الحاطة بالكرامة.