23/4/2008

أصاب الحصار الإسرائيلي بالشلل معظم المرافق العامة والأعمال الخاصة، بما في ذلك قطاعات التعليم بمراحله المختلفة والصحة والعمل والزراعة والتجارة والنقل والمواصلات، في قطاع غزة. كما طال الشلل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والخاصة، وبدأت آثاره تظهر على عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. كما أن هناك تهديداً جدياً بتوقف الإمدادات الإنسانية، التي بات سكان القطاع يعتمدون عليها بشكل شبه كامل.

وتظهر نتائج مراقبة مركز الميزان لحقوق الإنسان التفاقم التدريجي لأزمة نقص الوقود والمحروقات وآثارها، التي بدأت تطال بشكل مؤثر نواحي الحياة كافة، ما يثير القلق في أن تتسبب الأزمة بانتهاكات أكثر خطورة، ذات آثار أكثر حدة على حياة ورفاه السكان المدنيين، خاصةً وأن هذه الأزمة جاءت في وقت يعاني فيه قطاع غزة من نقص حاد في الإمدادات المختلفة، وفي غياب أي مخزون يمكنه أن يلبي الاحتياجات الأساسية للسكان في حدها الأدنى.

وقد رصد المركز اليوم توقف شبه كلي لحركة وسائل النقل الداخلي، الأمر الذي يمس بحق كل إنسان في الحياة والرعاية الصحية والغذاء والتعليم والعمل.

ويعتقد المركز أن سلطات الاحتلال اتخذت خطوات متواصلة وتدريجية، دون إثارة ضجيج، أوصلت الوضع إلى ما هو عليه الآن، بحيث أصبح وصول المريض إلى المشفى أمر بالغ الصعوبة، في ظل صعوبة الاستعانة بسيارات الإسعاف. فقد دفع نقص الوقود المشافي إلى حصر حركة سيارات الإسعاف في إخلاء جرحى الهجمات الإسرائيليةوالحالات الطارئة جداً. ويترافق التعطيل الجزئي في حركة سيارات الإسعاف مع تصعيد قوات الاحتلال لهجماتها وارتفاع أعداد ضحاياها منذ بداية الشهر الجاري، بحيث بلغ عدد من قتلتهم تلك القوات (59) فلسطينياً من بينهم (15) طفلاً، والجرحى (105) جريحاً. وبذلك يرتفع عدد من قتلوا على أيدي قوات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري إلى (340) فلسطينياً.

وفيما تسمح سلطات الاحتلال بمرور إمدادات الغذاء والدواء على نحو محدود جداً بعد تقليص كمياتها وأنواعها، يتخوف المركز من أن لا تتمكن وكالة الغوث وشركات النقل من تشغيل الشاحنات التي تنقل هذه المواد من المعابر إلى داخل القطاع، ولاسيما وأن وكالة الغوث الدولية شرعت منذ مطلع الأسبوع الجاري باتخاذ تدابير لتقليص حركة موظفيها ومركباتها في ظل النقص الحاد في إمدادات الوقود، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف من أزمة النقص الحاد في الأدوية والمواد الغذائية التي يعاني منه سكان القطاع، هذا بالإضافة إلى آثاره المتمثلة في انتشار أوسع لسوء التغذية بين الأطفال والأمهات والسكان عموماً.

كما يشكل التهديد الدائم بانقطاع الكهرباء، جراء ارتباط عمل محطة توليد الطاقة في قطاع غزة على الوقود الذي يمر من خلال المعابر الإسرائيلية خطراً جدياً على الحق في الحياة، وعلى الحق في المياه، حيث بلغت قدرة السلطات المحلية على إمداد السكان بالمياه إلى أدناها، وصلت في بعض المناطق إلى ساعتين كل أربعة أيام.

ولوحظ عودة مظاهر انتشار القمامة على نطاق واسع في شوارع وأزقة مدن وقرى القطاع، بسبب تقليص حركة سيارات جمع النفايات وتوقف جزء كبير منها، الأمر الذي يثير قلق المركز من ارتفاع نسب تلوث الهواء والبيئة بصفة عامة، والأضرار التي يلحقها ذلك بالصحة العامة وصحة البيئة، في وقت تتراجع فيه قدرات المؤسسات الصحية بشكل غير مسبوق في ظل نقص الأدوية والمواد والمستلزمات الطبية وقطع الغيار.

وتشير المعلومات الميدانية التي جمعها المركز إلى وجود نقص حاد في توفر الخضروات في أسواق مدن القطاع، وذلك على الرغم من أن القطاع لديه اكتفاءً ذاتياً منها، بل أنه كان يصدر كميات كبيرة منها إلى الضفة الغربية وإسرائيل. وبلغت أسعار الخضروات أرقاماً غير مسبوقة وليست في متناول غالبية السكان، بحيث تجاوز سعر كيلو الطماطم الواحد مستوى الدولارين، في وقت تنتشر فيه ظاهرتا البطالة والفقر بين سكان القطاع. هذا بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي يتكبدها المزارعون، الذين لا يتمكن الكثيرون منهم من نقل منتجاتهم إلى الأسواق بسبب توقف وسائل النقل.

وفيما يتعلق بقطاع التعليم الجامعي أعلنت الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة استئناف الدراسة بدءاً من اليوم، حيث تجمع مئات الطلاب والمواطنيين في مواقف السيارات وعلى مفترقات الطرق، منذ ساعات صباح الأربعاء الموافق 23/4/2008، بعد أن قطع غالبيتهم المسافة بين منازلهم ومواقف السيارات سيراً على الأقدام، ولكن مواقف السيارات الرئيسة كانت شبه خالية من السيارات، ولوحظ تدافع المواطنين بمجرد رؤية سيارة في أي اتجاه، يشار إلى أن الحصول على مقعد في سيارة أمر متعذر حيث يتكدس الركاب ليتجاوز عددهم ضعف حمولة السيارة في أفضل الأحوال، وتجدر الإشارة إلى أن الجامعات الفلسطينية في القطاع كانت أعلنت تعليق الدراسة منذ صباح الاثنين الموافق 14/04/2008، واضطرت للعودة عن قرارها بعد أن أصبحت نهاية العام الدراسي على الأبواب.

كما رصد باحثو المركز توقف جزئي طال التعليم المدرسي، بسبب تغيب المعلمين الذين يسكنون في أماكن بعيدة عن مكان عملهم، وبسبب نسب التغيب الكبيرة في صفوف الطلاب، والتي فاقت 20% وخاصة طلاب المرحلة الابتدائية الذين لا يقوون على السير لمسافات طويلة، بعد أن توقفت الحافلات التي تقلهم عن العمل.

والجدير ذكره أن مجموع كميات الوقود والحروقات التي سمحت قوات الاحتلال بدخولها إلى القطاع خلال شهر نيسان (أبريل) الجاري، لم تتجاوز ما كان يتزود فيه القطاع خلال ثلاثة أيام، باستثناء السولار الصناعي المستخدم لتشغيل محطة توليد الطاقة الكهربائية، حيث سمحت بمرور (1306410 لتر) من السولار وهي أقل من 25% من معدلاتها السابقة، (13500 لتر) من البنزين وهي تقل عن الكمية التي كان يسمح بمرورها في اليوم الواحد، (0) الكاز الأبيض و(2059 طن) من غاز الطبخ ووهي كمية لا تتجاوز 35% من معدلاتها السابقة.

مركز الميزان لحقوق الإنسان يستنكر ويدين بأشد العبارات تصعيد سلطات الاحتلال الإسرائيلية لجريمة العقاب الجماعي، من خلال منع وتقليص إمدادات الوقود والمحروقات إلى قطاع غزة، وهي إجراءات تقوض حقوق الإنسان بشكل خطير، وتتنافى مع الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني للسكان المدنيين تحت الاحتلال.

كما يدين المركز استمرار توظيف العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان لأغراض سياسية، ويطالب المجتمع الدولي باتخاذ موقف إزاء ما يجري في قطاع غزة جوهره واجب كل دولة بأن تحترم القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان، ويظغط على إسرائيل لتوقف سياسة العقاب الجماعي وغيرها من الجرائم، التي تعرض حياة المدنيين وممتلكاتهم أفراداً وجماعات لخطر حقيقي وداهم.

ويعيد المركز التأكيد على أن العقاب الجماعي بجميع أشكاله محظور بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، الذي يوجب كذلك على أي قوة تفرض سيطرتها الفعلية على أي أراضِ محتلة تأمين الحاجات الأساسية للسكان المدنيين، وليس منعهم من تأمينها، وعلى أن مخالفة هذه النصوص تعد مخالفات جسيمة للقانون الإنساني، توجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات لوقفها، والتدخل من أجل تأمين الحماية للمدنيين.

انتهى