15/4/2009
تتواصل معاناة سكان قطاع غزة متعددة الأوجه, وتشكل معاناة المرضى فيه مشكلة كبيرة وبالغة التعقيد، حيث يحرم كثير من المرضى المصابون بأمراض خطيرة ممن لا تستطيع المستشفيات الفلسطينية التعامل معهم – كأمراض السرطان والقلب والأوعية الدموية – من الوصول إلى المستشفيات، الأمر الذي يهدد حياتهم وتسبب بالفعل بموت العشرات منهم. وتواصل قوات الاحتلال فرض حصارها المشدد على قطاع غزة، مما يلقى بظلال قاتمة على حق الإنسان في قطاع غزة في تلقي الرعاية الصحية، بحيث أسفر الإغلاق عن نقص واضح في عدد كبير من أصناف الأدوية وبعض المستلزمات الطبية، الأمر الذي ساهم في ازدياد عدد الحالات التي تحتاج إلى علاج لا يتوفر في قطاع غزة.
وتلقي حالة الانقسام السياسي بظلالها السلبية أيضاً على قدرة هذه الفئة من المرضى على الوصول إلى الخدمات الطبية المتخصصة خارج قطاع غزة، من خلال عمليات البيروقراطية التي كانت تجابه المرضى، التي تستغرق وقتاً طويلاً في أغلب الأحيان، لحين حصول المريض على قرار تحويله للعلاج بالخارج، الأمر الذي تفاقم بعد قرار وزير الصحة في حكومة رام الله الدكتور فتحي أبو مغلي الصادر بتاريخ 18/01/2009 بوقف التحويلات للعلاج داخل المستشفيات الإسرائيلية. وهو قرار لم يأخذ في الحسبان الآثار المأساوية على المرضى الذين لديهم تاريخ من تلقي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية ويضطرون إلى المراجعة بين فترة وأخرى. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالحالات العاجلة التي تحتاج إلى تحويل كما أنه تجاهل الوضع القانوني لقطاع غزة كونه أراضٍ محتلة وأن إسرائيل هي قوة الاحتلال الحربي الملزمة وفقاً لقواعد القانون الدولي بتوفير الرعاية الصحية لمن لا تتوفر لهم في المستشفيات المحلية، وبضمان حسن تسيير المنشآت الطبية وضمان سلامة مرور إمداداتها.
وتصاعد الأمر بعد سيطرة وزارة الصحة في قطاع غزة عند حوالي الساعة 14:00 من مساء يوم الأحد الموافق 22/3/2009، على دائرة العلاج في الخارج والواقع مقرها في حي الرمال غرب مدينة غزة بالقرب من فندق الأمل، وذلك عندما توجه أحد المدراء المعينين في وزارة الصحة في حكومة غزة إلى الدكتور بسام البدري مدير دائرة العلاج في الخارج في مكتبه وكان يحمل قراراً من وزير الصحة في غزة الدكتور باسم نعيم يقضي بإخلاء المقر وتسليم عمل اللجنة إلى وزارة الصحة في حكومة غزة، وأيضا تسليم الأختام المستعملة في التصديق على معاملات العلاج في الخارج، ولكن الدكتور البدري رفض تسليم الأختام وتحت إصرار موفد وزارة الصحة قام بتسليمها، من ثم قام موظفو العلاج بالخارج مع الدكتور البدري بإخلاء المكاتب ومغادرة المبنى ما خلق حالة من الفوضى والتذمر من قبل ذوي المرضى المراجعين. ومن الناحية العملية فإن هذا القرار يعني وقف كافة جهود التنسيق لخروج المرضى عن معبر إيرز، فبعد أن حرمهم قرار وقف التحويل للمستشفيات الإسرائيلية جاء القرار الأخير ليوقف تنسيق مرور المرضى ووصولهم إلى مستشفيات الضفة الغربية لأن قوات الاحتلال ترفض التعامل وإجراء التنسيق إلا من قبل الجهات المخولة من قبل حكومة رام الله.
هذا وفيما المرضى يعانون آلام المرض ويعيشون أوضاعاً نفسية صعبة وهم يشعرون بأن الموت يحدق بحياتهم، يتبادل الطرفان الاتهامات حول عدم المساواة والشفافية في التعامل مع المرضى الذين تقتضي أوضاعهم الصحية تحويلهم للعلاج خارج المستشفيات التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية.
ففيما تدعي وزارة الصحة في غزة أن الموظفين المخولين بإنجاز معاملات العلاج بالخارج من وزارة الصحة في حكومة رام الله يستخدمون معايير مزدوجة في الإجراءات ولاسيما التعامل بنظام الواسطة والمحسوبية، تحاجج حكومة رام الله بالأمر نفسه بأن حكومة غزة تضغط لانجاز تحويلات لأشخاص لا تقتضي حالتهم العلاج بالخارج وتشير بذلك إلى اتهامات شبيهة من الجانب المصري.
ويتهدد الموت المرضى الذين يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية، حتى من حصل منهم على تحويلة قبل دخول القرارات الجديدة حيز التنفيذ والتدهور الأخير الحاصل بين الطرفين. وكذلك الأمر بالنسبة للمرضى المحولين للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية والمراكز التخصصية، لأن موظفي الارتباط بوزارة الصحة توقفوا عن مزاولة عملهم وإجراء التنسيق، بعد أن أصدرت حكومة غزة قراراً يقضي بتوقفهم عن العمل. كما تلقى الموظف المعني قراراً من وزارة الشئون المدنية في حكومة رام الله يمنعه من جراء أي تنسيق لمرضى قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالتحويل للعلاج في المستشفيات العربية وغيرها من المستشفيات خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أصبح المرضى ضحية الصراع السياسي، فموظفو المعبر من الجانب الفلسطيني يمنعون المرضى الذين يحملون تحويلات صادرة عن وزارة الصحة في حكومة رام الله، تحت مبرر أن هذه التحويلات ليست رسمية كونها صادرة عن جهة غير شرعية، وأنهم بحاجة للحصول على تحويله من وزارة الصحة في حكومة غزة، وهنا يضطر المريض إلى معاودة القيام بكافة الإجراءات بما في ذلك توقيع أطباء جدد معتمدين من وزارة الصحة في حكومة غزة، وحسب تحقيقات مركز الميزان في هذا الخصوص فإن المرضى يستخدمون هذه التحويلة فقط لاجتياز الجانب الفلسطيني من معبر رفح ومن ثم يخفونها ويظهرون التحويلة المعتمدة من حكومة رام الله، لأنه وحسب إدعاءات عدد من المرضى فإن الجانب المصري من المعبر يسمح فقط لحاملي تحويلة حكومة رام الله بالمرور بالنظر إلى ما تتضمنه تغطية مالية لنفقات العلاج.
كما تواجه المرضى من الموظفين الذين استنكفوا عن مزاولة العمل ولازالوا يتلقون رواتبهم من الحكومة في رام الله مشكلة التأمين الصحي، حيث يتم اقتطاع مخصصات التأمين الصحي الحكومي من رواتبهم آليا كل شهر، وللانتفاع من خدمات التأمين الصحي يضطر هؤلاء للاشتراك مرة ثانية من خلال إدارة التأمين في وزارة الصحة في غزة ويدفعون المستحقات مرة أخرى الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً عليهم. هذا وتلقى مركز الميزان لحقوق الإنسان العديد من الشكاوى من المرضى الذين حرمتهم هذه الإجراءات من الوصول إلى المستشفيات، بما في ذلك استمرار الخلافات الداخلية حول ملف العلاج بالخارج.
مركز الميزان لحقوق الإنسان ومن منطلق تكثيف الجهود وتواصلها من أجل حل هذه المشكلة وتأكيداً على جهود المؤسسات الفلسطينية الأخرى في هذا السياق فإنه يجدد مطالبه بضرورة الحل الفوري لهذه المشكلة التي باتت تهدد على نحو خطير حياة فئة من المواطنيين وتضاعف من معاناتها بالرغم من كونهم مواطنين يتمتعون بحقوقهم على قدم المساواة ودون أي تمييز وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني، الذي يؤكد على احترام حقوق الإنسان بل والسعي دون إبطاء للانضمام إلى المواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة، والذي يشمل ضمان الوصول إلى الخدمات الصحية اللازمة للحفاظ على حياة وصحة كل إنسان.
ويجدر التذكير بأن الرعاية الصحية حق من حقوق الإنسان الأساسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة رقم (25) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة رقم (12) التي تشدد على حق الإنسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة الجسدية والعقلية.
عليه فإن مركز الميزان يدعو الحكومتين في غزة ورام الله إلى تقدير خطورة الموقف وآثاره الكارثية على حياة مرضى قطاع غزة والعمل وبأقصى سرعة إلى التوافق وحل العقبات كافة التي تحول دون وصول مرضى قطاع غزة المحولين للعلاج بالخارج إلى المستشفيات والنظر في الآليات التي من شأنها تذليل العقبات التي تواجههم وتقديم الدعم والمساندة لهم ليس للاعتبارات الإنسانية فقط بل ولأن هذا الأمر هو من صميم واجبات السلطة التنفيذية تجاه مواطنيها.
انتهى
مركز الميزان لحقوق الإنسان