دمشق ، 3 تموز / يوليو 2004
تأكد مساء اليوم إطلاق سراح ثاني أقدم سجين في العالم ، عماد شيحة ، بعد حوالي ثلاثين عاما من الاعتقال على ذمة المنظمة الشيوعية العربية ، جاب خلالها معظم المعتقلات والسجون المدنية والعسكرية في سورية . وعلم ” المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية ” أن حوالي أربعين آخرين ينتمون إلى التيار الإسلامي تم إطلاق سراحهم أيضا . وكان عماد شيحة قد نقل في التاسع عشر من الشهر الماضي من السجن العسكري الأول (سجن صيدنايا) إلى الفرع 248 ( فرع التحقيق العسكري في شعبة المخابرات العسكرية ) ، حيث تعرض هناك إلى ضروب من الضغط والابتزاز والمماطلة في إطلاق سراحه الفوري . وأسوة بالدفعة الأولى التي أطلق سراحها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ، فإن جميع من أطلق سراحهم اليوم قد أنهوا ” أحكامهم ” الصادرة عن محاكم استثنائية عسكرية وشبة عسكرية منذ عدة سنوات . ومعظمهم يعاني من أمراض فتاكة لا تقود إلا إلى بوابة الموت. ويأتي إطلاق هذه الدفعة الجديدة من ” الرهائن السياسيين ” في عداد 208 معتقلين قرر النظام الحاكم إطلاق سراحهم مؤخرا بعد أن تكفل بإيصالهم إلى حافة القبر .
إن المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية ، وإذ يتقدم بأحر التهاني للرهائن المحررين ، ولذويهم ، ويتمنى لهم المعافاة السريعة من الأمراض الفتاكة التي تحيق بهم نتيجة ظروف الاعتقال الوحشي التي مروا بها ، والتعذيب البربري الذي تعرضوا له خصوصا في جحيم سجن تدمر الصحراوي ، يود التأكيد على أن إطلاق سراح هؤلاء ، وإذا ما تجاوزنا القيمة العزيزة المتمثلة في رؤيتهم ” أنصاف أحرار ” بين ذويهم ومحبيهم ، ليس له أي قيمة على صعيد المصالحة الوطنية في البلاد ، لاسيما وأن هناك ما يقارب السبعة عشر ألفا لم يزالوا في عداد المفقودين ، وأن أقدم سجين سياسي في العالم ، فرحان الزعبي ، لم يزل في زنزانته الانفرادية منذ 34 عاما ، وأن الدكتور عارف دليلة في وضع صحي حرج ، والدكتور عبد العزيز الخير ورياض سيف ومأمون الحمصي وحبيب عيسى وكمال اللبواني وبقية زملائهم لم يزالوا في ذمة طغمة أعمى بصرها وبصيرتها الحقد والكراهية ، وأن حملات الاعتقال لم تزل مستمرة ، والموت تحت التعذيب لم يتوقف ، والذي كان آخره يوم أمس حين قضى المواطن الكردي أحمد حسين حسين ، وهو أب لأربعة أطفال ، على أيدي وحوش وذئاب المخابرات العسكرية بعد ضربات قاتلة على الرأس والقلب بالعصي والقضبان الحديدية والكابلات الفولاذية !!
نعم ، سيخرج هؤلاء من زنازينهم الصغيرة ، ولكن إلى زنزانة كبرى لم تزل تزداد اتساعا حتى باتت جدرانها الشاهقة تضم اليوم 20 مليونا من الرهائن الذين لا أمل بإطلاق سراحهم في المستقبل المنظور إلا بمعجزة سياسية دولية ، طالما أن الطغمة الحاكمة لم تحصل على السعر السياسي الملائم لها من أوربة وواشنطن ! سعداء نحن لرؤيتكم بيننا ، وحزانى لآلامكم ولما تركتموه خلفكم من رهائن بالمئات ومفقودين بالآلاف ومقابر جماعية لم تزل تغوص بسكانها يوما إثر آخر في غياهب النسيان .. لأن معظمنا فقد ذاكرته ولم يعد يتذكر إلا الساعة التي تتكرم في السلطة بإلقاء عظمة له على بوابة دكانه السياسي أو الحقوقي !