23/4/2005
تستأنف محكمة أمن الدولة العليا ، شبه العسكرية ، محاكمتها يوم غد للمحامي أكثم نعيسة ، الناشط في مجال حقوق الإنسان ، بعد أن قررت سلطات النظام السوري ، في سابقة هي الأولى من نوعها ، إطلاق سراحه بكفالة مالية قبل بضعة أشهر ومحاكمته وهو مطلق السراح بدلا من محاكمته وهو رهن الاعتقال كما جرت العادة ، ورفع القيود على حرية حركته خارج البلاد .
ويعتقد أن السلطات السورية اتخذت هذا الإجراء في حينه لأنها قررت طي ملف الدعوى أو تبرئته من التهم الموجهة إليه كما فعلت إزاء قضية مراسل صحيفة ” الحياة ” اللندنية في دمشق السيد ابراهيم حميدي قبل فترة وجيزة .
ومن الواضح أن هذا الشكل ” الجديد” من التعاطي مع بعض القضايا المنظورة من قبل هذه المحكمة الاستثائية شبه العسكرية إنما يندرج في إطار لعبة رسمية خبيثة تهدف إلى تبييض الوجه الأسود لهذه المحكمة التي تفتقد لأي شرعية قانونية ، سواء بالمعايير المحلية أو الدولية .
كما وتهدف إلى ” شرعنة ” وجود هذه المحكمة على الأقل معنويا ، وجعل المواطنين السوريين وممثلي المجتمع المدني يسلمون بوجودها كأمر واقع من خلال ” قوننة ” ممارساتها عبر الإيحاء بأنها قادرة على تبرئة بعض المتهمين وطي ملفاتهم ، بمقدار ما هي قادرة على إنزال أشد العقوبات بمعتقلين آخرين على خلفية قضايا مكانها الطبيعي في القضاء العادي .
وتندرج هذا التوجه ، كما يمكن لأي مراقب أن يلاحظ ، في إطار سياسة ” قوننة القمع ” التي ينتهجها النظام السوري في محاولة منه لامتصاص الضغوط الدولية غير المسبوقة التي يتعرض لها لأسباب مختلفة .
لقد سبق لمنظمتنا أن ناشدت المحامين السوريين مرات عديد في الماضي بأن يقاطعوا هذه المحكمة ، وأن لا يمنحوها شرف مرافعتهم أمامها ، لأن مرافعتهم أمامها تعني ، ولو ضمنا ، اعترافهم بشرعيتها غير الموجودة أصلا . ولأن قبولهم بالمرافعة أمامها يشكل مفارقة غريبة عصية على الفهم وغير منطقية ، بالنظر لأن هؤلاء المحامين هم في عداد الأصوات التي تنفي شرعية المحكمة وتطالب بإلغائها .
ويغدو التساؤل عن موقفهم هذا أمرا مشروعا وواجبا وضروريا .
إذ كيف يقبل المحامون بالترافع أمام محكمة يعتبرونها غير شرعية ؟ ألا يشكل هذا تناقضا صارخا في مواقفهم ؟
لقد اقترحنا في مناشداتنا السابقة ” حلا وسطا ” لتجاوز هذه الإشكالية ، وهي أن يكتفي المحامون بإرسال مندوب واحد عنهم إلى المحكمة تكون مهمته الوحيد هي ” المراقبة القضائية ” لجلسات المحكمة ، وإبلاغ الرأي العام والصحافة بما يدور داخلها ، وليس الترافع أمامها .
وبكل أسف لم تجد مناشداتنا السابقة أي أذن صاغية من قبل المحامين وأصروا على الترافع أمامها في الوقت الذي يوجهون لها أقسى النعوت ، وهي ـ على أي حال ـ نعوت صحيحة وفي مكانها!
لهذا تتوجه منظمتنا اليوم للمحامي أكثم نعيسة ، وهو يجمع ما بين صفتي الناشط الحقوقي والمحامي في آن واجد ، راجية منه أن يبادر هو إلى ما امتنع عنه المحامون . ونعني رفضه الإجابة على أسئلة ” قضاة ” المحكمة ، والتزامه الصمت المطبق ، والاكتفاء بعبارة موجزة واحدة :
” هذه المحكمة غير شرعية وغير دستورية ، ولن أجيب على أي سؤال من أسئلتها ” .
ويمكنه أيضا ، إذا كان لديه استعداد لمثل هذا التوجه ، أن يمتنع عن المثول أمامها نهائيا طالما أنه ” محمي من البرلمان الأوربي ” كما قال مؤخرا في أحد تصريحاته .
إن منظمتنا تدرك جيدا أن هذه المحكمة ستبقى جزءا من ” النظام القضائي ” السوري إلى أمد غير مسمى ، طالما لم يبادر المحامون والمتهمون إلى اتخاذ هذا الشكل من المواقف الجذرية إزاء هذه المحكمة القرقوشية .
فمن يجرؤ على تعليق الجرس في رقبة هذا القط المتنمّر !!؟؟