23/2/2006

أصدر الرئيس بشار الأسد اليوم مرسوما يقضي بتعيين السيدة الدكتورة نجاح العطار نائبا لرئيس الجمهورية ، مفوضا بتنفيذ السياسة الثقافية . وقد أدت السيدة العطار اليمين الدستورية اليوم لتصبح بذلك أول امرأة في العالم العربي تشغل منصبا سياسيا على هذا المستوى ، رغم أن مجتمعات ” إسلامية” أخرى أكثر تخلفا من سوريا بالمعنى التاريخي ، من الناحية الاجتماعية والثقافية والسياسية ، قد سبقتنا إلى ذلك . ولا داع للتذكير ببنغلادش والباكستان وسيلان .. وصولا إلى عدد من دول أفريقية جنوب الصحراء !

ينطوي تعيين السيدة العطار في هذا المنصب على أهمية رمزية ، سياسية وثقافية ، رغم تأخره أكثر من أربعين عاما .

وتأتي أهميته الرمزية من العوامل التالية :

أولا ـ إن منصب ” نائب رئيس الجمهورية ” يندرج في إطار ” الولاية السياسية ” التي يحرم الفقه الإسلامي ، في أغلبيته الساحقة وبما يشبه الإجماع ، إسنادها للمرأة . وإن تعيين امرأة في هذا المنصب ، يشكل تحديا رمزيا هاما جدا لهذا الفقه ” الطالباني ” الذي بدأ يستشري في سوريا على نحو غير مسبوق .

ثانيا ـ إن قيمة هذا الإجراء يكتسب ميزة خاصة من صاحبة المنصب بصفتها الشخصية . فهي إلى كونها شقيقة المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، عصام العطار ، وسليلة عائلة إسلامية محافظة ، متزوجة من اللواء الطبيب ماجد العظمة ( الذي كان مقربا من أوساط اليسار الماركسي) ، وشكلت خلال وجودها على رأس وزارة الثقافة طيلة ربع قرن تقريبا ( 1976 ـ 2000 ) واحدة من مفارقات الديكتاتورية الجديرة بالتأمل . فخلال وجودها على رأس تلك الوزارة ، تحولت وزارتها إلى ما يشبه جزيرة ” أنوارية ” في ” بحر ظلمات” الديكتاتورية . وفي ظل إدارتها نشرت الوزارة أهم وأعظم ومعظم المنجزات الفكرية والثقافية الأنوارية التي طبعت تقدم البشرية في عصرها الحديث .

ولا أدل على المفارقة المشار إليها من أن الوزارة نشرت كتاب ” رأس المال” ( وهي أكمل وأدق طبعة بعد طبعتيه الألمانية والفرنسية ) ، واستقطبت ثلة من خيرة ممثلي الثقافة الوطنية الديمقراطية ( وفي طليعتهم المفكر أنطون مقدسي والروائي حنا مينة والباحث محمد كامل الخطيب ..إلخ )، ونشرت إبداعات لمثقفين مبوذين سلطويا في الوقت الذي كانت السلطات تشن حملات هولاكية ضد القوى اليسارية والديمقراطية الحقيقية ! ومما يؤكد الدور ” الشخصي ” الذي لعبته السيدة العطار في إعطاء تلك الوزارة عصرها الذهبي ، أن الوزارة انحطت إلى أسفل سافلين بعد مغادرة السيدة العطار ، وتحولت إلى ” شعبة مخابرات ثقافية ” ومستودع للعصي والهراوات التي تنتظر أي قلم مبدع لكسره وتحطيمه .

وكان أول قلم حطمته هذه الهراوات في ظل الوزيرة التي خلفتها ( شاعرة البلاط ـ مها قنوت) هو قلم أنطون حمصي نفسه. فقد مارست مها قنوات عملها كوزيرة للثقافة برتبة عريف في مخفر عبد الله الأحمر وأحمد درغام ! ولم يشذ سلوك جميع الوزراء اللاحقين للسيدة العطار، ذكورا وإناثا ،عن هذه القاعدة ” الثقافية” ـ المخابراتية ! مع ذلك ، إن تعيين السيدة العطار في هذا المنصب ، ورغم كل دلالاته الرمزية الإيجابية ، ورغم كل يمكن أن تقوم به في موقعها الجديد لجهة إعادة الاعتبار للثقافة و المؤسسات التي ترعاها في سوريا ، لن يعمل الوضع العام إلا على تفريغه من أي محتوى إيجابي .

ـ فهو يأتي في الوقت الذي تستمر أجهزة المخابرات بملاحقة واعتقال نشطاء حركة حقوق الإنسان والمثقفين والتضييق على الحريات العامة وخنقها ؛

ـ وهو يأتي في الوقت الذي تعطي في السلطة الديكتاتورية الضوء الأحمر لفقهاء الإرهاب ومريديهم ، من عملاء وزارة الأوقاف و ” مجمع أبي النور” و ” دور الأسد لتحفيظ القرآن ” ، لمهاجمة السفارات وحرقها واستخدام منابر المساجد لتكفير هذا الكاتب وتلك الكاتبة ؛

ـ وهو يأتي بعد أيام من ضرب وسحل كاتبة روائية ( سمر يزبك) في الشارع من قبل قطعان ” الميليشيات ” الطلابية البعثية ؛

ـ وهو يأتي ، قبل ذلك وبعده ، في ظل هجمة أصولية مرعية سلطويا ضد كل قيم التنوير والعقلانية ؛ وفي ظل فشل ” البعث ” ، بعد حوالي نصف قرن من مشروعه ” العلماني ” المزعوم ، في إحداث أي نقلة نوعية لجهة ما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالمرأة : فهي لم تزل محرومة من منح جنسيتها لأطفالها حين يكون الأب أجنبيا ؛ وهي لم تزل تخضع لتمييز إجرامي حين يتعلق الأمر بحضانتها أطفالها عند الطلاق ؛ وهي لم يزل محضورا عليها ( إن كانت مسلمة ) أن تتزوج مسيحيا تحبه إلا إذا أشهر إسلامه باعتباره ذميا منبوذا ؛ وهي لم تزل خاضعة في زواجها وطلاقها لقوانين لا تختلف كثيرا عن تلك المعمول بها في تورا بورا الطالبانية ، وليس أقله قانون الأحوال الشخصية الإسلامي الأصولي الذي يبيح تعدد الزوجات الذي أصبح شكلا من أشكال تشريع الدعارة وقوننتها !

كان من المفترض أن تكون خطوة تعيين السيدة العطار نانئبا لرئيس الجمهورية حدثا منسجما ومتساوقا ومتكاملا مع جملة إجراءات تشريعية تجد حلولا ديمقراطية علمانية حداثية للمشكلات المزمنة التي أشرنا إلى بعضها . أما أنه يأتي معزولا عن ذلك كله ، فإنه لا يمكن تفسيره وفهمه في ظل أزمة النظام إلا بكونه رسالة ” سياسية ” موجهة للخارج ” الغربي ” ، وبشل خاص الأميركي ، مفادها : عليكم أن تختاروا بين نظام يقبل أن تكون فيه المرأة نائبا لرئيس الجمهورية ولو صوريا ، ونظام آخر سيأتي على أنقاضه محملا ” حتما ” بالشادور وهيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجيوش من ” المطاوعة ” !