10/3/2007

في الثامن من آذار 1963 أعلنت حالة الطوارئ في البلاد نظرا للتغيير الذي حصل بالسلطة على إثر انقلاب عسكري. فعاش الشعب السوري طوال هذه المدة وما يزال تحت مطرقة قانون الطوارئ وسنديان الأمن مرهوناً للخوف والإرهاب من قبل أجهزة الأمن في الدولة، مصاباً بالشلل والاغتراب. ومنذ ذلك التاريخ اغتصبت السلطة الحاكمة أرادته وغيبت دورة وصادرت حقوقه في بناء حاضرة وتقرير مستقبلة.

إن حالة الطوارئ المعلنة تستند إلى المرسوم التشريعي رقم 51 لعام 1962 وتنص المادة 2 منه على ما يلي :
أ‌- تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه، على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له .
ب‌- يحدد المرسوم القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا المرسوم التشريعي دون الإخلال بأحكام المادة الخامسة منه.

وتنص المادة الخامسة ما يلي:
أ- يجوز لمجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية توسيع دائرة القيود والتدابير المنصوص عليها في المادة السابقة عند الاقتضاء، بمرسوم يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له.
ب‌- ويجوز لهذا المجلس تضييق القيود والتدابير المشار إليها .

وقد حددت المادة الرابعة من قانون الطوارئ صلاحيات الحاكم العرفي بالتالي :
1- إن إعلان حالة الطوارئ منوطة بالسلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء المجتمع برئاسة رئيس الجمهورية وذلك في الفترة السابقة لصدور الدستور الحالي لعام 1973 ، وبرئيس الجمهورية منفردا في الفترة التالية لنفاذ هذا الدستور .

2- تختص السلطة التشريعية بالمصادقة على حالة الطوارئ، وإن عرض مرسوم الإعلان على مجلس النواب ليس لإعلامه فحسب ، وإنما للمصادقة على المرسوم ، وتعتبر مصادقة مجلس الشعب من الشروط الجوهرية لنفاذ حالة الطوارئ ، لتعلقها بإرادة الشعب والنظام العام والحريات العامة.

ويستنتج مما سبق أن حالة الطوارئ كما هي نسبتها حالة استثنائية أو طارئة، وكل طارئ هو مؤقت فلا بد أن يكون لها بداية ونهاية وهي حالة لها علاج غير اعتيادي مؤقت واستثنائي ويجب أن تعالج على هذا الأساس.

وتبعا لذلك فإن النظام الذي يحكمها يتخذ هذا الشكل من الاستثناء والتوقيت والعلاج غير العادي، وإن في استدامة هذا النظام ما يتعب الشعب ويقيد فعاليته ويشل الشعور بالإبداع والتقدم ويرهق معنوياته.

فإعلان حالة الطوارئ انقضت فعليا بمرور الزمن وانقضاء الحالة التي أعلنت من أجلها، وهي تغيير السلطة الذي تم في الثامن من آذار على يد أفراد القوات المسلحة، وباستقرار الحكم لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار هذه الحالة المؤقتة. وذلك دون الدخول في تفاصيل إعلان حالة الطوارئ كونها من صلاحيات مجلس الوزراء المنعقد برئاسة الجمهورية وهو مالم يحصل حين إعلانها في الثامن من آذار عام 1963 .

ثم إن الدستور السوري الصادر عام 1973 وهو يعلو كل قانون باعتباره أبا القوانين وقد صدر متأخرا عن إعلان حالة الطوارئ ، مما يعتبر هذه الحالة ملغاة ضمنا وإن كان لم يصرح عنها، وذلك في مواده 25-49 .

كما أن المادة 1.1 من الدستور قد نصت على مايلي:
“يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون”.

وبذلك فقد أضحى إعلان حالة الطوارئ من صلاحيات رئيس الجمهورية خلافا لنص قانون الطوارئ، ولم يعمد رئيس الجمهورية إلى تجديد إعلان حالة الطوارئ هذه منذ صدور الدستور وحتى تاريخه مما يعني انتهاء هذه الحالة بمقتضى الدستور الجديد، واتجاه نية المشرع لإلغائها فعلا.

لهذه الأسباب فإن حالة الطوارئ في سورية تعتبر غير نافذة واقعيا ودستوريا باعتبار أن الحالة التي أعلنت من أجلها حالة الطوارئ قد انقضت بفعل الزمن وبفعل الدستور مما يستتبع عدم قانونية كافة القرارات الصادرة بالاستناد إليها، وخاصة أوامر الاعتقال دون محاكمة، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وبرغم أن العديد من الدراسات والمذكرات قد قدمت إلى القضاء في هذا الموضوع إلا أن أي محكمة لم تجرؤ حتى الآن للتصدي لهذا الموضوع وأن تقول رأيها فيه بصورة واضحة جلية .

إن إعلان حالة الطوارئ نقل جانب من اختصاصات القضاء العادي إلى المحاكم العسكرية أو المحاكم الاستثنائية ، فتمتد بذلك ولاية هذه المحاكم إلى محاكمة المدنيين عن جرائم هي بحسب الأصل من جرائم القانون العام.

ومن المعلوم أن هذه المحاكم عادة ـ تفتقر إلى الاستقلال والحيدة ولا تتوافر في إجراءاتها الضمانات القضائية المتطلبة لتحقيق العدالة للأسباب التالية :
1 ـ أن هذه المحاكم يتم تشكيلها ـ في الغالب ـ من ضباط ، يتم تعينهم بواسطة السلطات العسكرية، أو سلطات الطوارئ وبالتالي فإن قضاتها تابعين لعهدة السلطات ، وخاضعين لمبدأ تدرج السلطات والرتب العسكرية ، وهو الأمر الذي يفقدهم ويفقد بالتالي ـ هذه المحاكم عنصري الاستقلال والحيدة وهما ضمانتان أساسيتان لتحقيق العدالة.

2- انعدام ممارسة السلطة القضائية لأية صلاحية بصدد الاعتقالات، سواء لجهة الأمر بالاعتقال أو تنفيذه، ومسؤولية التحقيق مع المعتقل، أو معاقبته، أو الإفراج عنه، فضلا عن أن ذلك يتعارض مع الفقرة 3 من المادة 9 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها سورية.

3 ـ أن إجراءات المحاكمة أمام هذه المحاكم والتي تنظمها قوانين الطوارئ عادة ما يشوبها الإخلال الشديد بحقوق المتهم في الدفاع، فالمحاكم العسكرية أو المحاكم الاستثنائية يمكن أن تقضى بتوقيع عقوبة الإعدام، أو السجن مدى الحياة، دون مراعاة توجيه الاتهام الجنائي للمتهم بشكل محدداً، دون تمكينه من إعداد دفاعه، أو من الاستعانة بمحام يختاره بحرية للدفاع عنه، وهي غالباً ما تصدر أحكامها، بناء على فحص سريع للأوراق، أو من واقع التحقيقات الابتدائية وقد تكون مدفوعة في ذلك بعوامل خارجية تتنافى مع حق المتهم في التمتع بقرينة البراءة. وإن الأوضاع الجائرة التي تخرج عن مفهوم الأحكام القضائية والتي صدرت إما عن محكمة أمن الدولة أو عن المحاكم الميدانية، قد قضت بإعدام الآلاف من المعتقلين بالجملة حتى إن بعض من أعدم كان بطريق القرعة.

4- حرمان المواطنين من ممارسة حقهم في الطلب من القضاء البت بشرعية توقيف أي شخص وهو يخالف الفقرة 4 من المادة 9 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها سورية.

5- حجب حق الدفاع عن المعتقل أو توكيل محام للتشاور معه ومن ثم منع المحامين من ممارسة مهامهم، وهذا يتعارض مع الفقرة 7 من المادة 14 من الاتفاقية المذكورة.

6- منع ذوي المعتقل من معرفة مصيره أو التهم الموجهة إليه وعدم إمكان زيارته .

7 ـ أن جلسات المحاكم العسكرية أو الاستثنائية تكون ـ كقاعدة عامة ـ غير علنية وفى بعض الأحيان قد لا تمكن المتهم من الحضور.

8 ـ أن أحكام هذه المحاكم تكون ـ كقاعدة عامة ـ غير قابلة للطعن عليها أمام محكمة أعلى ، وإنما تصدر الأحكام ويجرى تنفيذها فور التصديق عليها من السلطة العسكرية أو سلطات الطوارئ. ومن المسلم به أن نظام التصديق على الأحكام لا يعد طريقاً للطعن على الأحكام، كما أن جهة التصديق لا تعد بمثابة محكمة أعلى.

9 ـ أن قوانين الطوارئ أو القوانين الاستثنائية التي تطبقها هذه المحاكم تتسم باتساع نطاق التجريم والغلظة في العقوبات، كما أنها غالباً ما تنتهك مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية.

10- تعمد السلطات استنادا لإعلان حالة الطوارئ إلى مراقبة الاتصالات الهاتفية والبريدية، وتخترق بذلك سرية المراسلات والمكالمات الهاتفية. كما تعمد إلى مراقبة البريد الإلكتروني، وحجب العديد من المواقع على شبكة الانترنت بهدف منع المشتركين من الوصول إلى معلومات محددة وندين هنا ما قامت به الحكومة السورية في الآونة الأخيرة من إغلاق موقع مجلة مقاربات الصادرة عن المركز .

11- يمنع المحكومون بعد الإفراج عنهم والناشطون في الشأن العام من الحصول على جوازات سفر بأوامر الأجهزة الأمنية أو يمنعون من السفر خارج القطر .

12-أدت حالة الطوارئ وممارسة القمع إلى فرار عدد كبير من المواطنين خارج القطر ومنع هؤلاء من الحصول على جوازات السفر مما يتناقض مع المواثيق الدولية.

13-إن طغيان الأجهزة الأمنية والرعب الذي عشش في النفوس، أضحى عاملا حاسما في الحيلولة دون اتخاذ قرارات من قبل السلطة القضائية في الرقابة على الإدارة العرفية، وأدى بعد ذلك لطغيان هذه الإدارة واستهتارها بكل القيم و الحقوق جملة وتفصيلا.

14-أدى إعلان حالة الطوارئ لفقدان شخصية العقوبة، فتم اعتقال الأقرباء والأصدقاء للشخص المطلوب لممارسة الضغط عليه لتسليم نفسه مما أدى لفقدان حصانة المواطن لشخصنة العقوبة .

15-إن اختلال العدالة الناجم عن إعلان حالة الطوارئ واستغلالها من الفاسدين الذين همهم جمع المال والمنافع بأية وسيلة، يؤدي لابتلاع الثروات العامة ونهبها وإلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، ويؤدي بالتالي للإحباط، وقد يكون سببا لتولد العنف أو ما اصطلح عليه بالإرهاب.

16-لقد أدت حالة الطوارئ التي نعيشها إلى تراجع الفكر وانحسار الإبداع وتردي الحالة العلمية لأن يد رقيب حالة الطوارئ هي فوق كل اعتبار إلا اعتبار أمن السلطة.

17-لقد دعمت حالة الطوارئ والخوف الذي عشش في نفوس الناس إلى تفشي الفساد الذي أضحى هو الفاعل الرئيسي في الحياة العامة وتغلغل في جميع أجهزة الدولة حتى وصل إلى التعليم والقضاء، وهما الجهازان المفروض أنهما يؤمنان بناء مجتمعيا سليما وحصانة للناس للوصول إلى حقوقهم، ولم يعد أحد يستطيع أن يمارس نقد الفاسدين بسبب تمتعهم بحصانة الطوارئ، ووجودهم في قمة هرم السلطة.

وترتيباً على ذلك فإن الحقوق والضمانات القضائية التي يتعين عدم المساس بها في الظروف الاستثنائية وفقاً لرأي مجمع القانون الدولي I L A هي : ــ
أ – حق المتهم في محاكمة عادلة أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة.
ب – حق المتهم في إبلاغه بالتهمة الموجة إليه دون تأخير.
ج – حق المتهم في التمتع بقرينة البراءة.
هـ – حقوق الدفاع الضرورية.
د – حق المتهم في ألا يعترف ضد نفسه بأنه مذنب.

هذه هي الحقوق والضمانات التي أقرها المجتمع الدولي والمواثيق الدولية للحق في محاكمة منصفة والتي يعد انتقاص أي بند منها هو إخلال بالحق في محاكمة منصفة.

فمبدأ الفصل بين السلطات غير متوافر فقضاة المحاكم العسكرية يتم تعينهم بمعرفة الأجهزة الأمنية ورئيس الجمهورية وعزلهم أيضاً يتم بمعرفتهم الأمر الذي يجعلهم خاضعين لمبدأ تدرج السلطات والرتب العسكرية وهو الأمر الذي يفقدهم حياديتهم ويفقد هذه المحاكم عنصري الاستقلال والحياد وهما الضمانتان الأساسيتان لتحقيق العدالة فالاستقلال غير متوافر إطلاقاً لأن التعيين والعزل بيد السلطة التنفيذية أو سلطة الطوارئ.

خلاصة القول أن الحق في محاكمة منصفة لا يتوافر أمام المحاكم العسكرية وذلك لإهدار كافة الضمانات الأساسية سالفة الذكر بما يخل بضمانه تحقيق العدالة ويوصم هذه المحاكم بالجور والظلم.

مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية يؤكد أن الاحتماء بأحكام قانون الطوارئ وتقديم المتهمين المخالفين في الرأي أو الذين يدعون إلى أفكارهم بشكل سلمي لن يحافظ على النظام طويلاً. وحتى إذا بقيت الأنظمة بالقوة الصلفة، فإن القمع والاستبداد لا يشكلان ردا على الأزمة التي يعيشها المجتمع السوري. ولإبصار الطريق، لا بد من العودة إلى الحريات الأساسية واحترام رأي الشعب في اختيار ممثليه ورسم معالم مستقبله وإعمال مبدأ تداول السلطة وذلك عبر الانتخاب الحر المباشر.

كذلك فنحن بأمس الحاجة إلى إطلاق حرية تكوين الأحزاب والجمعيات الأهلية ورفع كافة الأغلال والقيود التي ترد على الحق في التنظيم وإعطاء حرية الرأي والتعبير قيمتها في وجودنا وإعمال مبدأ الشفافية والعلانية وطرح كافة القضايا للنقاش والحوار فيما يكفل قيادة هذا المجتمع إلى بر الأمان.

أما تكميم الأفواه، ووضع الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها والإصلاحات الموعودة التي لم ينفذ منها شيء إلا بعض الأمور الشكلية ووفقا لرؤية النظام وأهدافه في تكريس الاستبداد والفساد فهي بمثابة وصاية على شعب اتسم دائماً بالتعبير السلمي عن آرائه وأوجاعه منذ قديم الزمان. هذه الرؤية هي التي أوصلت المجتمع إلى ما هو فيه من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية ولا يمكن أن تحل إلا بإعادة الاعتبار للمواطن واحترام اختياراته والإيمان بقدراته ومشاركته في كافة الخيارات المطروحة على المجتمع، واحترام هذه المشاركة والأخذ بها لأنه لا يوجد من ينوب عن هذه الشعب في اختياراته بل هو صاحبة الحق الأصيل في الاختيار وتحديد الطريق.