9/12/2007

يحتفل مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية بالذكرى 59 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، متزامناً مع الذكرى العاشرة لانطلاقة مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية ولأهميته هذا الإعلان والدور الكبير الذي أحدثه على الواقع العالمي في تحسين وتطوير القوانين الناظمة لحقوق الإنسان، وبعد صدوره لم يتوقف العاملين والمناضلين لحقوق الإنسان عند هذا الحد بل نجحوا في تطويره وتحسين بنوده من خلال تبني كافة الدول المنطوية في الأمم المتحدة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذ يعتبران المعاهدة الأبرز حول هذه الحقوق وهو ملزم للدول الأطراف التي فاق عددها 148 دولة، ومنها الجمهورية العربية السورية، وتمر الذكرى في شروط تتميز من حيث الجوهر:

على المستوى الخارجي

  • استمرار الولايات المتحدة الأميركية والدول المنطوية تحت سياستها الكاسح، في ظل توسيع وتعميق اللبرالية المتوحشة على حق الشعوب في تحقيق حريتها وبتكثيف الاستغلال لخيراتها وبضرب المكاسب في مجال الحريات وحقوق الإنسان، ويجري كل هذا تحت غطاء ما يسمى بمحاربة الإرهاب إذ تحت هذا الغطاء أعادت الاستعمار القديم بعد أن دفعت البشرية الملايين من أجل التخلص منه، فقامت في احتلال العراق وأفغانستان، ولا يحد من هذه الغطرسة سوى الحركة الملحوظة للشعوب وللقوى الاجتماعية التحررية والديمقراطية في مواجهة الاحتلال والعدوان الاستعماري والحروب والهجوم على المكتسبات في مجال الحريات وحقوق الإنسان بمختلف جوانبها.
  • استمرار إسرائيل الضرب بعرض الحائط بكافة المواثيق والقرارات الدولة الخاصة في إنهاء احتلال الأراضي العربية لعام 1967 ، وعودة اللاجئين وتحرير الأسرى، ممارسة العدوان الدائم والمنظم بحق من يقاوم مخططاتها، مستفيدة من الدعم ألا محدود التي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لها ممتهنه كافة الأساليب المتوحشة والعنصرية مكرسة الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة.
  • استمرار محاولة الفكر الظلامي (السلفي والماضوي) في تكريس أفكاره على الواقع العربي والإسلامي مما يؤثر بشكل سلبي على حرية الرأي والتعبير وعلى حرية المرأة مستفيداً من الاستبداد السياسي والهجمة الاستعمارية الجديدة. ودخول الفكر المستلب للمشاريع الأميركية والقوى المنطوية تحتها ضمن شعارات واهية مستبدلة الاستبداد بالاستعباد متعاونة ومنظرة لهذه المشاريع.

    على المستوى الداخلي

  • استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتفافية ، رغم بعض التحسن الطفيف الذي طرأ بعد عام 2000 في الأسلوب الأمني بممارسة هذه الانتهاكات، مما يؤكد أن بلادنا وبعد 51 عاماً من الاستقلال الوطني والذكرى 59 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم تتمكن بعد من بناء النظام الديمقراطي المنشود المستند إلى معايير دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.

    ويحتفل مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية بهذه الذكرى بعد انجاز تقريره حول الشكل الدستوري للانتخابات في سوريا مؤكدا من خلال التقرير على أهمية الدستور في سوريا مبرزاً الأهمية لذلك من جهة لمسائلة الدستور كمدخل بناء دولة الحق والقانون المنشودة، ومن جهة أخرى للمعالجة الديمقراطية السليمة لملف الانتهاكات الجسيمة في المجال السياسي والمدنية كذلك في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكذلك من خلال المراقبة والمحاسبة لمرتكبي هذه الانتهاكات، ولوضع قطيعة مع الماضي المظلم في هذا المجال وفتح أبواب مستقبل مشرق وجميل أمام الشعب السوري.

    على المستوى الدستوري مازالت السلطة في سوريا هي المتنفذ الأساسي والمهيمن على السلطتين التشريعية والقضائية وخضوع المحكمة الدستورية لسيطرتها مفقدتاً استقلاليتها من خلال طريقة تعيينها من قبل السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية و يتم حسب ولاءهم وتبعيتهم، مما يهدد المجتمع لعدم وجود ناظم دستوري وقانوني عادل يحقق المساواة بين المواطنين ويحدد واجباتهم والتزاماتهم . وهذا ما بيناه في التقرير الصادر عن المركز تحت عنوان الانتخابات وحقوق الإنسان حول الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب السوري لعام 2007

    وإن مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية وهو يؤكد على مطلب الدستور الديمقراطي المتضمن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان كبوابة لبناء دولة الحق والقانون، يحذر من مغبة أي محاولة جديدة لإجهاض هذا المطلب الديمقراطي الأصيل باللجوء إلى بعض التحسينات الجزئية التي تحفظ على جذر هيمنة السلطة التنفيذية والاستبداد للدستور الحالي.

    بشأن الحقوق المدنية والسياسية

    شهدت الساحة السورية في الآونة الأخيرة ازدياد ملحوظ في انتهاكات للحقوق السياسية والمدنية، وتعددت الممارسات القمعية من قبل الأجهزة الأمنية، تحت ذرائع متعددة أهمها الوضع الإقليمي والتهديدات الخارجية ضد سورية، ورغم إدراكنا أن هناك بالفعل تهديدات خارجية إلا أن معالجتها تتم عبر الانفتاح على المجتمع وتقوية لحمته الداخلية وليس بتلك الممارسات القمعية الفجة في تهديد المجتمع بشكل دائم بحالة الطوارئ وقانون الإحكام العرفية.

    انتهاكات مستمرة للحقوق المدنية والسياسية

  • استمرار حالة الطوارئ والأحكام العرفية الذي يشكل العائق الأكبر أمام الحقوق المدنية والسياسية للمواطن السوري وتحقيق فاعليته ، إذ يعتبر هذا القانون السيف المسلط على رقبته كيفما تحرك. إن التطبيقات الواقعية لحالة الطوارئ –الغير دستورية- وبشكل اعتباطي دون ضابط وحسب الأمزجة الخاصة لقيادة الأجهزة الأمنية أفرزت انتهاكات فاضحة، الغير مبرره على كافة الأصعدة الحقوقية مخترقتا في ذلك كل ما وقعت عليه سورية من التزامات أممية فيما يخص الحقوق المدنية

    والسياسة ، وإن انعدام ممارسة السلطة القضائية لأي صلاحية بصدد الاعتقالات التعسفية سواء لجهة الأمر بالاعتقال أو تنفيذه، ومسؤولية التحقيق مع المعتقل، أو معاقبته، أو الإفراج عنه .

    • الاستمرار بقانون 49 والمتضمن إعدام أي شخص ينتمي إلى تنظيم الأخوان المسلمين.
    • الاستمرار في الرفض بعودة الجنسية للمواطنين السوريين الين سحبت جنسيتهم إثر إحصاء عام 1962 .
    • الاستمرار بالتحفظ على إصدار قانون ينظم عمل الجمعيات والأحزاب بشكل عصري.
    • الاستمرار بالعمل بقانون الأحوال الشخصية الذي يشكل انتهاكاً فاضح لحقوق المرأة.
    • الاستمرار بقانون المطبوعات المتخلف والذي يحد من حرية الرأي والتعبير.

    إن الاستمرار بكل هذه الانتهاكات يجعل من الحقوق المدنية والسياسية في سوريا وتحقيقها أمراً عسيراً ومن المستحيل تحسينها.

    بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي

  • ففي هذا الشأن قامت الأجهزة الأمنية بانتهاكات واضحة ومستمرة ضد النشطاء السياسيين والحقوقيين من خلال المراجعات المستمرة ومنع السفر و الاعتقال لبعضهم. من أمثال نشطاء الحراك الوطني الديمقراطي وعلى رأسهم د: عارف دليلة وميشيل كيلو ومحمود عيسى. وإصدار أحكام غير قانونية ودستورية ولا مبرر لها سوى إخضاع النشطاء لإرادة الحكومة السورية وتخويف البعض الأخر .
  • الاستمرار في الاعتقالات التعسفية لبعض من نشطاء التيار الإسلامي وإصدار أحكام من قبل محكمة امن الدولة الغير قانونية بحقهم بحجة محاربة الإرهاب .
  • المراجعات الدائمة لفروع الأمن لبعض من الناشطين والمواطنين بطلب منها، والتوقيف الاحترازي وحجز البعض لعدة ساعات وأحياناً لأيام في سبيل الضغط والتهديد للتخويف والترهيب.

    هذه الانتهاكات المدروسة والمطبقة من قبل هذه الأجهزة كافة، فكما هو معلوم أنها تتداخل أعمالها مع بعضها بصورة أن كل فرع وكل أدارة تستطيع أن تمارس كل الصلاحيات، ولكل فرع مكان التوقيف الخاص به وجميع مراكز التوقيف خارج صلاحيات القضاء، وهي لا تخضع لمراقبة النيابة العامة، هذا التوقيف يستمر إلى فترات طويلة أحياناً تتجاوز السنة دون علم ذويهم . هذه الممارسات لم يكن لها سوى هدف واحد هو الإمعان في ترهيب وتخويف حركة المجتمع والقوى الحية فيه، وتغطية على آليات الفساد والنهب المستشري في أجهزة الدولة من خلال الإفقار المنظم للمجتمع.

    بشأن الانتهاكات لملف الحريات العامة

  • الاستمرار بعدم الترخيص لكافة المنظمات والجمعيات المهتمة بالشأن العام. إذ تقدمت كافة هذه المنظمات للترخيص لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وما زالت الحكومة السورية تماطل في إعطاء هذه التراخيص.
  • انتهاك حرية الاعتصام والتظاهر عبر القمع الأمني المباشر ( اعتصام المعارضة السورية المنضوية تحت إعلان دمشق أمام القصر العدلي، مظاهرة القامشلي) وعبر استعمال القضاء ( المعتقين إثر المظاهرة في القامشلي وما حصل لبعض من المعتصمين من نشطاء إعلان دمشق )

    الشطط في استعمال السلطة الأمنية بحرمان العديد من المنظمات والجمعيات والمنتديات من حقها في الاجتماع والعمل المباشر.

    ترهيب وقمع العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان من خلال منعهم من السفر لحضور المؤتمرات والمنتديات الدولية والعربية، ومن خلال المراجعات الأمنية .

    بشأن استقلال القضاء

    إن السيطرة الكاملة لأجهزة الدولة التنفيذية وأهمها السلطة الأمنية على السلطة القضائية يجعل من المستحيل تصرف القضاء بشكل مستقل عن إرادة هذه الأجهزة وبالتالي عدم قدرتها على إصدار الأحكام العادلة للكثير من القضايا، وعدم قدرتها على البحث أو إصدار الأحكام الخاصة بملفات الفساد المرتبطة بشكل مباشر بقسم من المتنفذين بالسلطة أو إصدار أحكام تفرضها السلطة التنفيذية وما جرى لبعض من نشطاء العمل العام يثبت ذلك. إن غياب الاستقلالية والنزاهة لمؤسسة القضاء مازلت هي السياسة المطبقة في سوريا وإنها تشكل عرقلة أساسية أما احترام حقوق الإنسان وتسيير دولة الحق والقانون.

    بشأن الانتهاك لحقوق المرأة

  • الاستمرار في الانتهاك لحقوق المرأة السورية من خلال قانون الأحوال الشخصية والذي أعطى كثيرا من الأسر الحق بتنفيذ أعمال همجية بحق المرأة بحجة الشرف وممارسات أخرى بحقها وإعطاء الرجل الأفضلية عليها وهذا ما كنا قد بيناه في تقريرنا الصادر عن المركز تحت عنوان واقع المرأة السورية بين الواقع والطموح . إذ سجل المركز أن ظاهرة العنف ضد النساء في سوريا مازالت متفشية بشكل خطير كإحدى المظاهر المشينة لانتهاكات حقوق الإنسان مما يستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية والتربوية والعملية للحد من هذه الظاهرة الحاطة بالكرامة الإنسانية من خلال إيجاد قانون عصري يساوي المرأة بالرجل بكافة الحقوق والواجبات.

    بشأن الانتهاك لحق حرية الرأي والتعبير

    – الاستمرار في انتهاك حرية الرأي والتعبير من خلال قانون المطبوعات التعسفي علماً إن الحرية وحرية التعبير هي ضمان لحرية المجتمع ووحدته وعندما تكون حرية التعبير متاحة فإن الإنسان يفكر بصوت عال وتزداد الحوارات والنقاشات التي تهم حياتنا ومستقبلنا إن كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية إن هذا القانون ينسجم مع الواقع السياسي ووجود دستور قاصر عن تلبية الحاجات والحقوق الأساسية في مجال الحرية وحرية التعبير وهو الدستور الذي ينص على قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع وبالتالي فإن هذه الفقرة بذاتها هي تمييزية لكل من انتمى لحزب البعث مميزة له عن غيره إذ يحق له ما لا يحق لغيره وهنا تكمن المشكلة بالإضافة إلى ذلك وجود حالة الطوارئ منذ 41 عاماً وأعتقد أنه من غير الممكن وجود قانون للمطبوعات عصري في ظل سيادة هذا الفهم السياسي والدستوري للدولة والمجتمع .

    هذا القانون الذي جاء نسخة متراجعة عن القانون53 لعام 1949 وذلك لسببين:

    أولاً: إن القانون الأول جاء في عام 1949 في ظل حكم دكتاتوري عسكري لم يدم أكثر من ستة أشهر كان يريد الحكم دون منغصات من الصحافة التي كانت تلعب دوراً هاماً آنذاك.

    ثانياً: إن قانون المطبوعات 50 جاء بعد52 عاماً من صدور القانون 53 وأقرته سلطة عمرها ما يقارب الأربعون عاماً. وفي ظل الحديث عن حرية الرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر، وقبل ذلك الاعتراف بوجود الآخر، وكان من المفترض أن يأخذ بعين الاعتبار ما جرى من تطورات على صعيد الواقع السوري أو الصعيد العالمي حيث أن العالم تغير بشكل شبه كامل وأصبحت تتضاعف فيه المعرفة كل عدة سنوات وتتسارع التطورات التكنولوجية بشكل سريع ومذهل.

    وتشهد منظومة الاتصالات تطوراً مذهلاً إن كان عبر الفضاء أو من خلال شبكة الاتصال الدولي الإنترنت حيث أصبح نشر وتلقي المعلومة يقاس بأجزاء صغيرة من الثانية الواحدة وهذا ما يجعل نقاش قانون المطبوعات رقم 50 أمراً فيه الكثير من المرارة والألم فأقل ما نستطيع وصف هذا القانون بأنه قانون العصر الحجري وليس للعام 2001 فهذا القانون لم يشر مطلقاً لما وصلت إليه منجزات الحضارة الإنسانية في الصحافة الإلكترونية أو شبكة الإنترنت .

    وتقوم الحكومة السورية بالهجوم على الصحافة والمواقع الالكترونية من خلال حجب المواقع أو منع دخول الصحف والمجلات المستقلة إلى سوريا .

    بشأن الحق في السلامة البدنية

    لقد سجل بعض حالات الموت تحت التعذيب بالرغم من توقيع وتصديق الحكومة السورية على اتفاقية مناهضة التعذيب.

    بشأن الحق في التنقل

    ما زال عدد من المواطنين السوريين يحرمون من جواز السفر كما هو شأن المحامي حبيب عيسى على سبيل المثال. وبعض من المعتلقين السابقين.

    انتهاكات مستمرة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

    بشأن العدالة الاجتماعية وتحقيق تساوي الفرص أمام المواطنين السوريين

    بشأن العدالة الاجتماعية

    إن استعادة مفهوم العدالة الاجتماعية، هي استعادة لمفهوم أصيل في ضمان استقرار وازدهار ونماء المجتمعات، وإذا كانت الحقوق السياسية والمدنية بكل مضامينها تشكل حاملا قويا في بناء المجتمعات، إلا أن العدالة الاجتماعية شرط لا يمكن تحقيق أي شيء بدونه إذ يشكل القاعدة الأساسية والمهمة في توازن الفرد المكون للمجتمع من خلال حصوله على فرص العمل والحياة الكريمة التي تضمن له حاجياته الأساسية، وإذا استخدم المؤتمر الأخير لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا لهذا

    المفهوم كشعار براق من خلال الأهداف المعلنة لا يعني تطبيقه وتكريسه، من أجل تأجيل استحقاقات كثيرة مقابل عدالة اجتماعية لم تتحق، فالنتائج ماثلة للعيان من خلال تعميم الفقر وانهيار المنظومة الاجتماعية والاقتصادية وبروز طبقة قليل تستحوذ على 85% من الدخل القومي واختفاء الطبقة الوسطى والتي كانت تشكل النسبة الغالبة للمجتمع السوري، كذلك أن غياب العدالة الاجتماعية يساعد على انتهاكات لا حدود لها لأفراد المجتمع وحريتهم، بل انه يحرمهم من التطور، ويدعم الاتجاهات السلبية والغيبية وانتشار الفكر الظلامي في المجتمع، فبدون العدل لن يكون هناك أي تنمية اقتصادية أو بشرية ولن يكون هناك أمان وثقة ببرامج السلطة مهما أتحفتنا بشعارات لا تفيد ولا تغني من جوع .

    بدون العدل والعدالة والرعاية الاجتماعية سيبقى المجتمع متخلفا وراقدا في سبات عميق لن توقظنا منه أي جرعة من جرعات الديمقراطية أو عطرها، إن العدالة الاجتماعية تعني إلغاء المحسوبية والوساطات غير المشروعة ومحاسبة المقصر علنا بدلا من التستر عليه، والعدالة الاجتماعية تعني تكافؤ الفرص على ضوء مقياس الكفاءة فقط.

    وبدون العدل الاجتماعي يستشري الفساد الذي هو الابن الشرعي للاستبداد وهو غاية الخطورة على أي مجتمع مهما كان متماسكا ومهما حمل من توازن في تركيبته الاجتماعية والثقافية، إذ يؤدي إلى ظهور مجموعة من الأمراض الاجتماعية، كالمحسوبية والرشوة والخوة ومع الفساد يزداد المجتمع تفسخا ويتحول إلى كيانات طبقية وطائفية وعشائرية، يحتمي كل منها بأشخاص مرتبطين بالسلطة بأشكال مختلفة وذلك لتسيير أمورهم الحياتية.

    بشأن الحق بالعمل

    إن استمرار الانتهاكات الخطيرة لهذا لحق المتجسد بالخصوص في البطالة المكشوفة أو المقنعة لملايين المواطنين والمواطنات، بمن فيهم عشرا ت الآلاف من حاملي الشهادات العليا، الذين يتعرضون لانتهاكات جسيمة على المستوى النفسي والاجتماعي إذ يتولد لديهم اليأس والإحباط لدرجة تفشي ظاهرت التمني الدائم بالهرب من الوطن الى المجهول والوقوف بطوابير أمام السفارات للحصول على فرصة عمل أو التقوقع على الذات والانخراط بالفكر الغيبي والطائفي المتخلف، أو

    استفحال الاكتئاب والاستسلام، الذي يشكل وباء لدى الباحثين عن العمل وأغلبهم من الشباب، ويضاعف هذا سلسلة الهزائم العربية وتخاذل الأنظمة وعجزها أمام التحديات التي يواجهها المجتمعات العربية.

    بشأن حق العمال

    من خلال تشكيل نقابات حرة منتخبه بدون تدخل الدولة بالنسبة للقطاع العام ورب العمل للقطاع الخاص لما لهذه النقابات من دور مهم في تكريس حقوقهم .

    سجل غياب كامل للحريات النقابية في سوريا للقطاعين العام والخاص خلال المرحل السابقة مستثنين المرحلة القصيرة البرلمانية في سوريا، إذ تتحكم الدولة وأجهزتها الأمنية بفرض أعضاء نقابيين تابعين لها، ضمن كوته الأحزاب الوطنية التقدمية، أما في القطاع الخاص وبسبب الترهيب من رب العمل بمنع وإبعاد العمال الراغبين بالعمل النقابي الحر من العمل دون تدخل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بسبب الارتباط والفساد لهذه الوزارة مع أرباب العمل وأغلبهم مرتبطين برجال من الدولة أو قسم منهم هم أنفسهم أرباب هذه الأعمال طبعا هذا لا يلغي استثناءات قليلة جداً.

    بشأن حق الصحة

    بالرغم من الشكل القانوني الناظم لحق الصحة في سوريا إلا أنه على أرض الواقع يختفي هذا الحق من خلال الفساد والمحسوبية والرشوة والواسطة للمؤسسات الصحية إذ لا يستفيد منه إلا جزء يسير من المواطنين السوريين، ويمكن اكتشاف ذلك بسهولة في التعامل مع هذه المؤسسات، ليس هذا وحسب بل ما يقوم به عدد من الأطباء السوريين الذين فقدوا الإحساس بالمسؤولية والإنسانية بالضغط وقهر المواطن السوري المصاب بالمرض من خلال الأجور العالية الفلكية في بعض الأحيان والتي لا يقدر عليها أغلب المواطنين السوريين وبهذا تشترك الحكومة وبعض من الأطباء وهم ليس بالقليل بزيادة الاضطهاد وقهر المواطن المصاب بالمرض.

    بشأن الحق في التعليم

    تعتبر سوريا من الدول المبكرة التي فرضت التعليم الإجباري حتى المرحلة الابتدائية في السابق وألان إلى المرحلة الإعدادية، إلا أن عدداً لا يستهان به من حالات التسرب من المدارس وخاصة الفتيات وذلك بسبب حالة الفقر وقلة الحيلة لبعض من الأسر السورية، مما يجبرها للطلب من أبنائها بالعمل المبكر لإعالتها الاقتصادية ، كما أن تنامي المدارس الخاصة والدروس الخصوصية وحالة الفساد المستشري في المؤسسات التعليمية يشكل عبئا إضافياً جديداً على المواطن السوري دون وجود قوانين وضوابط لهذا الانفلات الحاصل في المؤسسات التعليمية لردع المخالفين منهم.

    ولابد الإشارة إلى الحق في السكن والعيش الكريم المهدد بشكل كبير بسبب غلاء المعيشة وفقدان مراقبة الدولة والقوانين التي تحد من حالة السوق غير الإنسانية وحالة الجشع التي يمارسها تجار العقارات وذلك بتحديد الأسعار التي ازدادت بشكل سريع فاقت التوقعات وذلك بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق وحال اللجوء لعدد كبير من العراقيين إلى سوريا، الذين تم استغلالهم بشكل لا إنساني من قبل التجار والمتحالفين معهم من المتنفذين بالحكومة مما شكل عبأَ كبيرا على المواطن السوري الذي لا حول له ولا قوة .

    بشأن الحقوق اللغوية والثقافية

    يتشكل المجتمع السوري من أغلبية ناطقة بالغة العربية لكن هناك بعض من اللغات والثقافات الأخرى في سوريا تشكل الفسيفساء الخاص بهذا المجتمع وأهم هذه اللغات والثقافات اللغة الكردية إضافة إلى السريانية والأشورية والأرمينية والتركية والشيشانية والشركسية، من هنا يؤكد مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية أن المدخل الأساسي لاحترام هذه الحقوق يفرض على الحكومة السورية إعطاء هذه الحقوق غير منقوصة في ممارستها والتعلم والتعليم بها وأخص اللغة والثقافة الكردية بسبب حالة الانتهاك الممارس ضدها، وهذا يتطلب إدخال المواد الدستورية والقوانين الواضحة التي لا تقبل التأويل وجعلها رافداً تغني اللغة والثقافية العربية المكون الأساس للجمهورية العربية السورية.

    وبهذه المناسبة إن مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية:

    على المستوى الخارجي

    يعتبر حق مقاومة الشعوب تحت الاحتلال حق مقدس لا يمكن إدانته أو التفريط به من هنا نؤكد تضامننا مع كافة الشعوب المقاومة للاحتلال في كافة لأنحاء العالم ونخص مقاومة الشعب الفلسطيني لعودة كافة الحقوق المغتصبة (كافة الأراضي المحتلة وعودة اللاجئين وتحرير الأسرى ودفع التعويضات لكافة المتضررين من هذه السياسة والحقوق في المياه ) غير منقوصة أو ضمن شروط ، ومقاومة الشعب العراقي للمحتلين من دول التحالف لتحقيق الاستقلال الكامل السياسي والاقتصادي ومقاومة الشعب اللبناني لاستكمال استرجاع باقي الأراضي اللبنانية وتحرير الأسرى ومقاومة الغطرسة الإسرائيلية.

    رغم تمييزنا بين ظاهرة الإرهاب المدانة من قبلنا وبين المقاومة المشروعة للشعوب ضد محتليها، هذه الظاهرة التي تتوسع باستمرار (نموذج التفجيرات ضد المدنيين المستمرة منذ أحداث سبتمبر إلى الآن) برغم اعتقادنا أن هذه الظاهرة تتغذى على الغطرسة الأميركية للعالم و الإسرائيلية للمنطقة العربية متواطئة معها في بعض الأحيان ومن الأساليب السائدة في مواجهة الإرهاب في كثر من دول العالم والتي تجهز في نفس الوقت على الحريات وحقوق الإنسان وحق الشعوب بالحرية والتقدم واستغلال خيراتها.

    على المستوى الداخلي

    يؤكد المركز على حق الشعب السوري في المقاومة لاسترجاع كافة الأراضي السورية المغتصبة والعودة إلى حدود علم 1976 وتحرير الأسرى السوريين القابعين في السجون الإسرائيلية .

    يطالب المركز الحكومة السورية :

    على المستوى السياسي والمدني :

    1. إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية.
    2. فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بما يحقق دولة الحق والقانون.
    3. إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين دون استثناء.
    4. تشكيل هيئة خاصة للإنصاف والمصالحة لتحقيق العدالة من خلال عودة الحقوق والمظالم للمعتقلين السياسيين والكشف عن كافة الممارسات السابقة لانتهاكات حقوق الإنسان والكشف أيضاً عن كافة المختفين وأسباب اختفائهم والتعويض لهم أو لذويهم لما لحق من عسف وانتهاك ، كما نؤكد على مطالبة الحكومة بعودة الحقوق المستلبة من أملاك لهؤلاء.
    5. المطالبة بعودة المنفيين طوعاً أو قسراً إلى الوطن دون شروط .
    6. وقف عقوبة الإعدام لما تشكل من اهانه لأي مجتمع متحضر إذ أن الجريمة لا تعالج بجريمة.
    7. إلغاء القانون 49 لما يشكل من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
    8. المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وإنفاذه بطريقة فعالة
    9. عودة الجنسية لكافة المواطنين السورين والتي سحبت منهم إثر إحصاء 1962 .
    10. إصدار قانون ينظم عمل الجمعيات والأحزاب بشكل عصري يتناسب مع مقررات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ووقف الانتهاكات بحق نشطاء المعارضة والمجتمع المدني والحقوقي.
    11. تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل بالحقوق والواجبات.
    12. تعديل قانون المطبوعات وتحقيق حرية الرأي والتعبير فعليا وممارستاً.

    على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي:

    1. تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع الدخل القومي بشكل عادل .
    2. المراقبة والمحاسبة الفعالة لكافة أنواع الفساد المالي والإداري .
    3. العمل على إيجاد فرص عمل لكافة المواطنين القادرين على العمل .
    4. حرية تشكيل النقابات والمنتديات العمالية .
    5. تفعيل الضمان الصحي ليشمل كافة المواطنين دون تمييز وتحسين المؤسسات الصحية.
    6. إعطاء كافة الحقوق الثقافية والغوية لكافة المواطنين دون تمييز.
    7. تحسين وتطوير المؤسسات التعليمية لتشمل كافة مكونتها من طلاب ومعلمين وإدارة .

    وبهذه المنسبة يحي مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية كافة الجمعيات والمنظمات السورية لحقوق الإنسان ويدعوها إلى العمل المشترك والبناء من أجل تحقيق بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية لهذه الحقوق على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

    كما يحي نضالات القوى الديمقراطية السورية ومن ضمنها الأفراد والمنتديات التي لعبت ومازالت تلعب دور مهماً لعودة الحياة السياسية السليمة في سوريا .

    كما يحي المركز كافة العاملين به والمساندين له في الاستمرار لكي يحقق الهدف المنشود الذي رسمه، من أفراد ومنظمات وجمعيات سورية وعربية ودولية.

    وأخيراً إن مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية وهو يحي الذكرى العاشرة لانطلاقته والكرى 59 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد تشبثه بمواصلة النضال وبذل كل التضحيات من أجل سيادة حقوق الإنسان في سوريا وعبر العالم وندعو كافة الديمقراطيات والديمقراطيين في سوريا إلى المزيد من التعاون لتحقيق المطالب الأساسية للحركة الحقوقية معتبراً في نفس الوقت عن تشبثه بوحدة العمل للدفاع عن حقوق الإنسان وبالتالي عن استعداده للعمل مع كافة مكونات الحركة الحقوقية وسائر القوة الديمقراطية في سوريا من أجل بناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.

    مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية