23/3/2008
مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، من باريس
كانت المنطقة الباريسية على موعد مع صوت المقاومة المدنية القادم من عدة مدن عربية أو الصادر عنها، الملف الذي وزع على المشاركين ضم لمحة عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي للدكتور هيثم مناع، تقرير عن الأوضاع في العراق للدكتور عبد الله يوسف الجبوري من أكثر من عشرين صفحة توثيقية وشاملة، التقرير الأولي للجنة العربية لحقوق الإنسان لقضية الإخوان المسلمين أمام المحكمة العسكرية الذي أعدته الدكتورة فيوليت داغر، شهادة الدكتور عبد الكريم بن يوسف الخضر والدكتور متروك الفالح عن زيارة المناضل والمفكر الحقوقي الدكتور عبد الله الحامد في سجن بريدة. تقرير الحقوقي والصحفي الأستاذ حسن الأمين عن ملاحقات نشطاء المجتمع المدني في ليبيا، دراسة الأستاذ جمعة القماطي عن القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان في ليبيا، التقرير الأولي لمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية عن اعتقالات ديسمبر 2007 في سورية، تقرير الأستاذ فؤاد الخفش “51 نائب ووزير مختطف في سجون الاحتلال الإسرائيلي”، رسالة اعتذار المحامي خالد صالح الأنسي، ليس من الحضور وإنما من الصحفي اليمني عبد الكريم الخيواني، قصيدة ربحان رمضان “أيها المنفي ستحتفل بالنيروز وحدك” والتي قدمت هدية لشهداء سهرة الشموع الثلاثة في القامشلي قبل يومين من الندوة، العريضة العربية والدولية لإطلاق سراح عبد الله وعيسى الحامد.
مداخلة الدكتور الجبوري عن العراق كانت جد مؤثرة، الأرقام مخيفة ولكنها موثقة عن أوضاع العراق تحت الاحتلال، ترافق ذلك بتوزيع كتاب “الحرب والاحتلال في العراق” الصادر عن 46 منظمة غير حكومية دولية. بعدها تطرق الأستاذ حسن الأمين للملف الليبي باختصار وتكثيف، ليعرض النتائج المؤلمة للاستتابة القذافية، تغيير في السياسات الخارجية وثبات في الخيار القمعي التسلطي تجاه المجتمع.
الملف السوري كان له حصة متميزة في السهرة، رئيس الجلسة (السوري) هيثم مناع لم يتحدث عن الأوضاع في سورية، أراد أن يقول كلمة وجدانية في قضية هزت الحاضرين:
” نحن بحاجة لصلاح الدين البيطار من جديد ليكتب لنا: “عفوك شعب سورية العظيم”، نعم عفوك شعب سورية وشعب فلسطين، عفوك أيها الطبيب الذي اختار المستشفى وسيلة التعبير الرئيسية والأساسية له، عفوك أيها الإنسان الذي لا يعرف جل من في القاعة اسمك، عفوك يا من تدفع ثمنا لاختيارك الدكتورة فداء الحوراني زوجة لك، كل معتقلي إعلان دمشق يعرفون أن لنضالهم ثمن، ولم يتفاجئوا لأن هذا واجبهم، وواجبنا أن ندافع عنهم حتى يعودوا لمكانهم النضالي الطبيعي في المجتمع لا في السجن، أما الدكتور غازي عليان فيدفع ثمن تزر وازرة وزر أخرى في منطق أجهزة الأمن…
دكتور غازي: لقد عالجت من المواطنين السوريين أكثر مما فعلت لأي شعب آخر، فقط للمقارنة، أنت قدمت للطب في سورية أضعاف ما قدمه شخص مثلي عاش تجربته الطبية في المنفى.. كل المرضى الذين عالجتهم يتألمون اليوم لغيابك، أنت أحق مني ومن الكثيرين بالجنسية السورية والعمل في مدينة حماه، وجريمة كبيرة بحق المجتمع إبعادك من سورية بدون سبب أو جرم إلا اختيارك الدكتورة فداء المعتقلة زوجة لك.. عفوك زميلي غازي لأن هناك أجهزة لا تستوعب معنا العطاء لشعب والتواصل مع الناس ومحبتهم في لحظة المرض الصعبة.. نحن نحبك ونعتبر مكانك الطبيعي حيث تشاء في سورية أو فلسطين ومن الماء إلى الماء..”
بعدها استعرض السجين السابق والمناضل السياسي اليساري وليد خليفة، الذي أهدى مداخلته لضحايا ليلة الشموع في القامشلي، النضال السلمي وأهميته في مواجهة الدكتاتوريات المحلية والأخطار الخارجية، موضحا كيف تنتج الدكتاتورية أشكال عنف وتطرف يومية في محاولة دائمة لتصوير نفسها الحاجز أمام الفوضى والتطرف. في حين أنها في واقع الأمر منظومة سياسية قامعة منتجة للتطرف.
مداخلة الاقتصادي السوري فاروق سبع الليل كانت عن 45 عاما في ظل حالة الطوارئ وشملت محاور تاريخية وراهنة: ظروف إعلان حالة الطوارئ، غياب الدستورية عن الحالة الاستثنائية، مركزة القمع وتعميمه بمصادرة العمل النقابي المهني والنشاط المدني في 1980، تصاعد القمع لمجازر تدمر وحماه وحلب وجسر الشغور.. مأساة المفقودين، انتقال السلطو وربيع دمشق، ضرب الحركة المدنية وتصاعد الخيار الأمني والقمعي، اعتقالات ديسمبر 2007.
بعد هذه المداخلة استمع الحضور لمداخلة الصحفي عبد الكريم الخيواني التي سجلت قبل الجلسة خوفا من قطع الاتصال الهاتفي كما حدث في مناسبات أخرى. وقد استعرض الخيواني ملاحقاته القانونية والأمنية وما يتعرض له بما في ذلك محاكمته الحالية ومخاطر أحكام جائرة بحقه. من الجدير بالذكر أن رئاسة الجمهورية اليمنية تعتبر معاقبة الخيواني جزء من هيبة الرئيس التي ضربت عبر كشف عدة ملفات أحدها ملف التوريث على الطريقة اليمنية.
المحامية راضية النصراوي وكعادتها قدمت مداخلة جامعة حول انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، مستعرضة الأوضاع في ظل عشرين عاما من حكم الرئيس التونسي بن علي متناولة ملف حرية التعبير وحرية التنظيم وحرية التجمهر وحرية التنقل قبل الحديث في الحقوق الأولية الاقتصادية والاجتماعية التي ضربت اليوم والهرسلة المعممة ضد تعبيرات المعارضة المختلفة، قبل أن تتناول مسألة تنظيم أطياف المعارضة المدنية والسياسية لنفسها وأشكال المقاومة السلمية في المجتمع التونسي.
الأستاذ فؤاد بوحرب (المغرب) من التحالف من أجل الكرامة والحرية استعرض التجربة المغربية كأنموذج لاستعمال خطاب حقوق الإنسان لضربها وجعل ملفات الماضي تغطي على ممارسات الحاضر، والضرب المنهجي لأشكال المعارضة الشعبية السياسية والمطلبية عبر أسوأ قانون لمناهضة الإرهاب في المنطقة وممارسات خارجة عن القانون تمر في صمت دولي مريب حتى عندما يتعلق الأمر باعتقال مناضلين أعضاء في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أو روابط مهنية وعاطلين عن العمل.
كانت مداخلة النائب المصري المحامي صبحي صالح موسى من المتعة والقوة بحيث استعادت الصالة التي لم تأخذ أية استراحة قوتها ونشاطها، المضحك المبكي في التجربة المصرية، تراكم القوانين القمعية منذ قوانين الاحتلال حتى “الشرعية الثورية” ثم “شرعية الانفتاح” وأخيرا وليس آخرا “شرعية” الحرب على الإرهاب بحيث لا يمكن لأحد في مصر أن يتنفس في فضاء جرى انتهاكه قانونيا ودستوريا عدة مرات فلم يعد لحقوق المواطن فيه من معنى. تجربة الانتخابات المحلية مع أرقام مخيفة للاعتقال والتوقيف ليس فقط للمرشح بل لمن تخشى السلطات أن يجول بخاطره فكرة الترشح أو من يمكن أن يحمل وكالة لمرشح. أكثر من ألف معتقل مازالوا في السجن فقط ضحايا انتخابات محلية تعتبرها السلطة جزءا من عملية تنصيب الوريث للرئيس مبارك.
مداخلة الدكتور منصف المرزوقي كانت فكرية سياسية تناولت مخاطر استمرار النهج القمعي والقطيعة الكاملة بين المجتمع المدني والسلطات وعدم جدوى أي مشاركة في الآليات التي تقترحها السلطات الحالية لإدارة الحكم كونها في مواجهة مع المشروع الديمقراطي. وقد نبه المرزوقي لمخاطر نشوء اتجاهات عنفية ومتطرفة نتيجة هذا الإزمان الدكتاتوري مطالبا بمواقف واضحة وصارمة من السلطات القمعية في نضالات سلمية مبتكرة ومستقلة عن المؤسسات الموجودة.
أثارت هذه الكلمة أيضا نقاشات هامة في الصالة، بين من أيد منطق الاستقلالية النضالية السلمية ومن اعتبر ظروف كل بلد تحتم أشكالا للنضال لا يمكن تطبيقها أو نسخها وأن مشاركة حماس أو الإخوان في مصر مثلا شاركت في تعرية تزوير الانتخابات واستخدامها لخدمة الحاكم وفكفكة أساليب الحكم التسلطي.
العنصر الخارجي، الأمن القومي وحقوق الإنسان، الجمع بين حماية الوطن والمواطن، توظيف الغرب لحركة حقوق الإنسان، التمويل الأجنبي ونتائجه على مصداقية الحركة الحقوقية، كل هذه المواضيع كانت في صلب النقاش الذي شارك فيه نخبة من الصحافيين والكتّاب والنشطاء في ندوة التضامن الجامعة هذه.
عدة عرائض وزعت من أجل التضامن مع المعتقلين والمحاصرين في أوطانهم من أجل حلم الحرية، وأثناء الخروج من الصالة الساعة الحادية عشرة ليلا وزع أحد الحاضرين قصيدة من الانترنيت تحية للقيادي في اللجنة العربية لحقوق الإنسان المعتقل في السعودية الدكتور عبد الله الحامد جاء فيها:
“سلام الله عليك أبا بلال
يا وجه النضال …
في زمن التخبط والرعاع
ياوجه تشعل احداقنا ..
جمرة القهر …
حرقة العجز …
تهافت الاوغاد .
سلام الله عليك ابا بلال
سجين أنت أم نحن …
تتقاذفنا هواجس الخوف
تتناوشنا عناوين الرغبة
وبين الحد ..والحد
تموت فينا غريزة النضال “.
برغم كل المآسي، لن تموت فينا غريزة النضال..