17/4/2005
حين أطلقنا هذا الموقع مختصاً بقضايا المجتمع، والتزمنا عدم التطرق إلى السياسة إلا من وجهة نظر مجتمعية، لم نكن نتهرب من مسؤولية ما، ولا نتحايل على خطر ما. بل كان التزامنا هذا نابع من اعتقادنا أن السياسة بمعناها المباشر هي واحد لا غير من هموم المجتمع، على أهميتها. وتقديراً منا لمدى الاهتمام الواسع بالشأن السياسي المباشر في الوقت الذي أهمل فيه الشأن الاجتماعي، أو جيّر مباشرة لصالح السياسي.
وبينما نجد أقلاماً كثيرة منكبة على التحليل السياسي لعدد النساء في مجلس الشعب، ودورهن، وعلاقة ذلك ببنية السلطة وما إلى ذلك، نكاد لا نجد دراسة عن علاقة عضوات مجلس الشعب بأعضائه، ومدى تأثير ذلك على عملهن داخل المجلس أو خارجه، ومدى انعكاس ذلك على حياة المجتمع، أو على النظرة المجتمعية للمرأة.. وبينما نجد عدداً كبيراً من الدراسات التي تتطرق إلى قانون الطوارئ من زاوية سياسية، يصعب قراءة دراسة عن دور هذا القانون في الحياة اليومية للناس.. كل هذا عدا عن طيف القضايا الواسع التي لم يجر التطرق إليها على اعتبار أنها لاحقة للوضع السياسي، ومرهونة على تغيره. وهو ما نعتقد أنه يجافي الصواب بدرجة أو أخرى.
وإذا كنا الآن لسنا بصدد نقاش دور السياسي، فإن ما يهمنا بالضبط هو دور الاجتماعي. الاجتماعي الذي نعيش معه وفيه ساعة بساعة. بالتأكيد أن كل شيء يتعلق بالسياسة. لكن كل شيء يتعلق أيضاً بالاقتصاد. وكذلك بالعادات والتقاليد. وأيضاً بجملة القوانين والمنظومة القضائية. فلماذا إذن نلتفت إلى جانب واحد ونترك ما عداه؟ وهل يتعارض أصلاً هذا الجانب مع ذاك إذا كان كل شيء متعلق ببعضه؟! وهل حقاً إن تغير وضع سياسي ما يعني تغير كل الجوانب الأخرى؟! لا يبدو أن أمثلة التاريخ السابق والحالي تؤكد هذه النظرة. إذ كثيراً ما تغيرت حكومات أو أحزاب حاكمة أو أنظمة حكم أو أساليب حكم.. دون أن تتغير جملة كاملة من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفكرية في حياة الناس.
وصادف، في بعض الحالات، أن جرّ هذا التغير في المجال السياسي تغيرات إلى الوراء في المجالات الأخرى.
ما نقصده هو فقط أنه لا يجب رهن كل شيء على السياسي. والحياة ليس سياسة وحسب. بل يمكن القول إن السياسة المتقصرة على الجانب السياسي هي سياسة تدعو إلى الحذر من فقرها. وتدعو للتساؤل عما سيجري حين تكون مقاليد الحكم في يدها.
إن تحسين وضع التعليم، ووضع المرأة، والأسرة، والشباب، والمسنين، والقوانين، والقضاء.. إن تحسين علاقة الموظف بوظيفته وعلاقته بالمواطن.. إن نشر الوعي بحقوق الطفل والمرأة والرجل.. إلى أخر القائمة التي لا تنتهي، هو أمر ممكن بغض النظر عن طبيعة النظام في هذا البلد أو ذاك. وإلى درجة ما بغض النظر عن أسلوب الحكم. ونظرة متمعنة في تجربة القرن العشرين الغنية بمختلف أنظمة وأشكال الحكم، تظهر بوضوح أن هذا الشكل من السياسة أو ذاك لا يرتبط مباشرة مع “نموذج” مجتمعي مرتبط به عضوياً.
ما ساقنا إلى قول هذا هو أن بعض متابعي الموقع أرسلوا للنشر فيه مقالات ودراسات سياسية. وهو ما اعتذرنا عن نشره بسبب التزامنا ذاك. بعضهم تفهم ذلك. أما البعض الآخر، فقد سارع إلى إطلاق بعض الأوصاف التي نعتقد أنها قد جانبت الصواب.
نحن نعرف أهمية السياسة ونقدرها جيداً. لكننا نعرف أن السياسة لا تتخذ لبوسها المباشر دائماً. وأن السياسة التي لا تجد طريقاً لمعالجة أصغر قضايا المجتمع كما أكبرها، هي سياسة لن تجد أرضاً لتنمو فيها. ونعرف أكثر أن مجتمعنا يحتاج إلى العمل السياسي حاجة ماسة. ويحتاج، بالقدر ذاته، إلى كافة أشكال العمل الأخرى، على قدم المساواة.