3/12/2005

بقلم: بسام القاضي “في البداية”
دأبنا دائماً على التأكيد أن الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع. وهذا أمر صحيح. إلا أنه لا يشكل إلا وجهاً واحداً للحقيقة التي تمتلك، في هذا المجال، وجوهاًَ كثيرة أخرى طالما أغفلناها. من هذه الوجوه أن الأسرة ليست كائناً قائماً بذاته. بل هي محصلة أفرادها. وأساساً محصلة لعلاقة الرجل والمرأة، الأب والأم، الذين يشكلان الركنين الأساسيين للأسرة. وبديهي أنه حتى يستقيم البناء لا بد أن تكون ركيزتاه متساويتين. وما دام هناك تمييز واضح بين المرأة والرجل، الأب والأم، تمييز قائم على اعتبار واحد منهما هو أدنى من الآخر بشكل من الأشكال، قانونياً أو مؤسساتياً أو اجتماعياً، فإن الأسرة ستكون عرجاء بالضرورة. وهذا ما نلمسه الآن يومياً في حياتنا.

وهذا عرج يزداد يومياً مع تقدم الحياة التي تفرض على الطرفين، الرجل والمرأة، أن يكونا على قدر واحد من المسؤولية تجاه أولادهما. وإن كان كل منهما بشكل يختلف إلى هذا الحد أو ذاك عن الآخر. وهو اختلاف بالشكل فقط. ولا تتطابق هذه المسؤولية المتساوية المشتركة مع حقوق غير متساوية، وتمييزية.

ومن هذه الوجوه أيضاً أن الأسرة لم تعد هي الخلية المغلقة على ذاتها. ولم يعد في إمكانها أن تقوم بأدوارها المتعددة باستقلال عن المجتمع المحيط بها. فلا التعليم هو تعليم “الكتّاب” السابق، ولا الصحة هي “حجاب” يقدمه رجل صالح، ولا التربية هي حكايات جدة على نار مدفأة حطب. بل صارت هذه الأدوار تتطلب جهات عدة لتحقيق المهمة الواحدة. وهذه الجهات لا يمكنها أن تقوم بأدوارها جيداً ما لم تعي، نظرياً وعملياً، أن دورها دور بالغ الأهمية لتستطيع الأسرة أن تقوم بما عليها.

وهذا يعني أن على المجتمع ككل، حكومة ومنظمات غير حكومية، أن تأخذ مسؤولياتها المتضافرة مع الأسرة على محمل الجد. إذ لا يكفي، مثلاً، أن يكون لدينا بضع رياض أطفال. بل من المهم أن يكون عددها، وتوزعها، وشروطها، وتكاليفها، و… مناسبة للمرأة أياً كان عملها. وسواء كانت عاملة أم لا.. ولم يعد يكفي أن نوزع مستوصفات صحية في الأحياء، بل لا بد أن يكون أداؤها وكادرها ودوامها مناسب أيضا لأسرة عادية. وليس كما هو الحال الآن: تناسب فقط الأسرة التي تعيش قرب المستوصف، ولديها الوقت الصباحي المناسب. وقس على ذلك الكثير من الخدمات الاجتماعية الأخرى التي لا يمكن للأسرة العربية أن تنهض بمسؤولياتها بجدية دون توفرها..

ومع أن الكثير من العمل يجري على بعض الصعد، إلا أن الاهتمام الجاد بالإعلام ودوره في هذا الأمر ما يزال أدنى من أن يلحظ. ولا يكفي هنا أن نعدد مقالات في الصحف أو المواقع الالكترونية، ولا بعض الندوات المتلفزة بين حين وآخر. بل إن أهم وسيلتين في هذا المجال، وهما المسلسلات التلفزيونية، والإعلام الشعبي المباشر (نشرات توزع على البيوت، وحلقات نقاش في الواحدات السكانية الصغيرة..) ما تزالان مهملتين تماماً من زاوية عملية.

ربما لذلك نقسو أحياناً في نقد الاحتفاليات التي تجري بهذه المناسبة، كما في غيرها. فهناك الكثير والكثير من العمل الميداني الذي يحتاج من الجهود أكثر بكثير مما هو متوفر حتى لو استخدم بكامله. ونحن نرى أن الاحتفاليات يجب أن تأتي تتويجاً لأعمال عملية ميدانية.. لا العكس.. أو على الأقل، يجب أن تكون حجر أساس لعمل جدي ميداني.. دون أن نقلل بذلك من أهميتها.

ليس هذا بالأمر الهين. ويحتاج طبعاً إلى إمكانيات بكل المعاني، المعنوية والمادية و.. ويحتاج أولا إلى قرار جاد ومسؤول. لكنه أمر يمكننا أن نقوم به. ولدينا الكثير من المعطيات الأولية التي تجعل من البدء ميدانيا بهذا العمل أمرا ممكناً بقوة.