18/2/2006

بقلم: بسام القاضي
ليست قضية جديدة قضية الأمهات السوريات المتزوجات من غير سوريين، اللواتي ينظرن بعين اللوعة إلى حقهن المهدور بأن يكون لأبنائهن حق المواطنة في بلدهن، بسبب قانون الجنسية الذكوري السيء الذي يحصر حق المواطنة بسلالة الذكور! نافياً عن الإناث هذا الحق! وليس في هذا أية مبالغة. إذ لا يوجد تبرير من أي نوع، لا أخلاقي ولا تاريخي لقانون الجنسية السوري الذي يعد أولاد السوري فقط، دون السورية، هم من يحق لهم أن يحصلوا تلقائياً، بمجرد ولادتهم، على حق الجنسية السورية، أي حق المواطنة السورية!

والقانون الذي يعود إلى عقود طويلة مضت، ربما لم يكن يشكل مشكلة حقيقية (رغم التمييز الصارخ الذي يعبر عنه) عندما كان سكان سورية لا يتجاوزون ملايين قليلة، الأغلبية الساحقة منها تعيش في الأرياف المنعزلة. بل حتى المدن لم تكن سوى أرياف كبيرة نوعاً ما. وبالتالي كان الاختلاط مع غير السوريين هو بحكم النادر أصلاً. أما اليوم، ومع نحو 20 مليون مواطن ومواطنة، وانفتاح البلد على العالم انفتاحاً لا رجعة فيه، والحركة البشرية الواسعة بين السوريين وغير السوريين بالاتجاهين، فقد تحول القانون ليصير سيفاً ليس معلقاً فوق رؤوس المواطنات المتزوجات من غير السوري وحسب، بل هو يجز أعناق أولادهن بغير رحمة. ويحرم نساء كثيرات أخر من مجرد التفكير بإمكانية الزواج من غير السوري ما لم يكن الخيار متاحاً ومحسوماً بالعيش خارج سورية وعدم الاهتمام بالجنسية السورية! فهل هذا ما نريده في القرن الحادي والعشرين؟ هل نريد أن ندفع المواطنات اللواتي يفكرن بالزواج من غير السوري إلى اعتبار الجنسية السورية عبئاً لا ضرورة له؟

تنص المادة الثالثة من قانون الجنسية السوري على: “المادة 3 ـ يعتبر عربياً سورياً حكماً:

    • أ ـ من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري.

    • ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً.

    • ج ـ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس.

    • د ـ من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية.

    • هـ ـ من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهن المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة.”

الفقرة أ منه واضحة لا تحتاج إلى تبيان. فهي تحصر هذا الحق بالجنسية السورية لمن ولد من (أب) وليس من أب أو أم! وهي أساس المشكلة. إذ لم نفهم لماذا هذا التمييز الصارخ؟ وما الذي (يفيد) فيه المواطنة أو البلد أو ما الذي يحميه منه أن يحرم أبناء الأم السورية من هذا الحق؟ الا يتضمن هذا انتقاصاً آخر من قيمة المرأة وحقها كمواطنة متساوية في الحقوق والواجبات مع الرجل كما ينص على ذلك الدستور السوري؟ وأليس في هذا خرقا فاضحا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجميع المواثيق الدولية التي وقعت عليها سورية؟

والمثير حقا في هذا القانون هو أن يكون للقيط المولود في سورية، ولمن لم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً هذا الحق في الجنسية السورية، ولا يكون من حق الابن الشرعي الذي يولد لأم سورية متزوجة من غير السوري هذا الحق؟! أليس في هذا دعوة واضحة وصريحة للنساء السوريات الراغبات ببناء أسرة مع شريك غير سوري لإنجاب أطفالهما خارج مؤسسة الزواج حتى يحصل الأبناء على الجنسية السورية؟! فهل هذا ما يريده القانون؟

والمواطنة هي حق أولاً بغض النظر عن أية حقوق أو واجبات تترتب على هذا الحق. إلا أن الواقع يقول أن هذا الحرمان من المواطنة يرتب على المولود لأم سورية متزوجة من غير سوري واجبات كثيرة مثله مثل المواطنين السوريين، ولكنه لا يتمتع بالحقوق ذاتها.

يبدو لنا حرمان المرأة السورية من حقها الطبيعي هو حرمان لا يمكن تفسيره ولا قبوله بأية أعذار، خاصة تلك السياسية منها في عالم اختلفت فيه المعايير اختلافاً بينا، واختلف فيه الواقع اختلافاً نحن جزء منه، نمارس فيه ايضاً هذا الاختلاف.. لذلك ندعوكم جميعا للمساهمة في نقاش هذا القانون بكافة جوانبه، كما ندعو النساء المعنيات بهذا الأمر إلى المبادرة إلى طرح قضاياهن على صفحات موقع “نساء سورية”..