22/8/2007
ويدعون أنهم يشجعون “العمل التنموي” في سورية! ويطلقون التصريحات حول “العمل التطوعي” وأهميته وضرورته وتشجعيه!! وبدون أية قطرة عرق على الجبين، يجلسون على المنصات في الندوات، ويبتسمون: صار لدينا كذا من الجمعيات!
خمس جمعيات دفعة واحدة تتلقى الصفعة التي كان واجهتها فرع حزب البعث بالسويداء، ويعرف الجميع أن القرار الأولي من فرع الحزب كان الموافقة، قبل أن يأتي “الكتاب الأصفر” من الجهات التي هي من يقرر الموافقة من عدمها وفق قانون الطوارئ والتعليمات التنفيذية لقانون “تدمير الجمعيات” سيء الصيت المسمى “بقانون الجمعيات”، والذي ادعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أنها تعمل على “عصرنته” رغم تصريحاتها “بضرورة قانون جمعيات متشدد لحماية الأوربيين من إرهابنا”!! وهذه الجمعيات هي: 1- الجمعية السامية بالدويرة. وقد رفض منحها الترخيص الذي تقدمت به بتاريخ 27/6/2007، بذريعة “لأسباب اجتماعية”! لم تبين في قرار الرفض!
2- جمعية الطبوغرافين السوريين، وقد رفض منحها الترخيص “لعدم الحاجة إلى خدمات مثل هذه الجمعية”، وكانت قد تقدمت بطلب الترخيص في 1/11/2006.
3- جمعية الغذاء الصحي بقرية “القريا”، وقد رفض منحها الترخيص الذي تقدمت به بتاريخ 14/11/ 2006، بذريعة “عدم توفر مقومات النجاح”!!
4- جمعية القديس لوقا الطبيب، وقد رفض منحها الترخيص الذي تقدمت به بتاريخ 19/1/2006 بذريعة “وجود جمعية الحكمة الخيرية التي لها أهداف مماثلة”!!
5- جمعية دعم المرأة ومناهضة العنف الأسري، وكانت قد تقدمت بطلب الترخيص بتاريخ 30/9/2006، ورفض طلبها بذريعة أن “للجمعية نفس أهداف الاتحاد العام النسائي”!!
هذه هي الأسباب التي “أظهرت” في حواشي الرفض للجمعيات المعنية. ومن الواضح هنا أن كلام السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، والمتعلق بتشجيع العمل والجمعيات التنموية، هو، كما تعرف هي، حبر على ورق! وحديثها عن المجتمع المدني (الذي تصر الجهات الحكومية على إعادته إلى الوراء عبر تسميته بالمجتمع “الأهلي”)، يعني أولا وأخيراً “المجتمع الذي ترضى هي عليه، وترضى عليه الجهات الأمنية المعنية وحدها بالقرار النهائي بترخيص هذه الجمعية أو تلك”! كما معنية وحدها بسحب ترخيص هذه الجمعية أو تلك!
من المؤسف فعلا أن نضطر للتساؤل: ألم يجد الذين اتخذوا قرارات الرفض بعضاً من الوقت لصياغة حجج أقل بؤساً من هذه التي ساقوها؟ هل لدى هؤلاء قائمة بعناصر “نجاح” هذه الجمعية أو تلك حتى يقرروا أن جمعية الغذاء الصحي بالقريا “لا تتوفر على مقومات النجاح”؟! وهل صار هؤلاء من الذين يتلقون تدريباً متقدماً في العمل المدني وآليات ومقومات نجاحه؟!
وماذا تعني “أسباب اجتماعية”؟ هل يمكن أن تكون أن هناك “نفراً” ما لم يعجبه أن تكون هناك جمعية في الدويرة؟ أو لم يعجبه أن هذه الجمعية تضم هذا الشخص أو ذاك؟ أم لعله أن هذه الجمعية لا تضم هذا الشخص أو ذاك؟! وهل للجهات الأمنية، أو لفرع الحزب الذي صدرت عنه إشارة عدم الموافقة، بعد أن تسرب موافقته على ترخيص الجمعيات الخمس، الصلاحية لتقرر إن كان هناك حاجة لجمعية تضم الطبوغرافيين؟ ومنذ متى يحق لأحد، وفق الدستور السوري، أن يقرر نيابة عن مجموعة من الناس إن كان هناك حاجة ليلتموا في جمعية تضم اختصاصي مهنة ما، أم لا؟ وما هي معايير “الحاجة” التي اعتمدوها؟! أما جمعية “دعم المرأة ومناهضة العنف الأسري”، فقد رفض ترخيصها لأن للجمعية “نفس أهداف الاتحاد العام النسائي”!
ليت المعنيين فكروا قليلاً فقط. من الواضح أنه لا فكرة لديهم أبداً أن أهداف الاتحاد العام النسائي في سورية لا تضم أي “مناهضة للعنف الأسري”، ببساطة لأن الاتحاد المعني لا يعترف أصلاً بهذه الظاهرة. ودراسته اليتيمة حول هذا الأمر أتت نتيجة نشاط المجتمع المدني. طبعاً هذا عدا عن أن التشابه، بل التطابق لا يعني شيئاً. فمن حق المواطنين والمواطنات السوريات أن يؤلفوا ماشاؤوا من الجمعيات، هما تقاربت أهدافها أو تطابقت. خاصة في ظل واقع مزري لعدد الجمعيات العاملة في كافة نواحي المجتمع المدني، ولنوعية نشاطها أيضاً.
والاتحاد العام النسائي، الموصوف رسمياً بمنظمة شعبية، هو جهة حكومية بامتياز، شأنه في ذلك شأن جميع المنظمات الموصوفة بالشعبية في سورية. والأمر لا يحتاج إلى براهين، فالمقرات التي يستخدمونها ملك للحكومة، أو مدفوعة الأجرمن الحكومة، كذلك السيارات التي يتنقلون بها، والمصاريف المختلفة لعملهم، والقسم الأوفر من ميزانيتهم، (والقسم المتبقي من الميزانية هو من منظمات دولية يجري تحويلها إلى الاتحاد العام النسائي عبر الحكومة)!
والاتحاد العام النسائي، الذي دأب خلال الفترة الماضية على التصريح بأنه لا يحتكر العمل في قضايا المرأة في سورية، ويرفض هذا الاحتكار، مطالب اليوم ليس بتكرار تصريحاته، بل بالتأكيد العلني أنه يرفض أي ممارسة من أي جهة ما تعيق عمل المنظمات المختلفة في قضايا المرأة بذريعة تشابهها مع أهداف الاتحاد العام النسائي. وما لم يؤكد رفضه هذا علنا، سيكون مشاركاً ومتواطئاً مع كافة القرارات التي تتخذ بهذه الذريعة، أيا كانت التصريحات الأخرى لمسؤولاته.
والأهداف التي اعتمدتها جمعية دعم المرأة ومناهضة العنف الأسري، جاءت على النحو التالي:
1- تنمية وتطوير دور المرأة عن طريق إرشادها وتوجيهها للاندماج في المجتمع والمساعدة في بناء الوطن عبر تفعيلها اقتصاديا.
2- مناهضة العنف الأسري والمساعدة اجتماعيا ونفسيا وصحيا وإقامة محاضرات توعية في هذا المجال والتعريف بالقانون السوري عامة وقانون الأحوال الشخصية خاصة.
3- مساعدة الأطفال الذين يعانون من مشاكل تربوية ونفسية على تخطيها بالتنسيق مع المدارس والأسر وعبر المرشدين النفسيين.
4- إقامة مشاريع تنموية لدعم الأسر الفقيرة التي تعاني من مظاهر العنف ومن اجل خلق موارد للجمعية.
5- العمل على إقامة مركز للمعنفات والأطفال المنفيين يعنى بالعلاج وتوفير جو نفسي مناسب ونقاهة ضرورية لتخطي المشاكل التي يعانون منها.
6- إقامة ندوات علمية حول قضايا السكان والصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي.
7- من اجل العمل على التوعية لتحقيق شعار أسرة اصغر ومستقبل أفضل.
لكن، وفق تسريبات يجري تداولها في السويداء، أن هذه الجمعية لم تمنح الترخيص لسبب محدد، هو وجود السيدة ريما فليحان، عضوة فريق عمل نساء سورية، في قائمة الأسماء المؤسسة لهذه الجمعية! بل جرى تسريب أن رفض الجمعيات الأربعة الأخرى جاء للسبب نفسه، رغم عدم وجود السيدة فليحان في أي منها؟! هذا مضحك فعلاً!! ويكاد لا يستحق الرد لولا أننا نعرف أن بعضاً منه صحيح على الأقل. فالسيدة ريما فليحان “أزعجت” بعض الجهات في السويداء لأنها لم تقبل سابقاً أن تكون شريكة في أكثر من قضية فساد مهمة على مستوى المحافظة! ولأنها لم تقبل أن تبقى صامتة على خروقات كثيرة على أكثر من مستوى في العمل المجتمعي في السويداء! وآخر ذلك كان القرار القراقوشي بمنع وصول وجبات غذاء وألبسة إلى جمعية دار اليتيم، ومنع عرض معرض للوحات رسمها أطفال الدار، وهو النشاط الذي كانت قد اشتغلت عليه ونظمته السيدة فليحان باسم مرصد نساء سورية!
ويعتقد المسؤولون عن القرار أن أساليبهم المعتادة في التخويف والإعاقة ستنفع هنا. لكن يسرنا حقاً أن نؤكد لهم ما أكدناه على الدوام، في كل مناسبة: إن هذا بلدنا يا سادة. وسوف نبقى نبذل كل شيء من أجل تطوير مجتمعنا في كافة الصعد التي هي قيد اهتمامنا. ويمكنكم طبعا أن تعيقوا ذلك مرات ومرات، وتعطلوا هذا النشاط أو ذاك. بل يمكنكم، كما يعرف الجميع، فعل أكثر من ذلك بكثير. لكننا لسنا بوارد التنازل لكم، أو لغيركم، عن الحياة التي نعيشها، وعن دورنا في تطوير مجتمعنا بكل وسيلة نتمكن منها.
ولنقل أن جمعية دعم المرأة ومناهضة العنف الأسري قد منعت فعلاً لوجود السيدة فليحان في قائمة مؤسساتها، لم رفضت طلبات ترخيص الجمعيات الأخرى؟ وأي حجة ستطلع بها علينا الدكتورة ديالا الحاج عارف، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، فيما لو وجدت أن الأمر برمته يستحق التفاتتها؟ ما موقع رفض الترخيص هذا من “تأكيداتها” الدائمة على “دعم” الوزارة للمزيد من الجمعيات العاملة على تطوير المجتمع وتنميته؟ أم، كما هي العادة، سوف تؤكد لنا من جديد وجود “ارتباطات مشبوهة وفساد و..” في مشاريع الجمعيات هذه، مما اقتضى، “حفاظاً على المصلحة العامة”، درء الخطر الداهم الذي ستشكله على مجتمعنا برفض الترخيص لها من البداية؟!