26/6/2009

يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته وساهمت فيه ووافقت عليه دول وحكومات العالم، الممثلة في الجمعية العمومية ومنها بلدنا سورية ، على أن حقوق الإنسان الأساسية هي من حق كل شخص. وواجبة التطبيق في كل مكان وزمان، “.وتنص المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه : “لا يُعرَّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو المحطة بالكرامة.” وعبَّر اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 عن وجود إجماع دولي على أنه يحق لكل شخص عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية.

وفي العام 1966 تم اعتماد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه سورية ، والذي تحظِّر المادة السابعة منه ممارسة التعذيب والمعاملة السيئة ، كمالا يجوز أبداً تقييد هذا الحق حتى “باسم حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة” (المادة 4). وفي عام 1975 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ( إعلان مناهضة التعذيب )الذي يحدد التدابير التفصيلية التي ينبغي على الحكومات اتخاذها لمنع وقوع التعذيب ، وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 1984 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التعذيب ، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب) ، صادقت عليها سورية في 2004– وبتحفظ – وهي معاهدة دولية تلزم الدول الأطراف باتخاذ خطوات محددة لمنع التعذيب والتحقيق فيه وتنص على الولاية القضائية الشاملة في مقاضاة ممارسي التعذيب المزعومين. كما تنص الاتفاقية على إنشاء لجنة لمناهضة التعذيب للإشراف على تنفيذ أحكامها. وفي العام 1985 قررت الأمم المتحدة تعيين مقرر خاص معني بقضايا التعذيب، يتضمن عمله إرسال مناشدات عاجلة إلى الحكومات في الدول التي يرد منها أخبار تشير إلى أن أشخاصا يتعرضون فيها لخطر التعذيب .

ووفقاً لآليات حقوق الإنسان الدولية، قد يتم انتهاك هذا الحق بطرق متعددة، منها ما يلي:

  • الإصابة المباشرة بألم عضوي حاد أو نفسي من قبل عملاء تابعين للدولة بقصد التعذيب؛
  • نفي شخص أو إعادته إلى دولة يواجه في خطر التعرض الحقيقي للتعذيب أو التعرض لمعاملة أو عقاب غير إنساني أو مهين؛
  • احتجاز الأشخاص في معتقلات تحت ظروف غاية في السوء، حتى في حالة انتفاء قصد التعذيب والاحتجاز في المنفردات لمدد طويلة؛
  • العقاب الجسدي (الجسمي) للأطفال في المدارس. تحمي آليات حقوق الإنسان الدولية التالية حق عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية أو العقاب المهين:
  • لجنة حقوق الإنسان المنبثقة من الأمم المتحدة
  • لجنة الأمم المتحدة ضد التعذيب
  • الممثل الخاص للمدافعين عن حقوق الإنسان
  • المقرر الخاص المنوط بمنع التعذيب
  • المقرر الخاص المنوط بمنع ممارسة العنف ضد المرأة
  • الإجراء 1503
  • اللجنة البين أمريكية لحقوق الإنسان
  • اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
  • اللجنة الأوربية لمنع التعذيب والمعاملة غير الإنسانية أو العقاب المهين

وفي سياق التطور المناهض للتعذيب، وما رافقه من إنجازات مهمة ، كالاتفاقيات الدولية والاليات الدولية المعنية ، كان بلا شك التعبير العملي لسياق النضوج المعرفي لزاوية الرؤية لقضية التعذيب، مما أسهم في أخذ مفهوم التعذيب دلالات أوسع وأعمق واشمل، وهذا ما ترك أثره على مستوى ثقافة حقوق الإنسان من جهة، ومستوى الحراك المناهض للتعذيب من جهة ثانية، وربما من أهم المفاصل في هذا التطور، هو ارتباط التعذيب بالتمييز، ليشكل التمييز وبكافة أشكاله وصوره السلبية في هذا المجال اعتداء على مفهوم حقوق الإنسان من أساسه ، لأنه يشكل المنطق الذي تمارس استنادا عليه كل أشكال الاضطهاد الاجتماعي والقومي و الإقصاء الإيديولوجي و الاستبداد السياسي وإلغاء الآخر المختلف, وكذلك الذي يحرم على أساسه أشخاصا أو مجموعات معينه من حقوقها الإنسانية الكاملة ، بسبب هويتها أو معتقدها أو انتمائها، وذلك بعد تجريدهم من صفاتهم الإنسانية ، مما ينتج عنه عملية تغذية متبادلة بين التعذيب و التمييز ، فالتمييز يمهد للتعذيب ، وماهية التعذيب تستند على ماهية التمييز .. أن تنفيذ مقولة سيادة القانون فوق الجميع ، وإرساء قواعده ، بالإضافة إلى ممارسات المسئولين الحكوميين وفق القانون نفسه ، وبشكل دقيق .واعتبار انتهاك المسئول للقانون هو أولا و أساسا انتهاك للدولة، وعندما يعلق الدستور، وتحكم السلطة بموجب استمرار العمل بحالة الطوارئ و الأحكام العرفية، وتكون ممارسة التعذيب بأشكاله المختلفة سمة أساسية من سمات هكذا سلطة. ومن هنا يمكن اعتبار مناهضة التعذيب و العمل ضده ينطوي على إرساء سيادة القانون الدولي – ويستلزم وجود قدرة على التعامل على أساس دولي مع الانتهاكات التي ترتكبها جميع الدول، من دون تمييز، للواجب المترتب عليها في احترام القانون وحظر التعذيب وسوء المعاملة، وقدرة على الصعيد الدولي تكفل تحميل الأفراد مسؤولية جنائية عن التعذيب. وقد تحقق العديد من الإنجازات المفصلية في هذا السياق .

ونحن كمنظمات حقوقية في سورية وفي اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سورية الراصد نشعر بقلق بالغ إزاء دأب واستمرارية السلطات الأمنية في سورية في ممارس التعذيب على نطاق واسع وبشكل منهجي ومنظم وكأداة لقمع النشاط المعارض علما بان الدستور السوري النافذ يحظر التعذيب وقانون العقوبات ونظام السجون السوري يعاقبان على جريمة التعذيب ، ففي اغلب الأحيان تترافق الاعتقالات التي تحدث في سورية بسوء المعاملة و التعذيب والأساليب الحاطة بالكرامة الإنسانية ،والضغوط النفسية والجسدية ،وهو من أبشع الانتهاكات التي تمارس بحق المعتقلين, وتأتي هذه الممارسة في ظل حالة الطوارئ و بعض القوانين الاستثنائية والمراسيم التشريعية والأوامر الإدارية التي تشكل حاضنة ” قانونية” وسياسية وأيديولوجية لممارسة مختلف الانتهاكات لحقوق الإنسان ومنها ممارسة التعذيب والتي أصبحت جزءاً من سياسة الأمر الواقع ضمن الإجراءات العقابية المختلفة،و فتحت باب ممارسة التعذيب على نطاق واسع وحمت مرتكبي جريمة التعذيب من الملاحقة القانونية والقضائية وأهدرت حقوق الضحايا ، كالمادة 16 من قانون إحداث إدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم \ 14\ تاريخ 15\1\1969 والتي تنص على ” لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم , أو في معرض قيامهم بها , إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير .والمادة \ 74\ من قانون التنظيمات الداخلية إدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم \ 549 \ تاريخ 12\5\1969 والتي تنص على ” لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة , أو المنتدبين إليها أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها , مباشرة أمام القضاء , في الجرائم الناشئة عن الوظيفة , أو في معرض قيامه بها , قبل إحالته إلى مجلس التأديب في الإدارة , واستصدار أمر ملاحقة من المدير ، وتم تكريس هذه المنظومة القانونية التي تتيح ممارسة التعذيب على نطاق واسع وتحمي مرتكبيه من الملاحقة القضائية وتهدر حقوق الضحايا ، بالمرسوم التشريعي رقم 69 لعام 2008 ، مما يضرب بعرض الحائط كل المناشدات المحلية منها أو الدولية والتزامات سورية الدولية بموجب تصديقها على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .

ولذلك تحول التعذيب في السجون والفروع الأمنية وأماكن الاحتجاز المختلفة إلى ممارسة عادية نمطية ، حيث يمارس بشكل واسع النطاق ومنظم يقاسيها السجناء السياسيين المعارضين والإسلاميين والكرد والموقوفين الجنائيين في البلاد في العديد من الحالات، وكل من يبدي معارضة للحكومة يتعرض لخطر الاعتقال والتعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية ونتيجة للالتصاق الشديد من قبل رجال الأمن والأجهزة المشرفة على السجون بالسلطات السياسية تعتبر هذه الأجهزة أي شخص معارض بمثابة عدو شخصي.

من هنا نعود و نؤكد في الراصد ، بهذه المناسبة ،لنقول بوضوح بان المداخل الأساسية لعملية التنمية المجتمعية ولتمتين أواصر المواطنة ولتنمية الديمقراطية ,تبتدئ بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها قانونيا، وذلك عبر العمل على الاستجابة للمطالب الحقوقية, والتي هي مطالب أجمعت عليها كل الهيئات المدنية والسياسية والحقوقية السورية :

  • إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية المعلنة في البلاد منذ عام 1963 ، وإيقاف الاعتقال التعسفي ,والإفراج عن كافة معتقلي الرأي و المعتقلين السياسيين ووقف المحاكمات الجارية أمام محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية و التي تفتقر إلى أدنى مقومات المحاكمات العادلة وإلغاء جميع المحاكم الاستثنائية وإلغاء الأحكام الصادرة عنها والآثار السلبية التي ترتبت على أحكامها.
  • إقرار مبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية، مع التنصيص على هذا المبدأ في الدستور.
  • احترام سيادة القانون في الممارسة على كافة المستويات وإتباع نهج أسلوب المساءلة و عدم الإفلات من العقاب للمنتهكين كيفما كان مركزهم و مبرراتهم.
  • اتخاذ التدابير الدستورية و التشريعية و الإجرائية لإقرار القضاء كسلطة مستقلة و لتطهيره من الفساد و ضمان استقلاليته و نزاهته وكفاءته0
  • ضمان الدولة لحماية فعالة للمواطنين من جريمة التعذيب.وتفعيل المادة –391-من قانون العقوبات التي يعاقب فيها المشرع السوري على ممارسة التعذيب.فمن حق الموقوف الذي تعرض للتعذيب أثناء استجوابه من قبل رجال الشرطة أو رجال الأمن ،الادعاء عليهم أمام القضاء ومعاقبة من مارس التعذيب والحكم بتعويض عادل يتحمله المسؤولون عن التعذيب بدلا من تحميل ذلك لميزانية الدولة.
  • تعديل قانون العقوبات السوري بما يتناسب مع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب .و الالتزام ببنود اتفاقية مناهضة التعذيب ،التي وقعت وصادقت عليها الحكومة السورية،ورفع التحفظات عليها.
  • المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وإنفاذه بطريقة فعالة .
  • إلغاء المادة-16- من المرسوم التشريعي رقم 14عام 1969، والمرسوم 64 لعام 2008 وجميع المراسيم والبلاغات العديدة التي تمنع إحالة رجال الأمن والشرطة إلى القضاء،وحصر أماكن التوقيف الأمنية وإخضاعها للرقابة والتفتيش المنتظم من قبل هيئات قضائية وغير حكومية.والسماح للأطباء والمحامين وأفراد الأسرة بالاتصال بالأشخاص الموقوفين،ومن دون الأضرار بمصلحة التحقيق .
  • ضمان حق الموقوف قانونيا ، قبل بدء التحقيق معه ، الاستعانة بمحام أثناء استجوابه في أقسام الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى والسماح له برفع دعوة عمومية ضد الموظفين العموميين ومن في حكمهم ومنهم ضباط الشرطة..وعدم إكراهه على الاعتراف بالجرم .وفقا للمادة(14رقم3)من العهد الدولي والمادة (67الفقرة ز)ومن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وكذلك المادة (21)من اتفاقية مناهضة التعذيب وعدم الأخذ قضائيا بالضبوط المنظمة أمام الجهات الأمنية.
  • ان تعمل الحكومة على انشاء هيئة مستقلة من قضاة ومحامين واطباء و ممثلين عن حركة حقوق الإنسان في سورية ،تقوم بالتحقيق في جميع ادعاءات التعذيب ،وتقديم المسؤولين عن التعذيب الى محكمة علنية وعادلة.
  • أن تكف الدولة على مكافئة من يقوم بعمليات العنف في التحقيق مع الموقوفين،والعمل على إعداد مختلف العناصر الأمنية ،ثقافيا وتدريبا على ثقافة حقوق الإنسان واحترامها.
  • إعداد دورات تثقيفية وعاجلة للعاملين في جهاز الشرطة ،حول كيفية التعامل مع المحتجزين داخل أقسام ومراكز الشرطة، بما يضمن احترام كرامة المواطن وحرياته الأساسية التي كفلتها نصوص الدستور والقانون وأحكام المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي التزمت بها الحكومة السورية .
  • إشراك جميع الهيئات والمؤسسات غير الحكومية في صياغة التشريعات والقوانين.
  • العمل على القطع مع سياسة التعتيم على أوضاع حقوق الإنسان في سورية و بتبني توجه جديد و إيجابي في مجال الحماية و النهوض بحقوق الإنسان .
  • إلغاء كافة أشكال التمييز بين المواطنين السوريين لأي سبب كان واحترام خصوصيتهم الثقافية والفكرية والدينية وضمان حقوقهم الديمقراطية في الحرية والتعبير.

وأخيرا نؤكد في الراصد على أهمية ترسيخ ثقافة الحوار والتسامح و قيمها بين مختلف تكوينات المجتمع المتعددة والمختلفة، الحكومية وغير الحكومية,من اجل التمكين من الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان ،التي تشكل دولة الحق والقانون الدولة الديمقراطية الدولية المدنية أهم ركائزها، وإن إرساء العلاقات الديمقراطية لن يتم بغياب مؤسسات المجتمع المدني التطوعية,ولا وفقا للعلاقة القائمة بين السلطة والمجتمع ,إنما بالاستناد على قواعد وأسس لعلاقة جديدة أساسها المشاركة والتسامح وسيادة مبدأ المواطنة واحترام حقوق الأقليات.

مؤكدين في الراصد على الترابط العضوي العميق بين الإصلاح السياسي و التحولات الديمقراطية و التنمية المستدامة ، وبين إعمال واحترام وتعزيز ونشر وتعليم ثقافة حقوق الإنسان .

اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سورية (الراصد)
المكتب الاعلامي
Website: www.kurdchr.com
E-Mail: kurdchr@gmail.com
radefmoustafa@hotmail.com
Mob:00963955829416