2/5/2008
في الثالث من أيار من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث يعتبر حق الإنسان في الحرية وبشكل خاص حرية الرأي والتعبير ( من خلال الصحافة الحرة المستقلة ) في مقدمة الحقوق الطبيعية التي تلتزم بها نظرياً كل القوانين الأساسية في العالم رغم اختلافها بتحديد ومضمون طبيعة الحكم. إن حرية الرأي والتعبير هي امتياز للإنسانية، التي لا تتلقى الحقيقة جاهزة على طبق من ذهب، بل تعمل جاهدة على كشفها بالبحث وحرية التفكير.
وقد أثبتت التجربة أن المجتمعات المتطورة هي التي تنعم بحرية التفكير والرأي، عكس المجتمعات المتخلفة التي تعيش في ظل القمع والعبودية، لأن النشاط الفكري والإبداع متلازم مع صيانة حرية التفكير وضمانها.
إن حق الإنسان الطبيعي في الحرية قد تعرض ولا يزال لمحنة حقيقية على يد الأنظمة القمعية التي تصادر الحوار والإقناع وتمارس الإرهاب بحق المخالفين لها بالفكر- رغم التطور الهائل لمفاهيم حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة على المستوى العالمي- وخاصة في دول الشرق التي لا تزال السلطات فيها تضيق ذرعاً بسماع أي رأي يخالف اتجاهها ورغبتها وتسلطها… ؛ ويلاقي المطالبون بها شتى صنوف القمع والظلم والاضطهاد.
أن حق التعبير عن الرأي، يعني في جوهره، حق الاتصال والمعرفة. اتصال الفرد بغيره من الأفراد واتصاله بالجماعة التي ينتمي إليها وبالجماعات الأخرى المجاورة أو البعيدة، ويكون حق الاتصال والمعرفة بالتعبير الشفاهي أو المكتوب أو الرسم أو بالتمثيل…الخ
ومنذ إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سوريا، في 8 / 3 / 1963 وصدور الأمر العسكري رقم / 4 / عن مجلس قيادة الثورة والمتضمن إغلاق جميع الصحف السورية ومصادرة آلات الطباعة ودور النشر وتوقف العمل بالقانون رقم / 53 / لعام 1949 المنظم لإصدار المطبوعات تجمدت الحياة الصحفية واحتكرت السلطة الحاكمة وسائل الإعلام بكافة أنواعها: ( المقروءة، المسموعة، المرئية ) ولم تسمح بالتعددية الإعلامية في البلاد، سواء في وسائل الإعلام القائمة أو في إعطاء الترخيص القانوني لوسائل إعلامية جديدة ومستقلة تعكس التعددية في الرأي والتعبير وتكون قادرة على مجاراة التطور العالمي. وبذلك نشأت الحاضنة القانونية لانتهاك حرية التعبير عن الرأي بشكل منظم.
ففي مجال الصحافة والإعلام، فإن قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم رقم / 50 / لعام 2001 يفرض القيود الصارمة بالعقوبات الزجرية القاسية والمالية الباهظة على الصحافيين ويمنع أي تعددية في مجال الصحافة والإعلام. وأعطى هذا القانون صلاحيات واسعة لرئيس مجلس الوزراء ووزير الإعلام في رفض وقبول التراخيص للصحف الجديدة ودون تبيان الأسباب.
أما اتحاد الصحفيين، فهو أيضاً يصدر العقوبات القاسية والتعسفية بحق الصحافيين، من خلال قانون اتحاد الصحافيين رقم / 1 / لعام 1990، حيث تنص المادة / 3 / منه على ( أن اتحاد الصحفيين هو اتحاد مؤمن بأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية وهو ملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجهاته ). أما المادة / 54 / من هذا القانون فتنص على ( أن الاتحاد يعاقب كل عضو يخرج عن أهداف الاتحاد ). فإذا ما عرفنا أنه لا يمكن العمل بالصحافة في سوريا دون الانتساب لاتحاد الصحفيين فإن هذا وحده كاف لضبط العمل الصحفي والصحافيين والسيطرة والهيمنة عليهم.
كما أن المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات الحكومية التي تأسست عام 1975 لازالت تحتكر جميع المطبوعات بموجب المرسوم التشريعي رقم / 14 / الذي حصر توزيع المطبوعات بهذه المؤسسة، حيث ارتبط التوزيع بمزاجية وقرارات مديرها وأعطت لنفسها الحق في تحديد النسخ الموزعة والنسبة التي تتقاضاها لقاء ذلك.
إنَّ واقع التشريعات السورية في مجال الصحافة والإعلام يعطي انعكاساً واضحاً عن انتهاكات حقوق الإنسان في هذا الحقل، وأهم الانتهاكات في هذا المجال:
- لابد من أجل إصدار أية مطبوعة من الحصول على الترخيص القانوني المسبق، وهذا الترخيص يخضع على العموم لمزاجية الجهة صاحبة القرار.
- القيود المفروضة على شكل هذه المطبوعة أوتلك وأيضاً المواد التي تتضمنها.
- القيود المفروضة على حرية إصدار المطبوعات والصحف التي تصدر بشكل دوري.
- شرط التأمين المالي المسبق لإعطاء الترخيص القانوني.
- القيود المفروضة على حرية تداول المطبوعات، أي إن عملية بيع وتداول المطبوعة في مكان عام يخضع للترخيص المسبق.
- احتكار الدولة للإذاعة والتلفزيون، ووضع الخطط والسياسات العامة المتعلقة بتنفيذها.
أما فيما يتعلق بشبكة الإنترنيت التي شكلت في السنوات الأخيرة فرصة جيدة أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية، فإن هذا الوضع لم يكن محل ارتياح السلطة التي لجأت إلى مراقبة وحجب العديد من المواقع، مع الاحتكار التام لهذه الخدمة من خلال الجمعية السورية للمعلوماتية والمؤسسة العامة للاتصالات اللتان تقومان بضبط وتنظيم اشتراك المواطنين السوريين بشبكة الإنترنيت الدولية عبر مزودين محليين للخدمة، أحداهما للجمعية السورية للمعلوماتية والثانية للمؤسسة العامة للاتصالات. و في هذا المجال فقد احتلت سوريا واحداً من أسوأ المراتب في التصنيف العالمي الذي تصدره منظمة ” مراسلون بلا حدود ” لقياس درجة حرية الصحافة في 169 بلداً، ومن بين الدول التي احتلت أسوأ المراتب، نجد سبع دول آسيوية ( باكستان، سريلانكا، لاوس، فيتنام، الصين، بورما، كوريا الشمالية ) وخمس دول أفريقية ( إثيوبيا، غينيا الاستوائية، ليبيا، الصومال، إريتريا ) وأربع دول شرق أوسطية ( سوريا، العراق، الأراضي الفلسطينية، إيران ) وثلاث دول في المجال السوفيتي السابق ( روسيا البيضاء، أوزبكستان، تركمانستان ) ودولة أمريكية ( كوبا ).
وفي هذا الإطار أيضاً فقد صدر في العام الفائت وتحديداً في 25 / 7 / 2007 تعميماً عن وزير التقانة والاتصالات السوري تعميماً يطالب فيه أصحاب مواقع النشر الالكترونية السورية بنشر أسماء كتاب كل المقالات والتعليقات التي تنشرها والعنوان الالكتروني الذي ورد منه…، وذلك ( …تحت طائلة إنذار صاحب الموقع ومن ثم عدم النفاذ إلى الموقع مؤقتاً، وفي حال تكرار وقوع المخالفة عدم النفاذ إلى الموقع نهائياً…) مع الإشارة إلى (…تحميل صاحب الموقع الالكتروني المخالف للمسئولية القانونية المدنية والجزائية الناجمة عن مخالفته لمضمون هذا التعميم…)
وقد برر الوزير هذا التعميم باعتباره رداً على تكرار (… ظاهرة نشر معلومات غير موثقة في بعض المواقع الالكترونية تتعرض لعدد من الأشخاص من دون اقتران هذه المعلومات بأية أدلة ودون وضوح نسبة تلك المقالات لأشخاص محددين، الأمر الذي يمس بمصداقية المواقع الناشرة لتلك المقالات من جهة وتخلق اضطراباً في المجتمع…) إضافة إلى (…إلحاق الأذى المادي والمعنوي بالأشخاص المعنيين..)..
وقد جاء التعميم المذكور في سياق استمرار سياسة التضييق والإلغاء والحجب…، التي اتسعت في عام 2007 لتطال العديد من المواقع الالكترونية، حيث تم إغلاق وحجب مواقع الكترونية عديدة، كموقع ” المشهد السوري ” و ” المرصد السوري ” و ” مرآة سورية ” و ” الحوار المتمدن ” و ” وموقع كسكه سور ” و ” موقع باخرة الكرد ” و ” موقع الرأي ” و ” موقع منظمتنا، المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD ) ” و ” موقع كرد ميديا ” و ” موقع بنخت كوم ” و ” موقع اللجنة الكردية لحقوق الإنسان ” و ” موقع صفحات سورية ” و ” موقع شفاف ” و ” موقع أخبار الشرق ” و ” موقع هوتمايل ” و ” موقع إيلاف ” و ” موقع عرب تايمز ” و ” موقع إسلام أون لاين ” و ” موقع جريدة الشرق الأوسط اللندنية ” و ” موقع جريدة المستقبل اللبنانية “…، إضافة إلى العديد من المواقع الإخبارية والثقافية والدينية ( الإسلامية ). وضمن هذا الإطار فقد صنفت العديد من المنظمات الدولية العاملة في مجال حرية الرأي والتعبير سوريا من الدول المعادية للانترنيت واستخدامها.
وأيضاً وفي السياق نفسه يتم اعتقال العديد من المواطنين السوريين بتهم تصفح الانترنت وتحويلهم للمثول أمام المحاكم الاستثنائية ( محكمة أمن الدولة العليا بدمشق أو المحاكم العسكرية ) وتوجه إليهم تهم من قبيل:
- القيام بكتابات لم تجزها الحكومة السورية وتعرض سوريا والسوريين لخطر أعمال عدائية.
- نشر أخبار كاذبة.
- الحصول على معلومات يجب أن تكون مكتومة حرصاً على سلامة الدولة السورية.
- القيام بكتابات تعكر صلات سوريا بدولة أجنبية.
هذا وقد شهدت السنة الماضية 2007 انتهاكات كبيرة في مجال حرية الرأي والتعبير، حيث تم اعتقال ومحاكمة المواطنين على أرائهم الشفهية أو المكتوبة، ومنها:
إصدار وزارة الإعلام السورية التعميم رقم / 293 / بتاريخ 2 / 12 / 2007 والذي يقضي بعدم التعامل مع الصحفي وضاح محي الدين ومطالبة الوزارة كلا من المدير العام لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والمدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ورؤساء تحرير صحف ( تشرين، الثورة، سيريا تايمز… ) بعدم التعامل مع المذكور ” حسب وصف التعميم ” وعدم نشر أي مقال له في هذه الصحف أو الصحف التابعة لها في المحافظات السورية.
يذكر أن كتاب من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش يحمل الرقم 17 /796 /23/4 تاريخ 10 / 10 / 2007 حمل شكوى إلى وزارة الإعلام بحق محي الدين رداً على مقالته التي نشرها في صحيفة النور. كما أن الرقابة الداخلية في وزارة الإعلام أصدرت المذكرة رقم 11 ( 5 / 6 ) تاريخ 25 / 11 / 2007 توصي الصحف الرسمية بعدم التعامل مع الصحفي وضاح محي الدين.
وكان الصحفي وضاح محي الدين قد نشر عدة مقالات في صحيفتي ( النور ) التابعة للحزب الشيوعي السوري ” حزب مرخص ” و( بقعة ضوء ) وهي صحيفة مستقلة, أناط فيها اللثام عن قضية فساد كبيرة في مؤسسة الاتصالات بمحافظة حلب, واثبت بالوثائق تناقض قرارات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش مع القرارات القضائية الخاصة بتلك القضية. ووضاح محي الدين من الصحافيين الذين ساعدوا في كشف الفساد في القطاع العام وساهم في كشف أكثر من حالة في سلك القضاء وفي المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش إضافة لمؤسستي المياه والكهرباء في مدينة حلب.
ومن جهة أخرى، تعاني الصحافة والرأي في معظم الدول العربية، مما تعاني منه الصحافة والرأي في سوريا، حيث يتم عرقلة حريتها واستقلاليتها وتفرض عليها قيوداً صارمة من خلال العقوبات الزجرية ( الجسدية، المالية ) القاسية.
كما أن الصحافة على الصعيد العالمي أيضاً لا تزال تتعرض للعديد من المضايقات والضغوطات ولا تزال أيضاً حياة الصحفيين والمراسلين الصحفيين مهددة ومعرضة للخطر الكبير بسبب ممارستهم لعملهم الصحفي في العديد من دول العالم، وبشكل خاص في الدول ذات الأنظمة الفردية والتسلطية التي تخاف من حرية الكلمة وكشف الخفايا والحقائق.
إننا في المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD )، وفي الوقت الذي نحيي فيه الصحفيين في كل مكان بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، فإننا في الوقت نفسه نعرب عن قلقنا الشديد للأوضاع التي يعاني منها الصحافيون وما يتعرضون له من إجراءات ومضايقات في مختلف مناطق العالم ودوله والتي من شأنها التأثير على عملهم وتعريض حياتهم لمخاطر جملة. وندين كل ما يتعرض له الصحافيين من انتهاكات لحقوقهم وحرياتهم الأساسية وبشكل خاص الانتهاكات التي تمس حريتهم وسلامتهم الشخصية.
وبهذه المناسبة فإننا ندعو السلطات السورية إلى إطلاق الحريات الديمقراطية وبشكل خاص حرية العمل الصحفي بعيداً عن العقوبات الزجرية التي لم تعد متناسبة مع المرحلة التي تمر بها البشرية، وذلك من خلال إصدار قانون عصري للصحافة وتعديل قانون المطبوعات وجميع التشريعات المتعلقة بالصحافة والإعلام وإلغاء القيود المفروضة على حرية إصدار المطبوعات والصحف التي تصدر دورياً وإلغاء قيد الترخيص المسبق من الحكومة كشرط أساسي لإصدار المطبوعة وإلغاء قيد التأمين المالي كشرط مسبق لإصدار الترخيص وإلغاء القيد الذي يتعلق بالموافقة على شكل المطبوعة والمواد التي تختص بها وإلغاء القيود المفروضة على حرية تداول المطبوعات وإلغاء الاحتكار الكامل للإذاعة والتلفزيون.