5/9/2008

شهدت منطقتنا في الأشهر الأخيرة جملة من الأحداث والمتغيرات الهامة، تركت آثارها على مجمل اللوحة التي سادت في المرحلة السابقة. وقد انتقل المسار العام من حالة التوتر وحافة الحرب إلى نوع من التهدئة في أكثر من ملف، ومن المؤكد أن “السياسة السورية الجديدة” تقع في أسس تلك المتغيرات، تتأثّر بها وتؤثّر فيها عميقاً.

تعرّض النظام السوري على مدى السنوات الأخيرة لضغوط شديدة مارستها أمريكا والغرب عموماً، على خلفية اتهامه بالتدخل في الملفات الإقليمية المضطربة في فلسطين ولبنان والعراق من جانب، ومن جانب آخر، عانى النظام عزلة عربية واضحة ومؤثّرة، على الخلفية ذاتها، بسبب من سياساته المغامرة التي اعتمدها في علاقاته العربية وتحالفه العميق مع إيران. تجلّت تلك العزلة أكثر ما تجلّت في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في دمشق أواخر نيسان الماضي.

جاء الإعلان عن بدء مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل برعاية تركية وبالتزامن مع اتفاق الدوحة مناسبة فتحت الباب أمام اندفاعة فرنسية تحاول تطبيع علاقات النظام مع العالم. وسيتوقف المدى الذي سيمضي إليه التوجه الفرنسي الجديد على درجة تجاوب النظام مع استحقاقات ذلك التوجه.

إن من يفهم آلية اشتغال النظام السوري وطريقته في إدارة أزماته، ومركزية عامل الوقت في نهجه، لم يكن ليستغرب ما حدث. ولم تعد الأسئلة من نوع “”كيف، ولماذا حصل هذا؟” مهمة، بل إن الأسئلة المهمة – كما نعتقد- تدور حول جدية هذا التوجه لدى النظام، وهل يريد فعلاً الرجوع عن سياساته تجاه العرب، ، ونهجه في التشدد تجاه الداخل، في ظل حالة الطوارئ المستديمة، تلك السياسات التي طالما آذت الشعب السوري كثيراً.

هل يريد فعلاً إعادة النظر في تحالفه مع إيران والعودة بالعلاقة معها إلى الحالة الطبيعية؟!
لاشكّ أنه من المبكر توقع الأجوبة عن هذه الأسئلة أو الخوض في دلالاتها والبناء عليها. ولعلّه موقف بالغ الدلالة بهذا الخصوص، ذلك الموقف السوري المفاجئ تجاه الأزمة الروسية الجيورجية الأخيرة ، الذي أثار لغطاً كثيراً – لم تخفّف منه التوضيحات اللاحقة- حول الدعوة لسياسة أحلاف جديدة طالما ألحقت بقضايانا بالغ الضرر في الماضي.

إن إعلان دمشق بصفته أحد أطياف المعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا، وبكامل الوضوح، لم يكن في نهجه وليس من أهدافه تعزيز عزلة النظام ومحاصرته، بل إن مشروعه الديمقراطي يركّز أساساً على الدفع نحو انفتاح النظام على الشعب السوري قبل أو بالتزامن مع انفتاحه المطلوب على العرب والعالم، خاصة وأن تجارب الحصار السابقة قد علّمتنا أن الشعوب هي التي تتضرر منها أولاً وأخيراً، وليست الأنظمة الاستبدادية وحدها. ورائز هذا الانفتاح الداخلي هو إلغاء حالة الطوارئ وتقدم مسألة الحريات وسيادة القانون وإلغاء القانون 49 لعام 1980 وحل مشكلة الأكراد المجردين من الجنسية ومعالجة الأزمة المعيشية الخانقة. كما أن الانتقال بسوريا نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان سيبقى هدفاً ثابتاً للشعب السوري والمعارضة الوطنية الديمقراطية بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه حالة الانفتاح الجارية، وبخاصة إذا لم تنعكس فعلياً في الواقع السوري.

إن قضية الجولان هي القضية الوطنية الأولى للشعب السوري. وانطلاقاً من المعطيات الاستراتيجية القائمة في المنطقة والعالم، وفي ظل الاختلال الكبير في ميزان القوى لغير صالحنا، فإن خيار السلام والحالة هذه يبقى خياراً صائباً على الدوام، ما دامت شروطه متوفرة. ، لذلك فإن استعادة الجولان في ظل تسوية تحمل طابعاً أكثر إنصافاً، وتساهم من خلال العملية السياسية المرافقة لها في محاصرة الطابع العنصري والاستيطاني والتوسعي للكيان الصهيوني، هي هدف يستحق الدفع به.

إن الطروحات التي تدعو إلى خيار استعادة الجولان بالقوة فقط في ظل الضعف الذي يسِمُ الوضع السوري والعربي القائم، أو تلك التي تسعى إلى تأبيد حالة اللاسلم واللاحرب القائمة منذ حرب 1973، تلك الحالة التي استنزفت الشعب السوري وعطلت نموه، هي طروحات تصوغها الكيدية والمزايدة والهروب، وهي بالتالي لا تبني أوطاناً.

إن الشعب السوري يريد من السلام حقوقه كاملة، ويريد بالقدر نفسه حرياته وحقه في العيش الكريم والتنمية.

لم يكن الإعلان عن المفاوضات غير المباشرة مفاجئاً، فأخبارها سبقته بزمن طويل، وهي ستبقى غير مباشرة ما دامت تدور حول الملفات الساخنة في المنطقة، التي تعتبر سوريا طرفاً فيها، كما يعتقدون في الغرب عموماً، إضافة إلى ما يكرره المسؤولون السوريون من أن تقدم المفاوضات وانتقالها إلى الشكل الجدي والمباشر مرهون بانخراط الإدارة الأمريكية كطرف راعٍ لها، الأمر الذي ما زالت الإدارة الأمريكية الحالية تتجاهله.

إن إعلان دمشق، واتساقاً مع رؤيته السياسية التي تنطلق من مصالح الشعب السوري، ومستقبل سوريا الديمقراطي، ودورها الإيجابي في المنطقة وفي العالم، يعلن أن واجبه الوطني يحتم عليه موقفاً إيجابياً من التطورات المستجدة في سوريا والمنطقة، طالما توفرت لها الإرادة السياسية الجادة والوضوح الكامل. وإذا كان هناك من تحفظات أو شروط لإعلان دمشق على المفاوضات، فإنها تتركز في الحفاظ على حقوق الشعب السوري كاملة في الأرض والمياه والأمن المتبادل، وأن تُدار على مستوى معقول من الشفافية، وأن تُقرّ نتائجها النهائية من قبل الشعب السوري حسب المعايير المعروفة دولياً. كذلك يجب ألآ تعطي للطرف الإسرائيلي، كما سوف يحاول فعله، أية مكاسب على حساب الطرف الفلسطيني الذي يسعى إلى تحقيق دولته المستقلة كما أقرتها القرارات الدولية ذات الشأن. ونعتقد أ، حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية هو الوحيد الذي يمكن له أن يؤمن استقرار المنطقة باعتبار أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت في أسّ الصراعات في المنطقة.

ـ الأمانة العامة لإعلان دمشق
بريد موقع النداء www.annidaa.org