22 فبراير 2004
كان شباط حماة سنة 1982 ملحمة وطنية. ملحمة بالمعنى اللغوي لا الفني، فرم فيه اللحم الوطني، وسفك الدم الوطني. مات فيه الشعور بالانتماء، والإحساس بالوشائج، غلب عمى الألوان على كل شيء، وتسوَّد الأسود النابع من اليأس، والأحمر يثبجه شلال الدماء. شُلَّ فيه الفكر، وسد الأفق، وساد الهرج، فذبحت مدينة بعمرانها ونباتها وإنسانها في فتنة عمياء.
فريق رأى ألا مخرج من الظلم والاستبداد إلا عبر مخاضة من الدماء فخاض، وآخر أبطرته القوة وغابت عنه الحكمة، فأحرق كل شيء حرصاً على البقاء.
لسنا في مقام القاضي، ولا على منصة إصدار الأحكام، ولكننا من موقع المراقب القريب نستطيع أن نجزم أن ما جرى في حماة سنة 1982 كان خطيئة وطنية. خطيئة تتطلب المراجعة من جميع الأطراف. مراجعة تتم بعيداً عن ثنائية (الضحية والجلاد).
في شباط حماة 1982 يتحمل النظام المسؤولية الأكبر لاعتبارات كثيرة، أولها أنه المسؤول العدل عن الجاني والمجني عليه، وثانيها أن عليه أن يوظف إمكانات الدولة لخدمة الدولة وليس للانتصار لفريق دون فريق… صمت الآخرين المطبق عن الحدث هذه الأيام، لا يفسر ولا يبرر ولا يحمل معنى البيان أو التقويم أو التوضيح.. وتوقيعهم على ميثاق شرف ينبذ العنف خطوة جيدة ينبغي أن تتبعها خطوات..
لقد كان شباط حماة سنة 1982 وما سبقه من أحداث منذ 1975 تأسيساً لجدار الخوف الذي سحق التطلعات الوطنية لأي تغيير إيجابي بناء، وتعزيزاً لسياسات التفرد والاستبداد، وذريعة لكل ما صاحبه وما تلاه، وكانت حماة، مدينة أبي الفداء، الشهيدة التي دفعت ودفع الوطن معها ثمن الفاتورة المتغطرسة العمياء.
مازال جرح حماة منذ اثنين وعشرين عاماً يئن، وجرحها ينزف، والمطلوب مراجعة وطنية شجاعة، تضمد الجرح وتعفي على آثار الدماء.
المدنيون الأحرار
22/2/2004