13 يونيو 2004
تلك هي الأيام، والحصيلة دائماً هي الباقية. الإمساك عن الأموات احتراماً لجلال الموت أدب، والعبرة مما كان واجب. وقبل أن تمضي ثلاثون عاماً أخرى من عمر الوطن، وربما أكثر، مطلوب طريقة للاعتبار تبدأ بأن يسأل صاحب القرار نفسه: كيف يحب أن يرى سورية في العام /2040/؟ وأن يحدد ما ينبغي أن يزول، وما يجب أن يكون، حتى لا تسكره خمرة المديح، ولا مزامير المنافقين.
ترك الراحل خلفه إمبراطوريات لا نظنه لم يكن يتمنى أن تزول قبل أن يزول، ولكن الآليات التي اعتمد لم تكن تعين على تحقيق الأماني.
خلف وراءه أولاً (إمبراطورية للشر) لم تزل معالمها قائمة، سجون ومعتقلات، وتجاوزات على حقوق الإنسان، وخنقاً للفكر والإبداع ومصادرة للحريات. الإنصاف يقتضينا أن نقول أن إغلاق (المزة) و(تدمر) إنجاز، ولكن الإنجاز سيكون أكبر حين لا يعني الإغلاق هروباً من سمعة (المكان) ومن ذكرياته السوداء.
وإمبراطورية أخرى للفساد، ذهبت بثروة الوطن وجهد المواطن، وأعيت الطبيب المداوي، من قبل ومن بعد، ذلك أن (حراس المصالح) كما سماهم الرئيس، لا يلتفون ولا يطأطئون إلا بثمن معلوم، (تغضي فيغضون) و(تدهن فيدهنون) وهل ينتج الفساد إلا فساداً.. ومن هنا وجب ومايزال أن تكون مكافحة الفساد وفق رؤية وطنية تبدأ من أسسه النفسية، ودوافعه الواقعية، وثالثاً من أدواته التنفيذية.. معضلة خلفها الراحل لمن يأتي بعده، وماتزال تنتظر. ومايزال أمر معالجتها كما قال الأخطل الصغير: خط سطراً في الهوى ومحا.
ثم إلى جانب هاتين الإمبراطورتين (الشر) و(الفساد) هناك هذا التفتيت الوطني المولد للخوف وللشقاق وللقطيعة والتدابر.. إنه في ظل محددات التهديد الخارجي يتأكد وجوب الخروج من حالة القطيعة والتفتيت إلى تأليف الجهد وتوحيد الموقف وجمع الكلمة. ولقد أفرز الواقع الشعبي في سورية وعياً لم يكن يستغرب منه، فلم تأتلف قوة من القوى الحقيقية على الساحة مع مشروع خارجي، ولم تشرئب إلى أي نوع من أنواع (المقاصة) الاستراتيجية أو السياسية.
وأبداً بقي ملف الجولان جرحاً يصيح.
في ذكرى الرحيل لا بد من معالم للإنجاز الحقيقي قبل الرحيل