11 يوليو 2004
تؤكد السياسة السورية المتأرجحة على ألسنة أقطابها أن عهد المركزية المغرقة قد تولى، وأصبح بمقدور العديد من الإداريين والموظفين الكبار أن يفتحوا نوافذ التعاطي السياسي كل على طريقته، وبمعطيات تخلو من التناسق، وتقع في إطار الاضطراب والتدابر.. هذه الظاهرة تؤكد غياب أو ضعف المركز الضابط الموجه، وبالتالي فإن كثيراً من لحن الخطاب الذي يصدر عن الساسة السوريين من أرفع المستويات يبدو لا معنى له.
بل إن بعض الطروحات تؤكد أن بين هؤلاء الساسة من يعتقد أن هذا الوطن ليس أكبر من مزرعة يديرها إقطاعي كبير يعتقد أن من حقه أن يمنح (الأقنان) فيها ليس حق الكسب والعمل فقط، ولكن حق الوجود أيضاً.
فالمواطنة في عرف بعض هؤلاء ليست حقاً طبيعياً أصيلاً يولد مع المواطن، ولا يدفن معه، وإنما يظل لاصقاً به ما وعته ذاكرة التاريخ. هذه المواطنة التي لا تقبل المنح أو المنع أو الرفع أو الخفض، تصبح مادة للمساومة على ألسنة بعض عرابي السياسة السورية، وكثيراً ما تند منهم الشروط المجحفة التي تطلب من المواطن، ليتمتع بحق المواطنة الذي يظن بعضهم أنه (هبة) يتكرم بها صاحب السلطة حين يشاء أو يسحبها من صاحبها عندما يريد!!
المواطنة بكل استحقاقاتها وتباعتها وواجباتها وجود بنيوي في كينونة المواطن تفرض له عليه، وتقتضي منه وله، وليس بوسع أحد، ولا من حق أحد أن يمد إلى هذا الحق لا يداً ولا عيناً. وهي ليست ورقة لعب يبرزها مالكها عندما يريد ويخفيها عندما يشاء.
معاداة الناس في أوطانهم، ونكران حقوقهم الوطنية عليهم، هي نوع من الاعتراض على الخالق الحكيم؛ اعتراض يتساءل صاحبه: لماذا خلق الله هذا الإنسان على هذه الأرض، أو في هذا العصر؟ والاعتراض على الخالق، كان منذ البداية شأن إبليس الذي حاول أن يغمط آدم حقه في الوجود وحقه في التكريم بقوله (أنا خير منه..)!!