8/3/2008
استعجل مجلس حقوق الإنسان مناقشة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بطلب من منظمة الدول الإسلامية، وأدان التدخل العسكري الإسرائيلي المتواصل في قطاع غزة بأغلبية 33 صوتا مقابل صوت واحد.
وللحصول على موافقة واسعة، تضمّن مشروع القرار أيضا إشارة للهجمات الفلسطينية ضد الأراضي الإسرائيلية؛ ومع ذلك تطلب الأمر مشاورات توفيقية حذفت الكثير من المشروع الأصلي للحصول على موافقة بالإجماع.
تزامن التصعيد الذي عرفته منطقة الشرق الأوسط بسبب التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة ردا على قصف صواريخ فلسطينية في اتجاه الأراضي الإسرائيلية وما ترتب عن ذلك من سقوط ضحايا مدنين، مع بداية انعقاد مجلس حقوق الإنسان في دورته السابعة. ونظرا لخطورة الوضع وفداحة ما خلفته هذه الأحداث من ضحايا في صفوف المدنيين، تم تقديم البند الخاص بوضع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة الذي كان مقررا في 17 مارس لمناقشته طوال يوم 6 مارس، بناء على طلب من الدول الإسلامية.
قرار متوازن لتفادي الخلافات
ومن بين ما ينص عليه مشروع القرار الذي تقدمت به المجموعتان العربية والإسلامية في مجلس حقوق الإنسان في صيغته الأصلية:
- إدانة الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة والتغلغل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالأخص هذا الأخير في قطاع غزة الذي ترتب عنه سقوط 125 قتيل ومئات الجرحى من بين المدنيين الفلسطينيين، ومن ضمنهم نساء وأطفال.
- يعبر القرار عن صدمته للقصف الإسرائيلي الذي تعرضت له بيوت الفلسطينيين وأدى إلى مقتل المدنيين، وللسياسة الإسرائيلية الهادفة لتطبيق عقاب جماعي ضد المدنيين، الأمر الذي يشكل جرائم حرب، ويطالب بتقديم مرتكبي تلك الجرائم للمحاكمة.
- ينادي القرار بوقف فوري للهجمات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولإطلاق قذائف المقاتلين الفلسطينيين التي أدت إلى مقتل مدنيين إسرائيليين في جنوب إسرائيل.
وانتهى المشروع بالنداءات الاعتيادية في مثل هذه الحالة للمجموعة الدولية وللمفوضة السامية لحقوق الإنسان من أجل حماية الشعب الفلسطيني ودفع إسرائيل “لوضع حد للانتهاكات الخطيرة المرتكبة من قبلها كقوة محتلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
“لا دفاع عن مواطني دولة بانتهاك حقوق الآخرين”
وتطرقت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويز آربور في كلمتها أمام مجلس حقوق الإنسان للوضع في الأراضي المحتلة وللقرارات السابقة المترتبة عن هذا المجلس في مختلف الجلسات العادية والطارئة؛ كالقرار الصادر في ديسمبر 2006 والخاص بالقيام بتحقيق تحت إشراف المقرر الخاص المعني بالوضع في الأراضي المحتلة جون دوغارد، والذي لم ينجز بسبب “عدم موافقة إسرائيل”؛ أو لجنة التحقيق التي أقر المجلس إرسالها في سبتمبر 2007 برئاسة القس ديسموند توتو بخصوص الأوضاع في بيت حانون، والتي قالت عنها “إنها لم تر النور بسبب عدم استعداد إسرائيل للتعاون من أجل السماح للبعثة بالزيارة انطلاقا من الأراضي الإسرائيلية”. وكذا القرار الصادر عن الجلسة الخاصة السادسة بخصوص تحقيق حول الانتهاكات المرتكبة في قطاع غزة من قبل كل الأطراف، أي إسرائيل والسلطة الفلسطينية وسلطة حماس، ولكن التصعيد الذي تعرفه المنطقة حال دون ذلك.
وبعد التذكير بكل هذه القرارات، عبرت المفوضة السامية عن قلقها “العميق بخصوص مقتل مدنيين”، كما أعادت التعبير عن إدانتها “للهجمات بصواريخ المقاتلين الفلسطينيين ضد أهداف مدنية إسرائيلية، وكذلك الاستعمال المفرط للقوة من قبل قوات الجيش الإسرائيلي”.
وانتهت المفوضة السامية في تقريرها للمجلس إلى المطالبة بـ”تحقيق مستقل وشفاف ومرتكز على القانون بخصوص مقتل المدنيين، ونشر النتائج وتقديم مرتكبي تلك الانتهاكات للحساب”.
وخلصت السيدة آربور إلى أن “الكل سواسية أمام القانون وليس من حق أي طرف أن يدعي أنه مسموح له، في دفاعه عن مواطنيه، بانتهاك حقوق الآخرين”.
اسرائيل ترفض “قرارات لا علاقة لها بالواقع”
سفير إسرائيل، إسحاق ليفانون، اهتم في رده برفض التعليل المقدم عن تعطيل مهمة لجنة التحقيق السابقة بقيادة القس ديسموند توتو بسبب رفض إسرائيل، مشيرا إلى أن القرار لم يحدد المكان الذي عليه الدخول منه إلى الأراضي المحتلة، وأنه اقترح عليه الدخول عبر مصر.
أما عن مشروع القرار المقدم اليوم، فيرى ليفانون أنه صورة طبق الأصل لمشروع القرار الذي قدمته المجموعتان العربية والإسلامية في الدورة السادسة. ويعتبر أن “الدول العربية والإسلامية لا تهتم بإصدار قرارات لها علاقة بالواقع على الأرض، بقدر اهتمامها بعدد القرارات الصادرة”، على حد قوله.
وحتى بعد التعديلات التي أدخلت على مشروع القرار، وصف السفير الإسرائيلي ما تحدثت عنه العديد من الوفود بأنه “مهزلة”، معددا الهجمات التي تعرضت لها مناطق جنوب إسرائيل، وواصفا ما يعاني منه سكان المنطقة بـ”وضع لا يُطاق”.
“صمتكم دفع للتهديد بمحرقة ضد الفلسطينيين”
أما السفير الفلسطيني، محمد أبو كوش، فبدأ كلمته بتقديم الشكر لوسائل الإعلام التي تحدثت عن “الفضائع المرتكبة من قبل إسرائيل، القوة المحتلة، ضد المدنيين العزل، والتي لم تتردد في استخدام طائرات إيف 16 لهدم البيوت على ساكنيها بدعوى الدفاع عن النفس”.
وفي كلمته للمجموعة الدولية أوضح السفير أبو كوش بأن “الافتقار إلى إدانة حازمة من قبل المجموعة الدولية لقتل الأطفال الفلسطينيين أو لإنهاء الفضائع، شجع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي على التصريح بأن إسرائيل ستطبق محرقة ضد الفلسطينيين، على حد تعبيره”.
وقال السفير الفلسطيني “إن الشعب الفلسطيني الذي سُلبت منه حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبل قوة احتلال من حقه أن يثور ضد الطغيان والبربرية وفقا للقانون الدولي” وأن “حق الدفاع عن النفس ليس حقا مقتصرا على الإسرائيليين، بل من حق الفلسطينيين أيضا ومن حق كل الواقعين تحت الاحتلال”.
أما بعد المشاورات التوفيقية، فذكر السفير أبو كوش بأن ما يتم اليوم في غزة “يذكر بالمجازر الصهيونية السابقة”. واستغرب “كيف أن إسرائيل التي تتذكر المحرقة ترغب في تحويل غزة إلى جحيم”.
مشاورات توفيقية بوساطة سويسرية
مشروع القرار الذي كان يُتوقع ألا يلاقي صعوبات تُذكر نظرا لإدماجه منذ البداية لفقرة تتعلق بالمطالبة بوقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية ضد المدنيين في جنوب إسرائيل، تعرض لتعليق الجلسة في حدود الخامسة مساءا لمدة ساعة بغرض التوفيق بين المواقف. وهو التعليق الذي لعبت فيه سويسرا دورا توفيقيا حسب تصريح ممثل منظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد تمخض ذلك عن استبدال بعض العبارات من بينها “جرائم حرب” بـ “أمر مخالف للقانون الإنساني الدولي”. ورغم هذه الجهود التوفيقية، اعتبر ممثل الاتحاد الأوربي بأنه “ليس في مقدوره دعم مشروع القرار بنصه النهائي”، وهو ما ترتب عنه امتناع 13 دولة من بينها كل دول الاتحاد الأوربي، وتصويت كندا ضد القرار.
أما الممثل السويسري بليز غودي، فعلل تصويت بلده بنعم بأنه يجب أن يفهم منه أنه “الإشارة التي يجب تقديمها نظرا لخطورة الأوضاع في جنوب إسرائيل وفي غزة، وللاعتراف بالجهود التي قدمت لتحسين النص الأصلي”.
وأضاف السفير السويسري “إننا كنا ننتظر إدانة إطلاق الصواريخ الفلسطينية أيضا”، قبل أن يختتم تدخله بقوله “كنا نرغب في الذهاب إلى أبعد، ولكن ذلك لم يكن ممكنا ولنا أمل في أن نتمكن في المستقبل من الحديث بصوت واحد” في هذا المجلس.
المصدر : معهد جنيف لحقوق الإنسان
المدير التنفيذي : نزار عبد القادر
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف